بقلم: الشيخ وسام البلدواي
أخرج البخاري في كتابه الجامع الصحيح والمشهور اليوم باسم (صحيح البخاري) أحاديث كثيرة عن بعض الرواة الذين وصفوا بالضعف تارة وبالكذب تارة أخرى وبالتدليس والسرقة تارة ثالثة، وهو ما يضع علامة استفهام على جميع ما قيل من تمجيد وتضخيم لهذا الكتاب الذي ادعى كاتبه بأنه لم يضع فيه إلا الصحيح الذي يراه حجة فيما بينه وبين الله سبحانه، وفيما يلي جملة من تلك الشواهد الناطقة بتهافت عنوان كتاب الجامع الصحيح مع ما احتواه من أحاديث غير صحيحة ومطعون في مضامينها ونقولاتها.
إخراج البخاري لأحاديث بعض الذين اشتهروا بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله
واتفقوا على عدم قبول رواية من اشتهر بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وبقي يكذب عنادا وإصرارا، لكنهم اختلفوا في من يتوب عن هذه الصفة، فذهب الأكثر إلى ان توبته لا تنفعه وان عدالته تسقط وان روايته تترك سواء تاب أم لم يتب، وذهب البعض إلى قبول توبته ورجوع عدالته.
نقل كلام ابن الصلاح في عدم قبول توبة الكاذب على رسول الله صلى الله عليه وآله
وابن الصلاح من نقل عدم قبول توبة الراوي الكاذب على رسول الله صلى الله عليه وآله حتى وان تاب وحسنت توبته إذ يقول: (التائب من الكذب في حديث الناس وغيره من أسباب الفسق تقبل روايته إلا التائب من الكذب متعمدا في حديث رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم فإنه لا تقبل روايته أبدا وان حسنت توبته على ما ذكر عن غير واحد من أهل العلم منهم أحمد بن حنبل وأبو بكر الحميدي شيخ البخاري وأطلق الإمام أبو بكر الصيرفي الشافعي فيما وجدت له في شرحه لرسالة الشافعي فقال كل من أسقطنا خبره من أهل النقل بكذب وجدناه عليه لم نعد لقبوله بتوبة تظهر ومن ضعفنا نقله لم نجعله قويا بعد ذلك وذكر أن ذلك مما افترقت فيه الرواية والشهادة وذكر الإمام أبو المظفر السمعاني المروزي أن من ذكر في خبر واحد وجب إسقاط ما تقدم من حديثه وهذا يضاهي من حيث المعنى ما ذكره الصيرفي والله أعلم). (مقدمة ابن الصلاح لعثمان بن عبد الرحمن ص 91 ــ92).
نقل النووي لآراء علماء أهل السنة بعدم قبول خبر الكاذب على رسول الله صلى الله عليه وآله حتى وان تاب
وقال النووي وهو ينقل رأي ما استقر عليه أكثر أهل السنة: (تحريم الكذب عليه صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم وأنه فاحشة عظيمة وموبقة كبيرة ولكن لا يكفر بهذا الكذب إلا أن يستحله هذا هو المشهور من مذاهب العلماء من الطوائف وقال الشيخ أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين أبي المعالي من أئمة أصحابنا يكفر بتعمد الكذب عليه صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم حكى إمام الحرمين عن والده هذا المذهب وأنه كان يقول في درسه كثيرا من كذب على رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم عمدا كفر وأريق دمه... ثم إن من كذب على رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم عمدا في حديث واحد فسق وردت رواياته كلها وبطل الاحتجاج بجميعها فلو تاب وحسنت توبته فقد قال جماعة من العلماء منهم أحمد بن حنبل وأبو بكر الحميدي شيخ البخاري وصاحب الشافعي وأبو بكر الصيرفي من فقهاء أصحابنا الشافعيين وأصحاب الوجوه منهم ومتقدميهم في الأصول والفروع لا تؤثر توبته في ذلك ولا تقبل روايته أبدا بل يحتم جرحه دائما وأطلق الصيرفي وقال كل من أسقطنا خبره من أهل النقل بكذب وجدناه عليه لم نعد لقبوله بتوبة تظهر ومن ضعفنا نقله لم نجعله قويا بعد ذلك قال وذلك مما افترقت فيه الرواية والشهادة ولم أر دليلا لمذهب هؤلاء ويجوز أن يوجه بأن ذلك جعل تغليظا وزجرا بليغا عن الكذب عليه صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم لعظم مفسدته فإنه يصير شرعا مستمرا إلى يوم القيامة بخلاف الكذب على غيره). (شرح مسلم للنووي ج 1 ص 69 ــ 70).
ضرب البخاري لهذه الأقوال عرض الجدار
ولكن البخاري ضرب بهذه القاعدة عرض الجدار وأخرج عن جماعة ممن اشتهروا بالكذب المتعمد على رسول الله صلى الله عليه وآله وأصروا على ذلك ولم تنقل لهم توبة، منهم إسماعيل بن أبي أويس، والذي اخرج له البخاري أكثر من ستة عشر حديثا في كتابه صحيح البخاري، وكذلك اخرج له مسلم عدة أحاديث في كتابه صحيح مسلم واخرج له الجميع باستثناء النسائي، مع اجتماعهم تقريبا على ضعفه وتكذيبه، وفيما يلي جملة من أقوالهم حوله.
بعض نماذج الكذابين الذين اخرج لهم البخاري في صحيحه
قال النسائي في كتاب الضعفاء والمتروكين: (إسماعيل بن أبي أويس ضعيف). (كتاب الضعفاء والمتروكين للنسائي ص 152).
وقال العقيلي في كتابه الضعفاء: (إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس المديني حدثني محمد بن أحمد قال حدثنا معاوية بن صالح قال سمعت يحيى بن معين يقول أبو أويس وابنه ضعيفان وحدثني أسامة الرقاق بصري يقول سمعت يحيى بن معين يقول إسماعيل بن أبي أويس لا يسوى فلسا). (ضعفاء العقيلي ج 1 ص 87).
وقال المزي في تهذيب الكمال: (وقال عبد الوهاب بن أبي عصمة، عن أحمد بن أبي يحيى، عن يحيى بن معين: ابن أبي أويس وأبوه يسرقان الحديث. وقال إبراهيم بن عبد الله الجنيد، عن يحيى: مخلط، يكذب، ليس بشيء. وقال أبو حاتم: محله الصدق، وكان مغفلا. وقال النسائي: ضعيف. وقال في موضع آخر: ليس بثقة). (تهذيب الكمال للمزي ج 3 ص 127 ــ 128).
وفي كتاب إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال عن سلمة بن شبيب: (سمعت إسماعيل بن أبي أويس يقول: ربما أضع الحديث لأهل المدينة إذا اختلفوا في شيء فيما بينهم). (إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال لعلاء الدين مغلطاي ج 2 ص 184 ــ 185).
فإسماعيل بن أبي أويس على وفق هذه الشهادات يصح وصفه بالضعف وبتعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله لقوله السابق: (ربما أضع الحديث لأهل المدينة إذا اختلفوا في شيء فيما بينهم) وانه ووفق رأي المشهور فاسق يجب ترك جميع رواياته، ووفق رأي الشيخ أبي محمد الجويني والد إمام الحرمين أبي المعالي الذي هو من أئمة السنة كافر حلال الدم، والذي حكاه النووي بقوله الآنف الذكر: (يكفر بتعمد الكذب عليه صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم حكى إمام الحرمين عن والده هذا المذهب وأنه كان يقول في درسه كثيرا من كذب على رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم عمدا كفر وأريق دمه).
دفاع ابن حجر عن هذا الكذاب!!
وقد انبرى ابن حجر للدفاع عن إسماعيل بن أبي أويس بقوله: (ولعل هذا كان من إسماعيل في شبيبته ثم انصلح). (تهذيب التهذيب لابن حجر ج1 ص273).
أقول: لم يقدم لنا ابن حجر أي دليل على احتمال انصلاح حال إسماعيل بن أبي أويس، ومع انعدام الدليل على توبته وصلاحه يبقى حاله على ما هو عليه من الضعف والكذب وسرقة الأحاديث ووضعها.
إخراجه لأحاديث رواة وصفوا بالجهالة والضعف
قال الذهبي: (فالمحدث إذا نظر في سند حديث ووجد فيه رجلا مجهولا: حكم بضعفه، لاحتمال ضعف ذلك المجهول، وربما حكم بوضعه، لغلبة الظن عنده بأن ذلك المجهول كذاب). (الكاشف في معرفة من له رواية في كتب الستة للذهبي ج 1 ص 26).
نماذج من الضعفاء والمجهولين الذين اخرج لهم البخاري في صحيحه
أقول: وقد اخرج البخاري في كتابه الجامع الصحيح المشهور بصحيح البخاري مجموعة أحاديث عن رجال اشتهروا بالجهالة مثل (أسباط أبو اليسع البصري) الذي شهد بجهالته عدة من علماء أهل السنة، بل شهد بعضهم بضعفه مع جهالته، ومع جهالته وضعفه يحكم بوضع وكذب أحاديثه بناء على ما أوضحه الذهبي في قوله السابق، وفيما يلي جملة من أقوال الذين وصفوه بالجهالة:
فمنهم الرازي حيث يقول: (أسباط أبو اليسع البصري روى عن شعبة بن الحجاج روى عنه محمد بن عبد الله بن حوشب سمعت أبي يقول ذلك ويقول هو مجهول). (الجرح والتعديل للرازي ج 2 ص333).
وقال الباجي: (أسباط أبو اليسع البصري أخرج البخاري في البيوع عن محمد بن عبد الله بن حوشب الطائفي عنه عن هشام الدستوائي لم يذكره الكلاباذي إلا في جملة من أضيف إلى غيره في الإخراج عنه قال أبو عبد الله له حديث واحد وذكره الدارقطني ذكره عبد الرحمن من أبي حاتم وقال سمعت أبي يقول هو مجهول). (التعديل والتجريح لسليمان بن خلف الباجي ج 1 ص 391).
وقال ابن حجر: (أسباط أبو اليسع البصري يقال اسم أبيه عبد الواحد ضعيف له حديث واحد متابعة في البخاري من التاسعة). (تقريب التهذيب لابن حجر ج 1 ص 76).
إخراجه لأحاديث رواة كانوا يأخذون الأجرة على الرواية
قال ابن الصلاح: (من أخذ على التحديث أجرا منع ذلك من قبول روايته عند قوم من أئمة الحديث روينا عن إسحاق بن إبراهيم أنه سئل عن المحدث يحدث بالأجر فقال لا يكتب عنه، وعن أحمد بن حنبل وأبي حاتم الرازي نحو ذلك وترخص أبو نعيم الفضل بن دكين وعلي بن عبد العزيز المكي وآخرون في أخذ العوض على التحديث وذلك شبيه بأخذ الأجرة على تعليم القرآن ونحوه غير أن في هذا من حيث العرف خرما للمروءة والظن يساء بفاعله). (مقدمة ابن الصلاح لعثمان بن عبد الرحمن ص 92 ــ 93).
نماذج ممن اخرج لهم البخاري وهم ممن يأخذون الأجرة على رواية الحديث
أقول: قد اخرج البخاري ليعقوب بن إبراهيم، واخرج كذلك لأبي نعيم الفضل بن دكين خمسة أحاديث في صحيحه، واخرج كذلك لهشام بن عمار في غير مكان من صحيحه، واخرج كذلك لعفان بن مسلم في عدة مواضع أيضا، وكان كل واحد منهم يأخذ الأجرة في مقابل تحديثه بالرواية.
قال النسائي: (يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا إسماعيل عن يحيى بن عتيق عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه. قال أبو عبد الرحمن كان يعقوب لا يحدث بهذا الحديث إلا بدينار). (سنن النسائي ج 1 ص 49).
وقال السمعاني نقلا عن أبي أحمد عبد الله بن عدي الحافظ بجرجان قال: (سمعت قسطنطين بن عبد الله الرومي مولى المعتمد على الله أمير المؤمنين يقول حضرت مجلس هشام بن عمار فقال له المستملي من ذكرت فقال حدثنا بعض مشائخنا ثم نعس ثم قال له من ذكرت فنعس فقال المستملي لا تنتفعوا به فجمعوا له شيئا فأعطوه فكان بعد ذلك يملي عليهم). (أدب الإملاء والاستملاء للسمعاني ص 121).
وعن ابن حجر قال: (وقال ابن وارة عزمت زمانا أن امسك عن حديث هشام لأنه كان يبيع الحديث وقال صالح بن محمد كان يأخذ على الحديث ولا يحدث ما لم يأخذ وقال الإسماعيلي عن عبد الله بن محمد بن سيار كان هشام يلقن وكان يلقن كل شيء ما كان من حديثه وكان يقول أنا قد خرجت هذه الأحاديث صحاحا وقال الله تعالى فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه. وكان يأخذ على كل ورقتين درهمين ويشارط ولما لمته على التلقين قال أنا أعرف حديثي ثم قال لي بعد ساعة إن كنت تشتهي أن تعلم فأدخل إسنادا في شيء فتفقدت الأسانيد التي فيها قليل اضطراب فسألته عنها فكان يمر فيها). (تهذيب التهذيب لابن حجر ج 11 ص 48).
إخراجه لأحاديث رواة كانوا من المشهورين بالتدليس
التدليس في اللغة هو المخادعة وعدم تبيان العيب، قال الفراهيدي: (دلس: ودلّس في البيع وفي كل شيء إذا لم يبين له عيبه). (كتاب العين للخليل الفراهيدي ج 7 ص 228).
وقال ابن منظور بعد أن ذكر كلام الفراهيدي نفسه: (والتدليس في البيع: كتمان عيب السلعة عن المشتري، قال الأزهري: ومن هذا أخذ التدليس في الإسناد وهو أن يحدث المحدث عن الشيخ الأكبر وقد كان رآه إلا أنه سمع ما أسنده إليه من غيره من دونه، وقد فعل ذلك جماعة من الثقات). (لسان العرب لابن منظور ج 6 ص 86).
أما في اصطلاح الفقهاء والمحدثين فالتدليس وكما يقول محمد قلعجي في معجم لغة الفقهاء هو: (عند الفقهاء: إخفاء العيب في السلعة... عند المحدثين: أن يروي عمن لقيه ولم يسمع منه، أو يروي عن شخص يوهم أنه غيره). (معجم لغة الفقهاء لمحمد قلعجي ص 126).
والتدليس من العيوب التي ابتلي فيها كثير من الرواة، وهو صفة مذمومة عند أئمة الحديث وشيوخه، فقد عدها شعبة اشد من الزنا فقد كان يقول: (التدليس في الحديث أشد من الزنا ولان أسقط من السماء أحب إلي من أن أدلس). (الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ص 393).
والتدليس كان يعد عند أعلام السنة مرادفا للكذب، كما نقله الحسن بن علي حيث كان: (يقول سمعت أبا أسامة يقول خرب الله بيوت المدلسين ما هم عندي إلا كذابون). (المصدر السابق).
وعن خالد بن خداش: (قال سمعت حماد بن زيد يقول التدليس كذب ثم ذكر حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور قال حماد ولا أعلم المدلس إلا متشبعا بما لم يعط). (المصدر السابق ص394).
أكثر من تسعين بالمائة من روايات البخاري نقلت عن رواة اشتهروا بالتدليس
أقول: وقد روى البخاري لأشخاص عرفوا بالتدليس، عدهم البعض بثمانية وستين راويا، اخرج لهم ما يقارب ستة آلاف ومائتين واثنين وسبعين ما بين رواية أو تعليق، وهي نسبة مهولة، تعني ان أكثر من تسعين بالمائة من أحاديثه ورواياته قد تم نقلها من أناس اشتهروا بالتدليس.
رأي الدكتور عواد الخلف في عدد المدلسين في صحيح البخاري
وقد عثرت وفي أثناء تتبعي لموضوع المدلسين في صحيح البخاري على كتاب باسم (روايات المدلسين في صحيح البخاري، جمعها ــ تخريجها ــ الكلام عليها) للدكتور عواد الخلف، وهو من أهل السنة، وبحثه عبارة عن رسالة علمية حصل بها الباحث على درجة الدكتوراه في أصول الدين من كلية أصول الدين بجامعة القرويين في المغرب، وقد ذكر الدكتور عواد الخلف في كتابه هذا تلك الأرقام الكبيرة التي ذكرناها آنفا، حيث تتبع جميع رجال البخاري بحسب طبقاتهم وذكر أسماءهم وعدد رواياتهم وخرج برقم قاطع هو ما ذكرناه سابقا.
ابن حجر يضع قاعدة شيطانية للخروج من هذا المأزق
غير انه وبعد ذكره لهذا العدد الهائل من المدلسين ورواياتهم،طبق ما اقترحه ابن حجر في كتابه (مقدمة فتح الباري) والذي وضع قاعدة للتعامل مع روايات المدلسين في كتاب صحيح البخاري أوضحها بقوله: (فحكم من ذكر من رجاله ــ أي صحيح البخاري ــ بتدليس أو إرسال أن تسبر أحاديثهم الموجودة عنده بالعنعنة فإن وجد التصريح بالسماع فيها اندفع الاعتراض وإلا فلا). (مقدمة فتح الباري لابن حجر ص382).
قاعدة ابن حجر لا تنجي البخاري من ورطته
ولكن قاعدة ابن حجر هذه لم تنج صحيح البخاري من ورطته، فقد سبر الدكتور عواد الخلف في كتابه أحاديث البخاري فأخرج تسعة وعشرين راويا روى لهم البخاري ما يقارب ثمانمائة واثنتين وعشرين رواية لم يصرح فيها بالسماع فتكون مردودة بحسب القاعدة التي بناها ابن حجر في كيفية التعامل مع روايات المدلسين في صحيح البخاري.
أقول: والدكتور عواد الخلف وان كان قد فارق الحق في كثير ممن اخرج أحاديثهم من دائرة الرد والرفض إلى دائرة القبول، إلا ان العدد النهائي الذي خرج به يعد كبيرا جدا، يجعل من صحيح البخاري كتابا غير دقيق بالمرة ويحطم تلك النظرة الفاضلة التي حاول المغرضون رسمها وترسيخها في أذهان الناس.
ملاحظة مهمة قبل الختام: لماذا نثير هذه المواضيع الحساسة؟
هذا الموضوع وأمثاله ما كنا لنثيره ونتعرض له لولا تلك الهجمة الشرسة التي تتعرض لها مدونات الشيعة وكتبهم الروائية من كثير من علماء أهل السنة ومحدثيهم ومثقفيهم، وبالخصوص تلك الهجمات التي تشنها الفرقة الوهابية المارقة، فيكون إثارة هذا الأمر بناءً على هذا ردا ودفاعا عن أهم مقدساتنا، لان مدوناتنا الروائية هي التي نقلت جميع الكلمات والأحاديث والعقائد والأحكام التي ورثناها عن أهل بيت العصمة والطهارة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فضربهم لها وحربهم عليها معناه ضرب جميع تلك الأحكام والعقائد والأحاديث، كما ان الدفاع عنها يعد بمنزلة الدفاع عن جميع تلك الأمور المهمة.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وأهل بيته الطاهرين.
أخرج البخاري في كتابه الجامع الصحيح والمشهور اليوم باسم (صحيح البخاري) أحاديث كثيرة عن بعض الرواة الذين وصفوا بالضعف تارة وبالكذب تارة أخرى وبالتدليس والسرقة تارة ثالثة، وهو ما يضع علامة استفهام على جميع ما قيل من تمجيد وتضخيم لهذا الكتاب الذي ادعى كاتبه بأنه لم يضع فيه إلا الصحيح الذي يراه حجة فيما بينه وبين الله سبحانه، وفيما يلي جملة من تلك الشواهد الناطقة بتهافت عنوان كتاب الجامع الصحيح مع ما احتواه من أحاديث غير صحيحة ومطعون في مضامينها ونقولاتها.
إخراج البخاري لأحاديث بعض الذين اشتهروا بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله
واتفقوا على عدم قبول رواية من اشتهر بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وبقي يكذب عنادا وإصرارا، لكنهم اختلفوا في من يتوب عن هذه الصفة، فذهب الأكثر إلى ان توبته لا تنفعه وان عدالته تسقط وان روايته تترك سواء تاب أم لم يتب، وذهب البعض إلى قبول توبته ورجوع عدالته.
نقل كلام ابن الصلاح في عدم قبول توبة الكاذب على رسول الله صلى الله عليه وآله
وابن الصلاح من نقل عدم قبول توبة الراوي الكاذب على رسول الله صلى الله عليه وآله حتى وان تاب وحسنت توبته إذ يقول: (التائب من الكذب في حديث الناس وغيره من أسباب الفسق تقبل روايته إلا التائب من الكذب متعمدا في حديث رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم فإنه لا تقبل روايته أبدا وان حسنت توبته على ما ذكر عن غير واحد من أهل العلم منهم أحمد بن حنبل وأبو بكر الحميدي شيخ البخاري وأطلق الإمام أبو بكر الصيرفي الشافعي فيما وجدت له في شرحه لرسالة الشافعي فقال كل من أسقطنا خبره من أهل النقل بكذب وجدناه عليه لم نعد لقبوله بتوبة تظهر ومن ضعفنا نقله لم نجعله قويا بعد ذلك وذكر أن ذلك مما افترقت فيه الرواية والشهادة وذكر الإمام أبو المظفر السمعاني المروزي أن من ذكر في خبر واحد وجب إسقاط ما تقدم من حديثه وهذا يضاهي من حيث المعنى ما ذكره الصيرفي والله أعلم). (مقدمة ابن الصلاح لعثمان بن عبد الرحمن ص 91 ــ92).
نقل النووي لآراء علماء أهل السنة بعدم قبول خبر الكاذب على رسول الله صلى الله عليه وآله حتى وان تاب
وقال النووي وهو ينقل رأي ما استقر عليه أكثر أهل السنة: (تحريم الكذب عليه صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم وأنه فاحشة عظيمة وموبقة كبيرة ولكن لا يكفر بهذا الكذب إلا أن يستحله هذا هو المشهور من مذاهب العلماء من الطوائف وقال الشيخ أبو محمد الجويني والد إمام الحرمين أبي المعالي من أئمة أصحابنا يكفر بتعمد الكذب عليه صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم حكى إمام الحرمين عن والده هذا المذهب وأنه كان يقول في درسه كثيرا من كذب على رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم عمدا كفر وأريق دمه... ثم إن من كذب على رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم عمدا في حديث واحد فسق وردت رواياته كلها وبطل الاحتجاج بجميعها فلو تاب وحسنت توبته فقد قال جماعة من العلماء منهم أحمد بن حنبل وأبو بكر الحميدي شيخ البخاري وصاحب الشافعي وأبو بكر الصيرفي من فقهاء أصحابنا الشافعيين وأصحاب الوجوه منهم ومتقدميهم في الأصول والفروع لا تؤثر توبته في ذلك ولا تقبل روايته أبدا بل يحتم جرحه دائما وأطلق الصيرفي وقال كل من أسقطنا خبره من أهل النقل بكذب وجدناه عليه لم نعد لقبوله بتوبة تظهر ومن ضعفنا نقله لم نجعله قويا بعد ذلك قال وذلك مما افترقت فيه الرواية والشهادة ولم أر دليلا لمذهب هؤلاء ويجوز أن يوجه بأن ذلك جعل تغليظا وزجرا بليغا عن الكذب عليه صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم لعظم مفسدته فإنه يصير شرعا مستمرا إلى يوم القيامة بخلاف الكذب على غيره). (شرح مسلم للنووي ج 1 ص 69 ــ 70).
ضرب البخاري لهذه الأقوال عرض الجدار
ولكن البخاري ضرب بهذه القاعدة عرض الجدار وأخرج عن جماعة ممن اشتهروا بالكذب المتعمد على رسول الله صلى الله عليه وآله وأصروا على ذلك ولم تنقل لهم توبة، منهم إسماعيل بن أبي أويس، والذي اخرج له البخاري أكثر من ستة عشر حديثا في كتابه صحيح البخاري، وكذلك اخرج له مسلم عدة أحاديث في كتابه صحيح مسلم واخرج له الجميع باستثناء النسائي، مع اجتماعهم تقريبا على ضعفه وتكذيبه، وفيما يلي جملة من أقوالهم حوله.
بعض نماذج الكذابين الذين اخرج لهم البخاري في صحيحه
قال النسائي في كتاب الضعفاء والمتروكين: (إسماعيل بن أبي أويس ضعيف). (كتاب الضعفاء والمتروكين للنسائي ص 152).
وقال العقيلي في كتابه الضعفاء: (إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس المديني حدثني محمد بن أحمد قال حدثنا معاوية بن صالح قال سمعت يحيى بن معين يقول أبو أويس وابنه ضعيفان وحدثني أسامة الرقاق بصري يقول سمعت يحيى بن معين يقول إسماعيل بن أبي أويس لا يسوى فلسا). (ضعفاء العقيلي ج 1 ص 87).
وقال المزي في تهذيب الكمال: (وقال عبد الوهاب بن أبي عصمة، عن أحمد بن أبي يحيى، عن يحيى بن معين: ابن أبي أويس وأبوه يسرقان الحديث. وقال إبراهيم بن عبد الله الجنيد، عن يحيى: مخلط، يكذب، ليس بشيء. وقال أبو حاتم: محله الصدق، وكان مغفلا. وقال النسائي: ضعيف. وقال في موضع آخر: ليس بثقة). (تهذيب الكمال للمزي ج 3 ص 127 ــ 128).
وفي كتاب إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال عن سلمة بن شبيب: (سمعت إسماعيل بن أبي أويس يقول: ربما أضع الحديث لأهل المدينة إذا اختلفوا في شيء فيما بينهم). (إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال لعلاء الدين مغلطاي ج 2 ص 184 ــ 185).
فإسماعيل بن أبي أويس على وفق هذه الشهادات يصح وصفه بالضعف وبتعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله لقوله السابق: (ربما أضع الحديث لأهل المدينة إذا اختلفوا في شيء فيما بينهم) وانه ووفق رأي المشهور فاسق يجب ترك جميع رواياته، ووفق رأي الشيخ أبي محمد الجويني والد إمام الحرمين أبي المعالي الذي هو من أئمة السنة كافر حلال الدم، والذي حكاه النووي بقوله الآنف الذكر: (يكفر بتعمد الكذب عليه صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم حكى إمام الحرمين عن والده هذا المذهب وأنه كان يقول في درسه كثيرا من كذب على رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم عمدا كفر وأريق دمه).
دفاع ابن حجر عن هذا الكذاب!!
وقد انبرى ابن حجر للدفاع عن إسماعيل بن أبي أويس بقوله: (ولعل هذا كان من إسماعيل في شبيبته ثم انصلح). (تهذيب التهذيب لابن حجر ج1 ص273).
أقول: لم يقدم لنا ابن حجر أي دليل على احتمال انصلاح حال إسماعيل بن أبي أويس، ومع انعدام الدليل على توبته وصلاحه يبقى حاله على ما هو عليه من الضعف والكذب وسرقة الأحاديث ووضعها.
إخراجه لأحاديث رواة وصفوا بالجهالة والضعف
قال الذهبي: (فالمحدث إذا نظر في سند حديث ووجد فيه رجلا مجهولا: حكم بضعفه، لاحتمال ضعف ذلك المجهول، وربما حكم بوضعه، لغلبة الظن عنده بأن ذلك المجهول كذاب). (الكاشف في معرفة من له رواية في كتب الستة للذهبي ج 1 ص 26).
نماذج من الضعفاء والمجهولين الذين اخرج لهم البخاري في صحيحه
أقول: وقد اخرج البخاري في كتابه الجامع الصحيح المشهور بصحيح البخاري مجموعة أحاديث عن رجال اشتهروا بالجهالة مثل (أسباط أبو اليسع البصري) الذي شهد بجهالته عدة من علماء أهل السنة، بل شهد بعضهم بضعفه مع جهالته، ومع جهالته وضعفه يحكم بوضع وكذب أحاديثه بناء على ما أوضحه الذهبي في قوله السابق، وفيما يلي جملة من أقوال الذين وصفوه بالجهالة:
فمنهم الرازي حيث يقول: (أسباط أبو اليسع البصري روى عن شعبة بن الحجاج روى عنه محمد بن عبد الله بن حوشب سمعت أبي يقول ذلك ويقول هو مجهول). (الجرح والتعديل للرازي ج 2 ص333).
وقال الباجي: (أسباط أبو اليسع البصري أخرج البخاري في البيوع عن محمد بن عبد الله بن حوشب الطائفي عنه عن هشام الدستوائي لم يذكره الكلاباذي إلا في جملة من أضيف إلى غيره في الإخراج عنه قال أبو عبد الله له حديث واحد وذكره الدارقطني ذكره عبد الرحمن من أبي حاتم وقال سمعت أبي يقول هو مجهول). (التعديل والتجريح لسليمان بن خلف الباجي ج 1 ص 391).
وقال ابن حجر: (أسباط أبو اليسع البصري يقال اسم أبيه عبد الواحد ضعيف له حديث واحد متابعة في البخاري من التاسعة). (تقريب التهذيب لابن حجر ج 1 ص 76).
إخراجه لأحاديث رواة كانوا يأخذون الأجرة على الرواية
قال ابن الصلاح: (من أخذ على التحديث أجرا منع ذلك من قبول روايته عند قوم من أئمة الحديث روينا عن إسحاق بن إبراهيم أنه سئل عن المحدث يحدث بالأجر فقال لا يكتب عنه، وعن أحمد بن حنبل وأبي حاتم الرازي نحو ذلك وترخص أبو نعيم الفضل بن دكين وعلي بن عبد العزيز المكي وآخرون في أخذ العوض على التحديث وذلك شبيه بأخذ الأجرة على تعليم القرآن ونحوه غير أن في هذا من حيث العرف خرما للمروءة والظن يساء بفاعله). (مقدمة ابن الصلاح لعثمان بن عبد الرحمن ص 92 ــ 93).
نماذج ممن اخرج لهم البخاري وهم ممن يأخذون الأجرة على رواية الحديث
أقول: قد اخرج البخاري ليعقوب بن إبراهيم، واخرج كذلك لأبي نعيم الفضل بن دكين خمسة أحاديث في صحيحه، واخرج كذلك لهشام بن عمار في غير مكان من صحيحه، واخرج كذلك لعفان بن مسلم في عدة مواضع أيضا، وكان كل واحد منهم يأخذ الأجرة في مقابل تحديثه بالرواية.
قال النسائي: (يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا إسماعيل عن يحيى بن عتيق عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه. قال أبو عبد الرحمن كان يعقوب لا يحدث بهذا الحديث إلا بدينار). (سنن النسائي ج 1 ص 49).
وقال السمعاني نقلا عن أبي أحمد عبد الله بن عدي الحافظ بجرجان قال: (سمعت قسطنطين بن عبد الله الرومي مولى المعتمد على الله أمير المؤمنين يقول حضرت مجلس هشام بن عمار فقال له المستملي من ذكرت فقال حدثنا بعض مشائخنا ثم نعس ثم قال له من ذكرت فنعس فقال المستملي لا تنتفعوا به فجمعوا له شيئا فأعطوه فكان بعد ذلك يملي عليهم). (أدب الإملاء والاستملاء للسمعاني ص 121).
وعن ابن حجر قال: (وقال ابن وارة عزمت زمانا أن امسك عن حديث هشام لأنه كان يبيع الحديث وقال صالح بن محمد كان يأخذ على الحديث ولا يحدث ما لم يأخذ وقال الإسماعيلي عن عبد الله بن محمد بن سيار كان هشام يلقن وكان يلقن كل شيء ما كان من حديثه وكان يقول أنا قد خرجت هذه الأحاديث صحاحا وقال الله تعالى فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه. وكان يأخذ على كل ورقتين درهمين ويشارط ولما لمته على التلقين قال أنا أعرف حديثي ثم قال لي بعد ساعة إن كنت تشتهي أن تعلم فأدخل إسنادا في شيء فتفقدت الأسانيد التي فيها قليل اضطراب فسألته عنها فكان يمر فيها). (تهذيب التهذيب لابن حجر ج 11 ص 48).
إخراجه لأحاديث رواة كانوا من المشهورين بالتدليس
التدليس في اللغة هو المخادعة وعدم تبيان العيب، قال الفراهيدي: (دلس: ودلّس في البيع وفي كل شيء إذا لم يبين له عيبه). (كتاب العين للخليل الفراهيدي ج 7 ص 228).
وقال ابن منظور بعد أن ذكر كلام الفراهيدي نفسه: (والتدليس في البيع: كتمان عيب السلعة عن المشتري، قال الأزهري: ومن هذا أخذ التدليس في الإسناد وهو أن يحدث المحدث عن الشيخ الأكبر وقد كان رآه إلا أنه سمع ما أسنده إليه من غيره من دونه، وقد فعل ذلك جماعة من الثقات). (لسان العرب لابن منظور ج 6 ص 86).
أما في اصطلاح الفقهاء والمحدثين فالتدليس وكما يقول محمد قلعجي في معجم لغة الفقهاء هو: (عند الفقهاء: إخفاء العيب في السلعة... عند المحدثين: أن يروي عمن لقيه ولم يسمع منه، أو يروي عن شخص يوهم أنه غيره). (معجم لغة الفقهاء لمحمد قلعجي ص 126).
والتدليس من العيوب التي ابتلي فيها كثير من الرواة، وهو صفة مذمومة عند أئمة الحديث وشيوخه، فقد عدها شعبة اشد من الزنا فقد كان يقول: (التدليس في الحديث أشد من الزنا ولان أسقط من السماء أحب إلي من أن أدلس). (الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ص 393).
والتدليس كان يعد عند أعلام السنة مرادفا للكذب، كما نقله الحسن بن علي حيث كان: (يقول سمعت أبا أسامة يقول خرب الله بيوت المدلسين ما هم عندي إلا كذابون). (المصدر السابق).
وعن خالد بن خداش: (قال سمعت حماد بن زيد يقول التدليس كذب ثم ذكر حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور قال حماد ولا أعلم المدلس إلا متشبعا بما لم يعط). (المصدر السابق ص394).
أكثر من تسعين بالمائة من روايات البخاري نقلت عن رواة اشتهروا بالتدليس
أقول: وقد روى البخاري لأشخاص عرفوا بالتدليس، عدهم البعض بثمانية وستين راويا، اخرج لهم ما يقارب ستة آلاف ومائتين واثنين وسبعين ما بين رواية أو تعليق، وهي نسبة مهولة، تعني ان أكثر من تسعين بالمائة من أحاديثه ورواياته قد تم نقلها من أناس اشتهروا بالتدليس.
رأي الدكتور عواد الخلف في عدد المدلسين في صحيح البخاري
وقد عثرت وفي أثناء تتبعي لموضوع المدلسين في صحيح البخاري على كتاب باسم (روايات المدلسين في صحيح البخاري، جمعها ــ تخريجها ــ الكلام عليها) للدكتور عواد الخلف، وهو من أهل السنة، وبحثه عبارة عن رسالة علمية حصل بها الباحث على درجة الدكتوراه في أصول الدين من كلية أصول الدين بجامعة القرويين في المغرب، وقد ذكر الدكتور عواد الخلف في كتابه هذا تلك الأرقام الكبيرة التي ذكرناها آنفا، حيث تتبع جميع رجال البخاري بحسب طبقاتهم وذكر أسماءهم وعدد رواياتهم وخرج برقم قاطع هو ما ذكرناه سابقا.
ابن حجر يضع قاعدة شيطانية للخروج من هذا المأزق
غير انه وبعد ذكره لهذا العدد الهائل من المدلسين ورواياتهم،طبق ما اقترحه ابن حجر في كتابه (مقدمة فتح الباري) والذي وضع قاعدة للتعامل مع روايات المدلسين في كتاب صحيح البخاري أوضحها بقوله: (فحكم من ذكر من رجاله ــ أي صحيح البخاري ــ بتدليس أو إرسال أن تسبر أحاديثهم الموجودة عنده بالعنعنة فإن وجد التصريح بالسماع فيها اندفع الاعتراض وإلا فلا). (مقدمة فتح الباري لابن حجر ص382).
قاعدة ابن حجر لا تنجي البخاري من ورطته
ولكن قاعدة ابن حجر هذه لم تنج صحيح البخاري من ورطته، فقد سبر الدكتور عواد الخلف في كتابه أحاديث البخاري فأخرج تسعة وعشرين راويا روى لهم البخاري ما يقارب ثمانمائة واثنتين وعشرين رواية لم يصرح فيها بالسماع فتكون مردودة بحسب القاعدة التي بناها ابن حجر في كيفية التعامل مع روايات المدلسين في صحيح البخاري.
أقول: والدكتور عواد الخلف وان كان قد فارق الحق في كثير ممن اخرج أحاديثهم من دائرة الرد والرفض إلى دائرة القبول، إلا ان العدد النهائي الذي خرج به يعد كبيرا جدا، يجعل من صحيح البخاري كتابا غير دقيق بالمرة ويحطم تلك النظرة الفاضلة التي حاول المغرضون رسمها وترسيخها في أذهان الناس.
ملاحظة مهمة قبل الختام: لماذا نثير هذه المواضيع الحساسة؟
هذا الموضوع وأمثاله ما كنا لنثيره ونتعرض له لولا تلك الهجمة الشرسة التي تتعرض لها مدونات الشيعة وكتبهم الروائية من كثير من علماء أهل السنة ومحدثيهم ومثقفيهم، وبالخصوص تلك الهجمات التي تشنها الفرقة الوهابية المارقة، فيكون إثارة هذا الأمر بناءً على هذا ردا ودفاعا عن أهم مقدساتنا، لان مدوناتنا الروائية هي التي نقلت جميع الكلمات والأحاديث والعقائد والأحكام التي ورثناها عن أهل بيت العصمة والطهارة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فضربهم لها وحربهم عليها معناه ضرب جميع تلك الأحكام والعقائد والأحاديث، كما ان الدفاع عنها يعد بمنزلة الدفاع عن جميع تلك الأمور المهمة.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وأهل بيته الطاهرين.
2 التعليقات
اخي الكريم اقسم بانني مسلم ستي من مصر بلدالازهر واني غيرمثعصب اقرا للجميع لان المسلم الحق لايصنف تحت اي مسمى مذهبي 0كلامك صحيح جدا جدا وادعوك لقراءة كتاب اضواء على السنة المحمدية للشيخ الازهري محمودابورية الذي يؤيد كلامك وكتاب المغيرللامام الستي ابوالفيض الغماري حيث قال /لاثخشى قول ان في الصحيحين احاديث موضوعة يرويها رجالا متهمين بالكذب ورجال متهمين بالنصب والعداء لاهل البيت ورجال كثرمتهمين بالتدليس //وهتاك امثلة كثيرة من اقوال علماء السنة المتقدمين
تعليق68 راوي مخادع
تعليق6272 رواية مخادعة
أي 90% من كتاب بخارى إذا كذب وتدليس
إرسال تعليق