بقلم: الشيخ عبد الله السبتي
ليت اشياخي ببدر شهـدوا *** جزع الخزرج من وقع الاسل
لأهلـوا واستهـلوا فرحـاً *** ثم قالـوا يايزيـد لا تشـل
لست من خندف ان لم انتقم *** من بنـي احمد ما كان فعل
هذه ابيات ابن الزعبرى يتمثل بها يزيد الاموي بن معاوية يوم ادخل عليه بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهن مربقات بالحبال.
وهل يرى احد ان هذه الابيات تحتاج الى تعليق عليها ؟ لا احسب ذلك فان نظرة عابرة الى هذه الابيات كافية لتفهم نفسية يزيد وانها تعبير صادق عما في قرارة النفس الاموية .. ومن الذي يفتح جوانب نفسه البشرية ويرى فيها عمقاً واتساعاً لسماع قوله:
لعبت هاشم بالملك فلا *** خبر جاء ولا وحي نزل
ثم هو لا يعتقد بأن الخليفة الخليع يزيد ان يلعب لعبة جاهلية اموية ليعيد عزه المدحور وسلطانه المقهور، أليس في هذا الصوت بزه تسمعنا اصوات شيبة وعتبة يوم بدر وتنحدر لتعيد على المسلمين صوت ابي سفيان –الشيخ الضال- بين يدي عثمان وهو يقول: ((تلقفوها يا بني امية فلا جنة ولا نار)) اجل انها صورة من صور الواقع الذي يعمل في سبيله كل اموي.
لقد تغلب الاستبداد الاموي على القصر في الشام وتغلب في سائر انحاء المملكة الاسلامية والناس في ذهول عن المقاصد الاموية وكان حقاً على المسلمين ان يكونوا في يقظة وانتباه ليتبين لهم المقاصد الاموية ولكن … في فمي ماء …
وان الاربعين سنة التي قضاها معاوية وهو على منصة الحكم يفعل ما يفعل كانت كفيلة بان تهيء جيلاً من الناس يساير الحكم الاموي ويتضامن معه في الحياة الدينية والسياسية وان ينخدع بمعاوية… ومن الذي يستطيع ان ينكر علينا ان معاوية خادع المسلمين فانخدع به اكثرهم وخادع فقهاء المسلمين وكتابهم وشعرائهم بل انخدع به بعض صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كأبي الدرداء وامثاله.
ولعل في قصة أرينب مثلاً صادقاً من اروع المثل لانخداع هذا الصحابي، وكادت هذه الحره أن تغتصب من زوجها عبد الله بن سلام القرشي بخديعة معاوية ارضاءاً لشهوة ولده الخليع يزيد المنهومة لولا ان الحسين منيع الشرف والاباء يقف في وجه الخديعة المنكرة.
والحقيقة ان المسلمين في ذلك العهد فقدوا العدل الاجتماعي وضاعت المثل العليا من بينهم وكان الصراع عنيفاً بين الاسلام والاموية الجاهلية. ويستحيل ان يكون صراع الا ان يكون هناك مصارعون، ويستحيل ان يكون جدل الا ان يكون مجادلون. وليس في ساحة النضال سوى الهاشميين والامويين أؤلئك يحملون في يمناهم كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي يسراهم الاخلاق الاسلامية وهؤلاء يطالبون بدم شيبة وعتبة والوليد المراق يوم بدر ويطالبون بسلطانهم المنهزم امام الاسلام. ولا احسب ان هذا يحتاج الى التدليل، وليس على من يريد الدليل الا ان يساير تاريخ الأسرتين وان يقايس بين الاسرتين من البداية الى النهاية والا يقارن بين اقوال رجال الاسرتين.
والمقايسة تزيل كل استغراب وترفع كل شك وتدفع التهمة والحق الذي تدل عليه القرائن، ان معاوية كان يعمل في سبيل الامويين فقط وقد كان يطوف به طائف من امويته يدعوه في الصباح اذا اصبح وفي المساء اذا امسى الى توطيد الحكم الاموي ولا يهمه الاسلام في قليل او كثير اذا لم تعكس القضية، وحسبنا في التدليل على ذلك انه قدم الى المسلمين ولده يزيد بخموره وقروده وفهوده وغوانيه وغانياته ليكون خليفة على المسلمين.
وما عسى ان تكون الحياة العامة اذا كان الخليفة يزيد ؟ والى أي هوة سحيقة سينحدر الاسلام ؟! وفي أي مقبرة من المقابر سيدفن دين الله ؟ اذا استمر يزيد الخليع وبيده صولجان الحكم ؟!! وواضح جداً المصير، وحياة يزيد تدل من غير لبس على المقصد، فان معاوية قد قضى على نخبة صالحة من بناة الهيكل الاسلامي ويريد من يزيد القضاء على البقية من الطبقة الدينية المرموقة لانها ساهمت في بناء الهيكل الاسلامي وطاردت الجاهلية الاموية.
صحا يزيد من خمرته، وافاق من سكرته، فاذا هو خليفة واذا بيده صولجان الملك، واذا به هو الآمر الناهي، وانتبه المسلمون من نومهم واذا الخليع خليفتهم فما هم صانعون حقاً انها المحنة الكبرى القاسية التي ستعرض المسلمين الى الخطر، وحقاً ان هذه الخلافة ليست الا حكماً صارماً على الدين بالموت.
ويزيد يعلم مكان الحسين (عليه السلام) من المسلمين ويعلم مكانه من الاسلام فهو وحده الخصم اللدود الذي كان يقض مضجعه فيطوف عليه طائف من القلق في الصباح والمساء يزعجه .. وان من يمعن شيئاً من الامعان ويحاكم التاريخ محاكمة على ضوء التحليل يجد عوناً أي عون على استيضاء الاسس التي اقام يزيد عليها بنيانه.
الحرية في عصر معاوية وعصر يزيد في حاجة لان يدافع عنها، والعدل في حاجة لان يدافع عنه وفي الحياة اشياء اخرى غير الحرية والعدل في حاجة لان يدافع عنها، والدين على فراش الموت يدير بطرفه يمنة ويسرة يستصرخ المسلمين ويستحثهم على انقاذه قبل ان يلفظ النفس الاخير.
فخف ابو عبد الله الحسين ملبياً ومجيباً ومنجداً، خف بنفسه وولده واهل بيته، ولسان حاله يقول:
ان كان دين محمد لم يستقم *** إلاّ بقتلي ياسيوف خذيني
وكان كذلك فقد اخذته السيوف والرماح والسهام والحجارة، وقتل معه سبعة عشر من اهل بيته ليس على وجه الارض لهم مثيل، ورفع رأسه على الرمح يحف به نيف وسبعون رأساً من اوتاد الارض والنخبة الصالحة من المسلمين وحماة الدين …
وبعد … أينبغي لأحد أن يقول أن الحسين (عليه السلام) تقدم الى طلب السلطان انها المقالة الخاطئة التي لا ترتكز على شيء من المنطق ويجب على الناس جميعاً ان يعلموا ان الحسين تقدم الى الموت لينقذ الاسلام وليكشف عن نوايا بني امية.
والحق: أن حادث كربلاء والدم النجيع المراق في ذلك الوادي محتاجان الى تفكير خاص، وانعام النظر، وكلما تعمق الدارسون في دراسة الحادث برزت لهم نواحيه المختلفة واتضح لهم ارتباطه بالعهد الهاشمي النبيل والعهد الاموي الجائر.
والحق: أن الحسين (عليه السلام) صاحب رسالة أداها على أكمل وجوهها ولم يدع عذراً لمعتذر.
هو ان الحسين قاتل فقتل فما شأن الاطفال ؟ وهبو أن قتل الاطفال اباحته الانسانية. فما هو ذنب ودائع الرسالة وحرائر النبوة ليسقن اسارى من بلد الى بلد وقد هتكت ستورهن وابدين وجوههن تحدوا بهن الاعداء ويستشرفهن اهل المناهل والمنازل القريب والبعيد والدني والشريف وليس معهن من رجالهن ولي ولا من حماتهن حمي، وبالأخير يقفون بهن على درج الجامع –وما ادراك ما درج الجامع- انه الموضع التي نعرض فيه سبايا المشركين للبيع فالمأساة المروعة: اذن ليست الا لوناً من الوان العهد الجاهلي الاموي وليست الا صورة كامنة لاهداف ثابتة في قرارة النفس الاموية.
والمأساة: صورة مثالية في سبيل المثالية المحمدية - واحيا الحسين بهذه الميتة النبيلة دنيا من السعادة يسير في ارجائها المسلمون الى الآن والى يوم يقوم الناس الى الحساب.
ولا أراني محتاجاً في التدليل الى اكثر من ان نرى يزيد يأمر بأدخال السبايا عليه في مهرجانه ويراهن مكبلات في الحبال ثم تهزه الاريحية الاموية فيتمثل بقول ابن الزبعرى:
ليت اشياخي ببـدر شهدوا *** جزع الخزرج من وقع الاسل
ثم هو ينحني على ثنايا ابي عبد الله ينكثها بمخصرته فيأخذ الحزن والاسى من ودائع الرسالة مأخذه العظيم.
ولكن الايام لم توان يزيد ولم تمهل الامويين فقد افاق المسلمون من نومتهم وانتبهوا من سكرتهم .. ولم يفشل الحسين (عليه السلام) ولم يسقط في الميدان صريعاً فلقد فاز الحسين (عليه السلام) وخسر الامويين وظفر الحسين وسقط عدوه في الميدان خاسئاً خاسراً واخذ الحسين (عليه السلام) بيد الانسانية ورفعها عن المستوى المادي القذر الى مستوى رفيع.
فسلام عليك يا أبا عبد الله يوم ولدت وسلام عليك يوم مت وسلام عليك يوم تبعث حيا.
إرسال تعليق