دلهم بنت عمير ودورها في نصرة الثورة الحسينية


بقلم: الباحثة كفاح الحداد

دلهم بنت عمير هي زوجة زهير بن القين وكانت امرأة صالحة وكانت معه في سفره وكان زهير عثماني الهوى مما جعله يتحاشى الإمام في المسير. يقول السيد ابن طاووس: ... ثمّ سار (عليه السلام) فحدّث جماعة من بني فزارة وبجيلة قالوا: كنّا مع زهير ابن القين لمّا اقبلنا من مكّة فكنّا نسائر الحسين عليه السلام حتّى لحقناه فكان إذا أراد النّزول اعتزلناه فنـزلنا ناحية فلمّا كان في بعض الأيّام نزل في مكان لم نجد بداً من أن ننازله فيه فبينا نحن نتغذّى من طعام لنا إذ اقبل رسول الحسين عليه السلام حتّى سلّم ثمّ قال: يا زهير بن القين إنّ أبا عبد الله الحسين عليه السلام بعثني إليك لتأتيه فطرح كلّ إنسان منّا ما في يده حتّى كأنّ على رؤوسنا الطير.

فقالت له زوجته وهي ديلم بنت عمرو: سبحان الله أيبعث إليك ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم لا تأتيه؟ فلو أتيته فسمعت من كلامه فمضى إليه زهير بن القين فما لبث أن جاء مستبشراً قد أشرق وجهه فأمر بفسطاطه وثقله ومتاعه فحوّل إلى الحسين عليه السلام وقال لامرأته أنت طالق فانّي لا أحبّ ان يصيبك بسببي إلا خير وقد عزمت على صحبة الحسين عليه السلام لأفديه بنفسي وأقيه بروحي ثمّ أعطاها مالها وسلّمها إلى بعض بني عمّها ليوصلها إلى أهلها فقامت إليه وبكت وودّعته وقالت كان الله عوناً ومعيناً خار الله لك اسألك أن تذكرني في القيامة عند جدّ الحسين عليه السلام فقال لأصحابه من أحبّ أن يصحبني وإلا فهو آخر العهد منّي به. (السيد الجليل ابن طاوس، اللهوف على قتلى الطفوف، ص 71 – 73).

ويفرح زهير بولائه للإمام بقوله لعزرة الذي أرسله ابن سعد نحو الحسين عليه السلام: يا عزرة، إن الله قد زكاها وهداها فاتّقِ الله يا عزرة فاني لك من الناصحين، أنشدك الله يا عزرة أن لا تكون ممن يعين أهل الضلالة على قتل النفوس الزكية.

ثم قال عزرة: يا زهير ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت إنما كنت على غير رأيهم قال زهير: أفلست تستدل بموقفي هذا أني منهم أما والله ما كتبت إليه كتاباً قط ولا أرسلت إليه رسولاً ولا وعدته نصرتي ولكن الطريق جمع بيني وبينه فلما رأيته ذكرت به رسول الله ومكانه منه وعرفت ما يقدم عليه عدوه فرأيت أن أنصره وأن أكون من حزبه واجعل نفسي دون نفسه لما ضيعتم من حق رسوله.

زهير الذي كان يتحاشى الإمام الحسين تراه يقف مدافعا عنه أمام القوم حيث يدعوه الناس للتخلي عن النصرة في حين يقول: والله وددت اني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى اقتل كذا ألف مرة، وان الله عز وجل يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك. (المقرم، 214).

ونال زهير وسام الشهادة وبقي اسمه خالداً مع الشهداء ومع أنصار الحسين عليه السلام ولزوجته المؤمنة الموالية الأثر الكبير في ذلك فهي التي كانت تحثه على لقاء الإمام الحسين عليه السلام وهي التي كانت تعاتبه حينما كان معرضا عنه في المسير. فالمرأة الصالحة هي التي تدفع زوجها لتحصيل الجنان رغم ان الأمر ليس بالهين أبداً. فأواصر الحب الزوجي تبقى قوية يشوبها حرص أقوى على الشريك وخوف من الفقدان والفراق لكن كل العلاقات تذوب وتتسامى أمام نصرة الدين والعقيدة، فكيف تسامت هذه المرأة لتجعل إرادة الله فوق إرادة قلبها ولتعود إلى قومها بمفردها تاركة الزوج الحبيب يحث الخطى نحو مذبح الشهادة. ولما ودعته قالت له: كان الله عوناً ومعيناً خار الله لك أسألك أن تذكرني في القيامة عند جدّ الحسين عليه السلام.

وبهذه الكلمات القصار تكشف عن إيمانها العميق بالله وعن ولائها لأهل البيت عليهم السلام.. انه قلبها الذي قال لها انه الفراق الأبدي والموعد الدار الآخرة ورغم ذلك زفت زوجها إلى ميدان الحرب فاستحقت الأجر العظيم والخلود في ذمة التاريخ.

إرسال تعليق