في الإنصاف سعادة

بقلم: الشيخ علي الفتلاوي

قال الامام الحسين عله السلام: «فَإنْ أعْطَيْتُمُونِي النَّصَفَ كَنْتُمْ بِذلِكَ أسْعَدَ... الخ».

أنصف الشيء: عدل، أنصف فلانا: عامله بالعدل، أعطى له حقه[1].

الإنصاف: هو أن تعدل مع الآخرين ولا تبخسهم حقهم وإن كان من نفسك وما يؤيد ذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام:

«العَدْلُ الإنْصافُ»[2].

حثت الأحاديث الشريفة على ضرورة التحلي بهذه الفضيلة التي لا يتصف بها إلاّ أهل الإيمان والصلاح، ولا يتزين بها إلاّ الأشراف من الناس فلذا ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام:

«الإنْصافُ شيمَةُ الأشْرافِ»[3].

فللإنصاف آثار رائعة نلمس من خلالها السعادة التي يعيشها المنصف وهذا ما ذكره أمير المؤمنين عليه السلام في الأحاديث الآتية:

1ـ الإنصاف يوجب المثوبة العظيمة كما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام:

«إنَّ أعْظَمَ المَثوبَةِ مَثوبَةُ الإنْصافِ»[4].

2ــ إذا حرص المرء على إدامة العلاقة مع الناس بالمودة والمحبة فليتصف بالإنصاف وهذا ما أكده قوله عليه السلام:

«الإنْصافُ يَسْتَديمُ المَحَبَّةَ»[5].

3ــ الإنصاف يوجب الوحدة والأخوّة ويمنع التنازع والخصومة كما ورد في قول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

«الإنْصافُ يَرْفَعُ الخِلاَفَ، وَيُوجِبُ الايتِلاَفَ»[6].

4ــ الإنصاف وسيلة للتلاقي والاستمرارية في العلاقات كما في قوله عليه السلام:

«بالنَّصفَةِ يَكْثُرُ المُواصِلونَ»[7].

5ــ الإنصاف يوجب توسيع الرقعة الاجتماعية للفرد إذ جاء عن الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام:

«المُنْصِفُ كَثيرُ الأوْلِياءِ والأوِدّاءِ»[8].

6ــ الإنصاف يورث الاستقرار والطمأنينة وعدم التعب كما ورد عنه عليه السلام:

«الإنْصافُ راحَةٌ»[9].

7ــ الإنصاف يخلع على المنصف الجمال المعنوي، قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

«تاجُ الرَّجُلِ عَفافُهُ، وَزَينُهُ إنْصافُهُ»[10].

8ــ الإنصاف يدل على سخاء وجود صاحبه، حيث قال عليه السلام:

«المُنْصِفُ كَريمٌ، الظّالِمُ لَئيمٌ»[11].

9ــ الإنصاف يدفع عنك السوء والضرر، بل قد يدفع عن غيرك ممن أنت معهم، كما جاء في قول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في وصّيته لابن مسعود:

«يا بنَ مَسْعودٍ، أنْصِفِ النّاسَ مِنْ نَفْسِكَ، وانْصَحِ الأُمَّةَ وارْحَمْهُمْ، فَإذا كُنْتَ كَذلِكَ وَغَضِبَ اللهُ عَلى أهْلِ بَلدَةٍ أنْتَ فيها وأرادَ أنْ يُنْزِلَ عَلَيْهِمُ العَذابَ نَظَرَ إلَيْكَ فَرَحِمَهُمْ بِكَ، يَقُولُ اللهُ تَعالى:

(وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)[12]»[13].

10ــ من أراد العزة والابتعاد عن الذلة فليكن منصفا كما قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

«ألاَ إنَّهُ مَنْ يُنْصِفِ النّاسَ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَزِدْهُ اللهُ إلاّ عِزّاً»[14].

وبعد التأمل في الآثار الرائعة التي يورثها الإنصاف نجد أن المنصف يعيش السعادة الحقيقية ولكي يتضح العنوان (في الإنصاف سعادة) نجري هذا التأليف بين أحاديث أهل البيت عليهم السلام وكما يلي:

1ــ ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أن للمنصف محبة ومودة في قلوب الناس بدليل قوله عليه السلام:

«المنصف كثير الأولياء والأودّاء».

والمنصف الذي يتخذ الإنصاف صفة يتعامل بها مع الناس ينال محبتهم وتواصلهم وهذا مضمون قوله عليه السلام:

«الإنصاف يديم المحبة».

وقوله عليه السلام:

«بالنصفة يكثر المواصلون».

فلا شك في أن من اتصف بالإنصاف ينال ثناء الناس ومدحهم وإلاّ كيف يتواصلون معه وكيف يكنّون له المودّة دون أن يكون لهم في قلوبهم منزلة؟

2ــ ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام:

«عُنْوانُ صَحيفَةِ السَّعيدِ حُسْنُ الثَّناءِ عَلَيْهِ»[15].

وبضم هذا الحديث مع الأحاديث أعلاه يتضح أن المنصف هو من نال ثناء الناس وحبهم، وأن من نال ثناء الناس وحبهم فهو السعيد، فصار المنصف سعيداً.

3ــ قلنا في عنوان البحث (في الإنصاف سعادة) وحيث إن الإنصاف هو الالتزام بالحق قولاً ومنهجا فهذا يؤدي بدوره إلى السعادة، إذن في الإنصاف سعادة ومما يؤكد ذلك أيضا قول أمير المؤمنين عليه السلام:

«في لُزومِ الحَقِّ تَكونُ السَّعادَةُ»[16].

وبهذا المقدار نكتفي لبيان عنوان البحث.
ــ نصائح في الإنصاف

1ــ ليكن الإنصاف خلقاً تتعامل به مع عامة الناس ولكن لابد من إكرام المؤمن بما هو أفضل من الإنصاف وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام:

«عامِلْ سائِرِ النّاسِ بِالإنْصافِ، وَعامِلِ المُؤْمِنينَ بِالإيثارِ»[17].

2ــ إذا حرصت على إدامة الأخوّة بينك وبين غيرك من أخوانك فلا تبخل عليهم بالإنصاف ولكن من دون أن تطالبهم به كما جاء عن الإمام الصادق عليه السلام:

«لَيْسَ مِنَ الإنْصافِ مُطالَبَةُ الإخْوانِ بِالإنْصافِ»[18].

3ــ لكي تكون أفضل من غيرك لابد أن تمتاز عليه بشيء، فلذا أنت مطالب بإنصاف من لم ينصفك بل من ظلمك وهو ما صرح به أمير المؤمنين عليه السلام في هذين الحديثين:

«المُؤْمِنُ يُنْصِفُ مَنْ لاَ يُنْصِفُهُ»[19].

وعنه عليه السلام قال:

«أعْدَلُ النّاسِ مَنْ أنْصَفَ مَنْ ظَلَمَهُ»[20].

4ــ الانتصار على النفس وسيلة من وسائل التزكية والسلوك إلى الله تعالى فلذا ورد في الأحاديث التالية:

قال الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام:

«إنَّ أفْضَلَ الإيمانِ إنْصافُ الرَّجُلِ مِنْ نَفْسِهِ»[21].

وعنه عليه السلام قال:

«أنْصَفُ النّاسِ مَنْ أنْصَفَ مِنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ حاكِمٍ عَلَيْهِ»[22].

وعنه عليه السلام أيضا:
«إنَّكَ إنْ أنْصَفْتَ مِنْ نَفْسِكَ أزْلَفَكَ اللهُ»[23].

 
ـــــــــــــــــــــ
[1] المعجم الوسيط: ص926.

[2] تفسير العيّاشي: ج2، ص267، ح61. ميزان الحكمة: ج6، ص2427، ح11991.

[3] غرر الحكم: 570. ميزان الحكمة: ج10، ص4330، ح20199.

[4] غرر الحكم: 3387. ميزان الحكمة: ج10، ص4330، ح20194.

[5] غرر الحكم: 1076. ميزان الحكمة: ج10، ص4330، ح20196.

[6] غرر الحكم: 1702. ميزان الحكمة: ج10، ص4330، ح20198.

[7] نهج البلاغة: الحكمة: 224. ميزان الحكمة: ج10، ص4330، ح20205.

[8] غرر الحكم: 2116. ميزان الحكمة: ج10، ص4330، ح20206.

[9] غرر الحكم: 16. ميزان الحكمة: ج10، ص4330، ح20200.

[10] غرر الحكم: 4495. ميزان الحكمة: ج10، ص4330، ح20201.

[11] غرر الحكم: 54. ميزان الحكمة: ج10، ص4330، ح20207.

[12] سورة هود، الآية: 117.

[13] مكارم الأخلاق: ج2، ص360، ح2660. ميزان الحكمة: ج10، ص4332، ح20226.

[14] الكافي: ج2، ص144، ح4. ميزان الحكمة: ج10، ص4332، ح20228.

[15] كشف الغمة: ج3، ص137. ميزان الحكمة: ج4، ص1737، ح8537.

[16] غرر الحكم: 6489. ميزان الحكمة: ج4، ص1738، ح8545.

[17] غرر الحكم: 6342. ميزان الحكمة: ج10، ص4331، ح20210.

[18] أمالي الطوسي: ص280، ح537. ميزان الحكمة: ج10، ص4331، ح20214.

[19] غرر الحكم: 1410. ميزان الحكمة: ج10، ص4331، ح20215.

[20] غرر الحكم: 3186. ميزان الحكمة: ج10، ص4331، ح20216.

[21] غرر الحكم: 3439. ميزان الحكمة: ج10، ص4332، ح20220.

[22] غرر الحكم: 3345. ميزان الحكمة: ج10، ص4332، ح20221.

[23] غرر الحكم: 3803. ميزان الحكمة: ج10، ص4332، ح20224.

إرسال تعليق