صوت النصر

بقلم: حسن رشيد ناجي

 من لهيب ارض كربلاء المحرق.. وهج في عيني القائد.. 
ومن انبساط الرمال امام وهج الشمس.. صراحة على شفتيه.. ومن عصف الرياح الهوج ثورة في نفسه.. واقدام في عزمه !!..ومن صدق العزيمة وقوة الايمان ورباطة الجأش وشجاعة الحق مضاء في حسامه ورسالة في يمينه.
ذلك هو الحسين (عليه السلام) الخالد محطم الظلم ومحطم الفساد وقاطع دابر الظالمين والفاسقين..
انه حامل لواء العقيدة التي لا يبالي من اجلها.. والدفاع عنها بكل شيء نفيس وغال وعظيم.. بالارواح.. بالاموال.. بالاعزاء.. بالانفس.. بالثمرات.
ياللعقيدة العظمى.. ياللرسالة الكبرى.. حين يكون ضحيتها ابو الشهداء.. يا لشموخها وسموها حين يكون قرابينها افضل رجال البشرية حينما تتجرد للعقيدة ونصرها.. ويضمحل امامهم كل شيء عراها (( قل الله ثم ذرهم )) ( ربنا الله ) ( قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم أيمانـاً ) ( على ربهم يتوكلـون ) ( حسبنا الله نعم المولى ونعـم النصير ) (( لا يستوحشون في طريق الهدى لقلة اهله )) كثرة بايمانهم عزة بعقيدتهم.. حيث كل ذليل لا يجد عزته إلاّ في عقيدة الاسلام لانها الروح ولانها الجسد وكلاهما متقاربان متجانسان متقارنان متعانقان والحياة الفضلى من بين جوانبهما تظهر وتبان..

هؤلاء العظماء.. هؤلاء قرابين العقيدة والحق وضحايا الدين..
هؤلاء الاحياء المكرمون في جنات النعيم.. لنا في جهادهم وصبرهم واستماتتهم من اجل العقيدة وتطبيق الشريعة حين لا ينضب من الخبرة والعبرة والايمان والامل فهم القمم التي نتطلع اليها بشوق ورغبة ولهفة.. وهم المغارات التي تكسح الدياجير من امام ارجلنا وابصارنا..وهم الذين يجدون ثقتنا بأنفسنا مرة اخرى ومرات. وبالحياة واهدافها البعيدة النبيلة ولولاهم لتولانا القنوط.. وخيم علينا الملل في كفاحنا المرير.
ولكنا ما استسلمنا يوماً للقنوط ولن نستسلم ابداً فالنصر لنا بشهادة الذين انتصروا قبلنا.. فالحسين (عليه السلام) واصحابه منهم وهم معنا في كل حين.. فان قامت بيننا وبينهم وهرات سحيقة من الزمان والمكان فلا الزمان بقادر ان يخنق اصواتهم في آذاننا.. ولا المكان بماح صورهم في آذهاننا..
انهم اناروا طريق الجهاد.. طريق الحياة.. ففي كل خطوة نخطوها نرى أجسادهم متماثلة امام اعيننا وارواحهم تخيم علينا فصلتنا بهم مدعاة نهضة كبرى للخير والصلاح وجهاد لتعمير القلوب (التائهة) بذكر الله ( الا بذكر الله تطمئن القلوب ).
وهي بعد ليست صلة عابرة لا رصيد لها من الواقع وانما هي صلة ارتسمت في فجاج قلوبنا.. فكلما خطر ببالنا جهادهم وتضحياتهم وعملهم العظيم.. وهانت الويلات وهانت الاراجيف ورخص كل صعب.. فهم المحفز للعمل وهم النصر الاكبر وهم الراية التي تظل على جموعنا المجاهدة.. اجل ( لمثل هذا فليعمل العاملون ).

 هذه هي العقيدة الاسلامية شعلة للجهاد وهؤلاء المجاهدون 
العقيدة الاسلامية عزيزة مصونة والقرآن الكريم منـزل محفوظ من لدن الخبير العليم.. فيأبى تعالى ان تكون شعوراً هائماً تدور في افكارها البعض من الناس أو ينال البعض الآخر منها ظلماً وعدواناً على الحياة البشرية في حين انها هي السعادة، وهي النعمة وهي معز الرخاء والفضيلة.. بل هي الحياة بأوسع معانيها.. لهذا هب الشيبة والشبان لمجرد سماعهم صوت النصر غير مكترثين بقلة عددهم وعدتهم وكلهم نصر لانهم جاءوا لنصر عقيدتهم وانتصروا.. فنصرهم مضمون من الارض والسماء.. ( ان جندنا لهم المنصورون ) ( ولينصرن الله من ينصره.. ان الله لقوي عزيز ).

وانطلق من قريب.. صوت جهوري.. وكله مفعم بالقوة.. بالاقدام بالشجاعة وكله عزم وتصميم.. وكله زخم ودفع للجهاد.. فراية النصر.. راية الاسلام المنصور بدت في ذلك اليوم خفاقة عالية ترفرف عليهم ورجل العقيدة يصرخ ليوجه.. يصرخ ليحشد الجمع الكثير، الكثير بايمانه ورجولته واقدامه، القليل، القليل بعدده وعدته ليؤهل الحشد الايماني كأستعداد للحرب ثم يروي ثباته: ( والله لو علمت اني اقتل ثم احرق ثم اذرى بالهواء ويفعل بي ذلك سبعين مرة ما فارقتك … ).
الله ما اجمل هذا الصوت الفدائي الرخيم… وما افضل هذا الايقاع العظيم في النفوس وما اجمل ارساخ هذا الثبات الشديد حين يكون في اعز وقت واثمن فرصة وحين تكون التضحية بالنفس وتعذيبها وتمثيلها سبعين مرة ولا يفارق عندها العقيدة ورسول العقيدة اليوم فكيف وهي قتلة واحدة !!
كان ذلك الصوت.. صوت البطل الغيور سعيد بن عبد الله الحنفي بطل المعركة المخيف..
ومن هنا وهناك انطلق صوت دوى في عنان السماء ونزل الى تخوم الارض.. صوت كأنه الحديد في قوته والاسد في فروسيته.. صوت تقشعر له الابدان وتشغف لمجرد سماعه القلوب والاسماع والابصار.. صوت انطلق من صدق العزيمة وقوة الارادة ليبين منهج الثبات والاستمرار.. ومنهج التواصر. صوت من الانصار والمنصورون..

(( نحيا بحياتك.. نموت معك..  ))
بهذا النداء.. بهذا الصدى. ماج الجمع وهاج.. وسائل يتسائل وقوي رعديد يرعد في الميدان لسانه قبل سيفه وفارس يجرب تأهيل نفسه وفكره وعقله قبل غضبه وانتقامه من المارقين.. فتيسرت للقائد معاني قوة اصحابه فصاح.. (( اما اني لا اعلم اصحاباً أوفى ولا خيراً من اصحابي.. )).
وجلجلت هذه الاصوات الايمانية.. وباحت في المعركة وتقسمت في الميدان واذا كل بزة صوت، منها يسمعها كل مقاتل آثم مرتد كافر من الصوب الفاسد.. فاذا هي حجارة من سجيل يقع صداها في آذانهم فاذا هي وقراً وعلى اجسادهم فاذا هي تخور.. ثم يصبح الواحد من جيش العقيدة وانصارها الفاً من اولئك او يزيد وقد كانوا كذلك لا بأجسادهم ولكن بايمانهم وصحة نياتهم.. بجهادهم وعزمهم وثباتهم حيث ثبت في قلب كل واحد منهم اسمى معنى التضحية والفداء:
(( انحن نتخلى عنك ولم نعذر الى الله في اداء حقك !! اما والله لا افارقك حتى اكسر في صدورهم، رمحي واضربهم بسيفي والله لو لم يكن معي سلاح لقذفتهم بالحجارة دونك حتى اموت معك )).

كان ذلك الصوت صوت اسد الواقعة المخيف المقدام الهمام مسلم بن عوسجة !!
وباحت الاصوات من جديد.. ولكنها انتهت بصوت زهير بن القين زاهر الوجه وزاهر الحسام والشجاعة اذ زار في الميدان صارخاً (( والله لوددت اني اقتل ثم انشر الف مرة ما فارقتك )).
اجل هكذا وبهذا الثبات ثبتت العقيدة وبقت واستمرت وستستمر الى يوم الحساب والنشور.. وبهم انتصرت وكل صوت منهم صوت النصر لانهم ارادوا نصر العقيدة.. فانتصرت..
اجل هكذا قام رجال العقيدة بكل بقية من قواهم وطاقاتهم وجهودهم وكل بقية من عوائلهم واطفالهم لينقلوهم الى حيث معركة الشهادة التاريخية. ولينشلوا العقيدة مما انابها وخطب عليها..
هكذا الرجال العقائديون.. تقلب الامم والجماعات لتعيد وتؤلف وتجمع وتذكر وحيثما تذكر بعجب الى رجال الحسين (عليه السلام) فلا يزيدوا عن كونهم اصحاب عقيدة.. ومتى التزمت النفوس بالعقيدة استطاعت ان تمحوا كل قوة ضارية وكل فكرة سيئة وتنـزع عن الحياة كل رأي او مبدأ لتحل بدلها سمى الآراء والمبادئ..

والذين يجولون في ميدان الآراء والمبادئ كثيرون.. والذين يبدلون ويحرمون كثيرون والذين تبهرهم كثرة جولاتهم دون ممانعة.. كثيرون ايضاً.. وامل لهؤلاء ايضاً خير درس ما لحق بيزيد واصحابه وحزبه وعبرة وعظة ينبغي الحذر الشديد من النـزول اليها.
ان صوت النصر يدعوكم للعمل.. للجهاد حيث كان ضربة للظلم والفساد والكفر والطغيان.. وثورة الحسين (عليه السلام) تزداد توهجاً واشعالاً للسائرين معه لنصرة دينه فمن قبله بقبول الحق فالله اولى بالحق وهو يتولى الصالحين..
فسيروا وصوت النصر ليكن دافعكم ومحفزكم للجهاد فما كانت الدماء لتذهب هدراً والارواح لتزهق عبثاً وانما لاحقاق الحق وابطال الباطل ( والذين جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا ).

إرسال تعليق