معرفة الله حق معرفته متوقف على معرفة الأئمة حق معرفتهم

بقلم: خالدة البلداوي
عن عبد الله بن جعفر عن محمد بن علي عن الحسين بن سعيد عن علي بن الصلت عن الحكم وإسماعيل عن بريد قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (بنا عبد الله وبنا عرف الله وبنا وعد الله ومحمد صلى الله عليه وآله حجاب الله). (بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار ص84).

وعن علي بن جعفر عن أخيه قال: قال أبو عبد الله صلوات الله وسلامه عليه: (إن الله خلقنا فأحسن خلقنا وصورنا فأحسن صورنا فجعلنا خزانه في سماواته وأرضه ولولانا ما عرف الله). (بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار ص125).

وعن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن جابر قال: (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إنما يعرف الله عز وجل ويعبده من عرف الله وعرف إمامه منا أهل البيت ومن لا يعرف الله عز وجل و [ لا ] يعرف الإمام منا أهل البيت فإنما يعرف ويعبد غير الله هكذا والله ضلالا). (الكافي للشيخ الكليني ج 1 ص 181).

وعن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: الأوصياء هم أبواب الله عز وجل التي يؤتى منها ولولاهم ما عرف الله عز وجل وبهم احتج الله تبارك وتعالى على خلقه). (الكافي للشيخ الكليني ج 1 ص 193).

وقال المولى المازندراني في شرح هذا الحديث الأخير ما نصه: (قوله: «الأوصياء هم أبواب الله تعالى» أي أبواب جنته أو أبواب علمه كما قال «أنا مدينة العلم وعلي بابها، والبيوت إنما تؤتى من أبوابها» ومراده أن من طلب العلم والحكمة وأسرار الشريعة والتقرب إلى الله فليرجع إلى الأوصياء وليأت البيوت من أبوابها وليتق الله فان من أتاه من غير بابها سمي سارقاً.
قوله: «ولولاهم ما عرف الله» لأن عظمته أرفع من أن يصل إليه كل طالب ورفعته أجل من أن ينظر إليه كل شاهد وغائب، وصراطه أدق من أن يتطرق إليه قدم الأوهام وشرعه أشرف من أن يقبل مخترعات الأفهام، فلولا هداية الأوصياء وإرشاد الأولياء لبقوا متحيرين في تيه الجهالة وراقدين في مرقد الضلالة كما ترى من أعرض عن التوسل بهدايتهم والتمسك بذيل عصمتهم، فإن بعضهم يقول بالتجسيم وبعضهم يقول بالتصوير وبعضهم يقول بالتحديد وبعضهم يقول بالتخطيط وبعضهم يقول إنه محل للصفات وبعضهم يقول بأنه قابل للحركة والانتقال إلى غير ذلك من المذاهب الباطلة، وبالله العصمة والتوفيق). (شرح أصول الكافي للمولى محمد صالح المازندراني ج 5 ص 175).

وجاء عن بعض المحققين ما يؤيد هذه الروايات الشريفة حيث قال: (...كل حكمة وعلم من الحق صدرت فمن طريقهم إلى الخلق وصلت، وكل رحمة من الله انتشرت فبهم انتشرت، وكل عناية منه على الخلائق وقعت فبسببهم تحققت، لأنهم عيبة علمه، ومعدن حكمته، وسبب خيره، ووسائط فيضه، ويده الباسطة، وعينه الناظرة، وأذنه السامعة، ولسانه الناطق، والمخلوقون من نوره، والمؤيدون بروحه وبهم يقضي في الخلق قضيته، وإليهم تهبط في مقادير أموره إرادته. بلى، بلى، أيها السالك سبيل الحكمة والطالب بالعرفان طريق السعادة، إليهم، إليهم فإن عندهم الحكمة، وبإتباعهم تحصل السعادة، وبهم عرف الله وبهم عبد الله). (التوحيد للشيخ الصدوق ص 5 كلمات حول الكتاب).

وقال العلامة المجلسي: (بيان: قوله: وبنا عبد الله، أي نحن علمنا الناس طريق عبادة الله، أو نحن عبدنا الله حق عبادته بحسب الإمكان، أو بولايتنا عبد الله فإنها أعظم العبادات، أو بولايتنا صحت العبادات فإنها من أعظم شرائطها. قوله: ولولانا ما عرف الله، أي لم يعرفه غيرنا، أو نحن عرفناه الناس، أو بجلالتنا وعلمنا وفضلنا عرفوا جلالة قدر الله وعظم شأنه). (بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج 26 ص 247).

وقال السيد علي خان المدني الشيرازي: (وفي استعارة لفظ الباب إشعار بأنه لا مدخل يتوصل به إليه سبحانه سوى من جعله بابا للوصول إليه إذ لا يدخل إلى الدار ولا يتوصل إليها إلا من بابها، فمن ظن أنه يتوصل إليه سبحانه من غير هذه الأبواب فقد ظن باطلا وأخطأ سهمه الثغرة وضل سواء السبيل). (رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين للسيد علي خان المدني الشيرازي ج 7 شرح ص 25).

إذن فعبادة الله حق عبادته ومعرفته تعالى حق معرفته لا تتأتى لأحد من العالمين إلا عن طريق القبول عنهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، لأنهم الباب الذي يدخل منه إلى التوحيد الصادق غير المشوب بالباطل، ولأنهم الوجهة الصحيحة التي يتوجه إليها طالبي الهداية إلى الله سبحانه ودينه وأحكامه، وإن من أخذ بيد غيرهم، واتخذ غير وجهتهم، ضل سواء السبيل.

وهذا القبول عنهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين لا يتم من دون معرفتهم، لان السائر على الطريق من دون معرفة بالطريق لا يزيده كثرة المسير إلا جهلا وتخبطا،بل وربما يحيد عن الطريق وتزل قدمه وينجرف في غير طريقهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين من دون أن يعرف، كما حصل للكثيرين، وذلك لان أهل البيت هم بوصلة الهداية الإلهية فمن لا يعرف البوصلة كيف له أن يسير سيراً مستقيما سليما.

أما السائر على طريقهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين عارفا بحقهم وكمالاتهم ومراتب فضائلهم ومنازلهم التي اصطفاهم الله سبحانه ووضعهم فيها لا يزيده كثرة المسير إلا ترقيا في سلم الكمالات، وبصيرة بكل ما يحيط بدرب غيرهم من الظلمات المتراكم بعضها فوق بعض {أو كظلماتٍ في بحرٍ لجيٍ يغشاه موجٌ من فوقه موجٌ من فوقه سحابٌ ظلماتٌ بعضها فوق بعضٍ إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نورٍ}. (سورة النور الآية رقم 40).

وما ورد على لسان الروايات من التعبير عنهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بالأسماء الحسنى دال على هذه الحقيقة فعن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها } قال: نحن والله الأسماء الحسنى التي لا يقبل الله من العباد عملا إلا بمعرفتنا). (الكافي للشيخ الكليني ج 1 ص 143 ــ 144).

ومعلوم أن معرفة الصفات الإلهية واجبة على كل مكلف فكذلك معرفتهم، ومعرفة الصفات الإلهية يتوقف عليها معرفة الله سبحانه حق معرفته، وكذلك هم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين لأنهم مرآة الصفات الإلهية، بل هم تجسيد لها في عالم الإمكان.

إرسال تعليق