بعض خصائص السيدة الزهراء عليها السلام الملكيّة والملكوتيّة

بقلم: السيد عادل العلوي

اعلم أنّ قانون الزوجيّة كقانون العلّية، بنصّ القرآن الكريم هو الحاكم على العالم التكويني: ((وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ))[1].

ومن مصاديق الأزواج العقل الكلّ والنفس الكلّ وكذا العلم والعمل، والعلم مقوّم روح الإنسان والعمل يشخّص بدن الإنسان، والعقل العملي يتبع العقل النظري، فالعلم إمام العمل.

ومن مصاديق الأزواج: السماء والأرض، والوجود والماهيّة، وكلّ مذكّر ومؤنّث من الحيوان والروح الذي يتكوّن من نطفة الرجل والبدن المتكوّن من نطفة المرأة. وهذا القانون حاكم في كلّ شيء حتّى أعصاب المخّ فإنّه يتكوّن من أعصاب زوجيّة.

والنكاح اللقاح التكويني هو الحاكم في قانون الزوجية، يتولّد منه العوالم المعنويّة والروحيّة والنفسية والمثالية والحسّية، فالنكاح الأوّل كان في الأسماء الإلهيّة ثمّ في عالم الأرواح والعقول المفارقة ثمّ عالم الأجساد الطبيعية والعنصرية، ثمّ يتولّد منه المولّدات الثلاث ــ المعادن والنباتات والحيوانات ــ والنكاح الأخير يختصّ بالإنسان الكامل والكون الجامع، فالروح بمنزلة الزوج والنفس بمنزلة الزوجة. والخلق يكون على أساس التثليث، فالولد نطفة من الأبوين.

والإنسان الكامل سواء الرجل أو المرأة هو ثمرة شجرة الوجود، فهو غاية الحركتين الوجودية والايجادية، فالمرأة مصنع الصنع الإلهي، فهي كالشجرة الطيّبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كلّ حين.

والإنسان الكامل لو كان رجلاً فهو مظهر العقل الكلّ، وإن كان امرأة فهو مظهر النفس الكلّية وصورتها.

فعلي  عليه السلام مظهر العقل الكلّي على أتمّ الوجوه الممكنة، فهو أمّ الكتاب، وفاطمة الزهراء مظهر النفس الكلّية على أتمّ الوجوه الممكنة.

إنّ فاطمة الزهراء  عليها السلام وديعة المصطفى، الحوراء الإنسيّة، مطلع الأنوار العلوية، وضياء المشكاة الولويّة، أمّ أبيها، وأمّ الأئمة النجباء، صندوق العلم، ووعاء المعرفة.

لا ريب ولا شكّ أنّ فاطمة أحرزت مقام العصمة الإلهية الكبرى، وكما ذهب الأعاظم من علمائنا الأعلام كالشيخ المفيد والسيّد المرتضى إلى عصمتها، كما تدلّ الآيات الكريمة كآية التطهير والروايات الشريفة على ذلك، ومن أنكر ذلك فإنه كالأعمى الذي ينكر نور الشمس.

والعصمة قوّة نوريّة ملكوتية في المعصوم تعصمه عن جميع ما يشين الإنسان الكامل من الذنوب والمعاصي والسهو والنسيان والغفلة وما شابه ذلك، ومن كان معصوما من أوّله إلى آخره لا يصدر منه الشين.

فاطمة الزهراء معصومة بعصمة الله سبحانه كما عصم أولادها الأئمة الأطهار، فإنّ عصمتهم كعصمة القرآن، فهما الثقلان اللذان لن يفترقا في كل شيء من البداية وحتى النهاية.

والأذان إعلام وإعلان لما يحمل الإنسان من العقيدة، فالشيعي إنّما يعلن عن عقائده الصحيحة في أذانه وإقامته للصلاة، فيعلن للعالم كلّ يوم أنّه يؤمن بالله ووحدانيته كما يؤمن برسول الله ونبوّته ويؤمن بولاية علي وإمامته، كما يشهد بعصمة الزهراء وطهارتها، أي في أذانه وإقامته يخبر عن معتقده في الأربعة عشر معصوماً  عليهم السلام.

وفاطمة الزهراء بقيّة النبوّة وعقيلة الرسالة، زوج وليّ الله الأعظم وكلمة الله الأتمّ، حازت مقام العصمة، فلا مانع بل من الراجح أن يشهد بعصمتها في الأذان والإقامة كما يشهد بنبوّة والدها وبولاية زوجها، فنقول في الأذان والإقامة بعد الشهادة الثالثة: (أشهد أن فاطمة الزهراء عصمة الله)[2]، أو يلحقها بالشهادة الثالثة، أي (أشهد أنّ علياً وأولاده المعصومين حجج الله، وأنّ فاطمة الزهراء عصمة الله)، فيقولها لا بقصد الجزئيّة كما أفتى المشهور من الفقهاء بذلك في الشهادة الثالثة.

وممّا يدلّ على عصمتها أنّ الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها، كما ورد متواتراً في كتب الفريقين السنّة والشيعة.

ولا تجد معصوماً تزوّج بمعصومة إلاّ أمير المؤمنين  عليه السلام، ولولا علي لما كان لفاطمة كفؤ آدم ومن دونه، فإنّ المعصومة لا يتزوّجها إلاّ المعصوم، فمن خصائص أمير المؤمنين التي لا يشاركه فيها أحد حتّى النبيّ الأعظم محمد  صلى الله عليه وآله وسلم هو زواجه من المعصومة فاطمة الزهراء  عليه السلام، وهو الزواج المبارك وزواج النور من النور كما ورد في الأخبار، فلا يستولي على المعصومة إلاّ المعصوم، لأنّ الرجال قوّامون على النساء، فالمعصومة لا يتزوّجها إلاّ المعصوم، بخلاف المعصوم فإنّه يتزوّج غير المعصومة، فتدبّر.

وفاطمة سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين، في الدنيا والآخرة، كما يشهد بذلك آية التطهير وحديث الكساء وأصحابه الخمسة: المصطفى والمرتضى وابناهما وفاطمة. وإنّما قدّم في آية المباهلة النساء والأبناء على الأنفس ربما للإشارة إلى أنّ الأنفس فداهما.

وفاطمة حقيقتها حقيقة ليلة القدر، فمن عرفها حقّ المعرفة فقد أدرك ليلة القدر، وسمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن كنه معرفتها.

والله خلق عالم الملك على وزان عالم الملكوت، والملكوت على وزان الجبروت، حتّى يستدلّ بالملك على الملكوت وبالملكوت على الجبروت وهو عالم العقول.

وقد عبّر عن القوس النزولي بالليل والليالي، كما عبّر عن القوس الصعودي باليوم والأيام، فعصمة الله فاطمة عبّر عنها بليلة الله، فهي يوم الله كذلك، والإنسان الكامل هو القرآن الناطق، فنزل أحد عشر قرآنا ناطقاً في ليلة القدر، أي في فاطمة الزهراء، فهي الكوثر وإنّا أعطيناك الكوثر وليلة القدر خير من ألف شهر أي ألف مؤمن، فإنّ فاطمة أمّ الأئمة النجباء وأمّ المؤمنين والملائكة من المؤمنين الذين حملوا علوم آل محمد  صلى الله عليه وآله وسلم، وروح القدس فاطمة يتنزّلون في ليلة القدر بإذن ربّهم من كلّ أمر، سلام هي حتّى مطلع فجر قائم آل محمد  صلى الله عليه وآله وسلم.

وأيام الله كما ورد في خبر العسكري هم الأئمة فلا تعادوا أيام الله فتعاديكم. والمعرفة على نحوين: مفهوميّة استدلالية ومعنويّة ذوقيّة. والثانية يحصل عليها العارف بالشهود والكشف لا بالبرهان والكسب، والعيان ليس كالبيان.

وليلة القدر قلب الإنسان الكامل الذي هو عرش الرحمن وأوسع القلوب، فالروح الأمين في ليلة مباركة نزل بالقرآن، فانشرح صدره، فليلة القدر الصدر النبويّ الوسيع.

ومثل هذا الصدر الشريف يحمل القرآن العظيم دفعة واحدة في ليلة مباركة، وفرق بين الإنزال فهو دفعي والتنزيل فهو تدريجي، فنزل القرآن دفعة واحدة في ليلة القدر ثمّ طيلة 23 سنة نزل تدريجاً. (ولقد كانت مفروضة الطاعة على جميع خلق الله من الجنّ والإنس والطير والوحوش والأنبياء والملائكة)[3].

والقلب يطلق على الشكل الصنوبري اللحمي الموجود في الجانب الأيسر من القفص الصدري، كما يطلق على اللطيفة الربانية المتعلّقة بالقلب الجسماني، فكذلك هذا المعنى يطلق في ليلة القدر.

وليلة القدر الذي يحمل القرآن دفعة واحدة في معارفه وحقائقه هي فاطمة الزهراء عليها السلام، وما من حرف في القرآن إلاّ وله سبعون ألف معنى، وفاطمة تعرف تلك المعاني، فمن عرفها حقّ معرفتها أدرك ليلة القدر، فهي درّة التوحيد ووديعة المصطفى ليلة القدر ويوم الله والكون الجامع والقلب اللامع الذي يتجلّى فيه الغيب.

ثمّ إنّ النبوّة والوحي على نحوين؛ تشريعية مختصّة بالرجال وقد ختمت بمحمّد فحلاله حلال إلى يوم القيامة، ومقامية تكوينية ــ تسمّى بالنبوّة العامّة ــ فتعمّ الرجال والنساء، كما في قوله تعالى: ((وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى))[4]. كما قال أمير المؤمنين  عليه السلام: أرى نور الوحي وأشمّ رائحته.

كما قال الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم: تسمع ما أسمع وترى ما أرى، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي، وأنت وزيري، وإنّك على خير. فمثل هذه النبوّة مستمرّة إلى يوم القيامة ينالها أصحاب النفوس القدسية فيتمثّل لها الصور الملكية والملكوتية كما وقع لمريم العذراء بحملها عيسى كلمة الله.

وفاطمة كانت ممّن تحدّثها الملائكة، فهي المحدّثة ــ بالكسر والفتح ــ. فهناك من عنده علم من لدن حكيم كالخضر  عليه السلام، ومثل موسى من أنبياء أولي العزم يريد أن يستصحبه كي يتعلّم رشداً، إلا أنه لا يستطيع صبراً.

واسم فاطمة مشتق من أسماء الله الحسنى، واشتقّ اسمها من الفاطر، فلا يقاس بها أحد بعد أبيها خاتم النبييّن وبعلها سيّد الوصييّن.

والعلم نور يتّحد مع العالم والمعلوم، فيدخل جنّة الذات والأسماء، والحكمة جنّة، فمن يدخل الحكمة فقد دخل الجنّة، والإنسان الحكيم الكامل جنّة، وهو القرآن الناطق، وكلّ يعمل على شاكلته فاقرأ وارقأ.

ن والقلم، فما يكتب في العصمة الكبرى لفاطمة الزهراء إلاّ رشحات من بحر معرفتها، وقد فطم الخلق عن كنه معرفتها، فمن يعرفها ويعرف أسرارها؟

قال رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ الله جعل علياً وزوجته وأبناءه حجج الله على خلقه، وهم أبواب العلم في أمّتي، من اهتدى بهم هدي إلى صراطٍ مستقيم[5].

وفي قوله تعالى: ((مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ))[6].

أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله تعالى: ((مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ)) قال: علي وفاطمة، ((بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ)) قال: النبي ((يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ)) قال:الحسن والحسين[7].

وأذاها أذى رسول الله، ومن يؤذِ الرسول فقد آذى الله، ومن يؤذِهم فعليه لعنة الله في الدنيا وعذابٌ مهينٌ في الآخرة، كما في قوله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا))[8].

وما أوذي نبيّ بمثل ما أوذيت، أيّ أذى أكبر ممّا ورد على فاطمة الزهراء من المصائب من قبل الظالمين؟ وثبتت العصمة لها من خلال الأحاديث الواردة في فضائلها ومقاماتها.

من أهمّ الخصائص الفاطمية


وإليكم جملة من الخصائص، قد استخرجتها من الروايات الشريفة، وهي تدلّ على الأمور الغيبية في تكوينها وفي حياتها الملكيّة والملكوتيّة، فإنّها:

1 ــ أوّل بنت تكلّمت في بطن أمّها.

2 ــ أوّل مولودة أنثى سجدت لله عند ولادتها.

3 ــ أمّ أبيها.

4 ــ شرافتها العنصريّة، فهي الحوراء الإنسيّة.

5 ــ اشتقاق اسمها من اسم الله الفاطر سبحانه وتعالى.

6 ــ رشدها الخاصّ.

7 ــ إنّها من أصحاب الكساء  عليهم السلام.

8 ــ الإمام المهدي المنتظر  عجل الله فرجه الشريف من ولدها.

9 ــ ذرّيتها لا يدخلون النار ولا يموتون كفّاراً، والنظر إليهم عبادة.
10 ــ لم يكن لها كفو من الرجال آدم ومن دونه إلاّ أسد الله الغالب الإمام علي بن أبي طالب  عليه السلام.

11 ــ هي ليلة القدر.

12 ــ فطم الخلق عن معرفتها.

13 ــ على معرفتها دارت القرون الأولى.

14 ــ كتب اسمها على العرش.

15 ــ تحضر الوفاة لكلّ مؤمن ومؤمنة.

16 ــ لها ولادة خاصّة.

17 ــ ينفع حبّها في مائة موطن.

18 ــ نجاة شيعتها بيدها المباركة، وتجلّي الشفاعة الفاطمية يوم القيامة.

19 ــ زيارتها وحجّيتها على الأئمة الأطهار  عليهم السلام.

20 ــ في خلقتها النوريّة تساوي النبي  صلى الله عليه وآله وسلم.

21 ــ إنها مجمع النورين النبوي والعلوي.

22 ــ إنّها مفروضة الطاعة المطلقة على كلّ الخلائق.

23 ــ هي العصمة الكبرى والطهارة العظمى.

24 ــ اسمها المبارك (فاطمة) يوجب الغنى.

25 ــ هي النسلة الميمونة والمباركة.

26 ــ زواجها كان في السماء قبل الأرض.

27 ــ حديث اللوح.

28 ــ تسبيحها وآثارها.

29 ــ يفتخر الله بعبادتها على الملائكة.

30 ــ إقرار الأنبياء والأوصياء بفضلها ومحبّيها.

31 ــ يُشمّ منها رائحة الجنة.

32 ــ الوحيدة التي قبّل النبيّ يدها.

33 ــ هدية الله لنبيّه  صلى الله عليه وآله وسلم.

34 ــ خير نساء العالمين من الأوّلين والآخرين في الدنيا والآخرة.

35 ــ تبكي الملائكة لبكائها.

36 ــ وجوب الصلاة عليها كالنبيّ وآله الأطهار  عليهم السلام.

37 ــ قرّة عين الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم.

38 ــ ثمرة فؤاد النبي  صلى الله عليه وآله وسلم.

39 ــ مهرها وصداقها.

40 ــ أمّ الأئمة الأطهار  عليهم السلام.

41 ــ مصحف فاطمة  عليها السلام.

42 ــ بحر النبوّة.

43 ــ كوثر القرآن.

44 ــ شوق النبيّ للقائها وإنّه يبدأ بها بعد السفر كما يختم بها حين السفر.

45 ــ أوّل من تدخل الجنة.

46 ــ ظلامتها.

ـــــــــــــــــ
[1] سورة الذاريات، الآية: 49.
[2] كما ذهب إلى هذا شيخنا الأستاذ آية الله الشيخ حسن زاده الآملي في (قص حكمة عصمتية في كلمة فاطمة)، فراجع.
[3] دلائل الإمامة: 28.
[4] سورة القصص، الآية: 7.
[5] شواهد التنزيل، للحافظ الحسكاني الحنفي: 1، 58.
[6] سورة الرحمن، الآيات: 19ــ22.
[7] الدرّ المنثور للسيوطي: 7، 697.
[8] سورة الأحزاب، الآية: 57.

إرسال تعليق