أثر نهضة الحسيــن عليه السلام في سعادة الأمة

بقلم: السيد عبد الصاحب الحيدري

ان من وقف على تعاليم الاسلام ايقن بانها ترمي الى سعادة البشر في المبدأ والمعاد وقد بالغ النبي (صلى الله عليه وآله) في قيادة المسلمين الى سبيل السعادة الحقيقية معلناً في الامة قوله تعالى ( واما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها مادامت السموات والارض ) فبادر المسلمون الاولون في السعي وراءها واتفقوا في العمل لنيلها فكانت السعادة هدفاً لذوي العقول السليمة والافكار الحية وغاية تطمئن لها النفوس وترتاح عندها الارواح.

ولما جاء دور بني امية ضاعت المقاييس وانعدمت الموازين فاختلط الحابل بالنابل والتبس الحق بالباطل والناس عادت اليهم جاهليتهم فضلوا سبيل السعادة واختلفوا في سبل الوصول اليها وطرق الحصول عليها وذهبوا في تفسيرها مذاهب تتفق مع ميولهم ورغائبهم.
ولما استفحل الشر وفشا البغي والجور اعلن الحسين ثورته على الظالمين المستبدين العابثين بشؤون المسلمين وارسل صرخته المدوية تجلجل في اطراف الارض واكناف المعمورة ( لا ارى الموت الا سعادة والحياة مع الظالمين الا برما ) وكانت نهضته المقدسة واعماله الجبارة وتضحياته الغالية اشعة كشفت عن مخازي امية ومساوئ يزيد وانارت للامة سبيل سعادتها ووسائل فوزها.

سادتي: ان قيام الحسين وقيام نفر من آله الاطياب واصحابه البهاليل بتلك المفاداة العظيمة دليل على ان لا سبيل الى سعادة الامة الا بقيام كل فرد بما يترتب عليه من واجبات نحو الله ونحو الناس ونحو نفسه.
وقد كانت سيرة الحسين في اعماله تساير ما يقتضيه الواجب الديني فحياته (عليه السلام) زاخرة بالمآثر والفخر ملئى بالحنان والاحسان. فمن مآثره التي تتلألأ في سماء المجد وتشع في انصع صفحات التاريخ انقاذه ارينب زوجة عبد الله بن سلام من مهاوي الخسران والشقاء من بيت المكر والخداع من حبائل يزيد ومكائد معاوية وذلك بعد ما علم (عليه السلام) بان معاوية سعى في طلاقها من ابن عمها بحيلة ومكيدة وينبغي تزويجها من ابنه يزيد نظراً لكمالها وجمالها خطبها حامي الحقيقة لنفسه ثم اعادها الى حضيرة زوجها ودار سعادتها فسر الزوجان بذلك وشكراه على عنايته ورعايته.
ومن جلائل اعماله (عليه السلام) إرواء الماء لاعدائه الذين جعجعوا به وروعوا حرائره وذويه ومنعوه من التوجه الى بلاد الله المترامية الاطراف.

وذلك لما اقبل الحر بن يزيد الرياحي ومعه الف فارس والتقوا مع الحسين قريباً من ذي (جشم) اظهروا العطش الشديد والجهد الاكيد فأمر الحسين (عليه السلام) صحبه الكرام بسقايتهم وسقاية خيلهم فشكرته الانسانية على هذا الصنيع العظيم الذي برهن على سمو تلك النفس القدسية وشرف ذلك البيت الظاهر بيت الرسالة والامانة بيت الرياسة والزعامة. ويعيد لنا شبل علي في هذا الايثار الصحيح ذكريات الماء في صفين سبق معاوية علياً في الاستيلاء على الماء ومنع اصحاب علي من الورود فارسل امير المؤمنين بعض اصحابه فازالوا جنود معاوية عن المشرعة ثم تركها مباحة للمعسكرين وقال ( كلا لست امنع عنهم ماء احله الله عليهم ) يتجلى من هذه الاعمال الخالدة شرف تلك النفوس الزكية التي تأبى ان تقابل مناوئها بالسوء.

واعظم تلك الحوادث مفعولاً وابلغها في النفوس تأثيراً واجدرها اكباراً وتقديراً واعمها ذيوعاً وشيوعاً واولاها بحثاً ودرساً واكثرها ارشاداً واسعاداً هي نهضته الاصلاحية الكبرى التي لم يعرف التاريخ حادثة اطلت على الدنيا البشرية اروع وارفع منها.
وقد رسم الحسين (عليه السلام) خطط النهضة المقدسة وصور سبلها ومواقعها ودرس شؤونها وشجونها والم بحوائجها ونتائجها فايقن بعوائدها وفوائدها.

كل ذلك قبل خروجه من مدينة جده الرسول. فكان (عليه السلام) عالماً بنجاح القصد وحسن المصير عارفاً بفوز امته بعد شهادته. وحياة دين جده بعد تضحيته فشرع بالعمل والتنفيذ. وجمع الهاشميين فقال: ( خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة ) حتى بلغ الى قوله ( كأني باوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا فيملئن مني أكراشاً جوفا وأجربةً سغبا لا محيص عن يوم خط بالقلم رضا الله رضانا اهل البيت نصبر على بلائه فيوفينا اجر الصابرين: الا ومن كان باذلاً فينا مهجته وموطناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا اني راحل مصبحاً ان شاء الله ). وصرح في مقام آخر عن عمله بنهاية امره فقال ( من لحقنا استشهد ومن تخلف لم يبلغ الفتح ) اجل لقد بارح الحسين مع اهله مدينة جده وقد اظهر استياءه ونقمته من تصرفات اولياء الامور في احكام الدين وشؤون المسلمين. فاعلن للعالم امتناعه عن مبايعة يزيد الفسق والفجور قائلاً:
( لا اعطيكم اعطاء الذليل ولا اقر لكم اقرار العبيد انوف حمية ونفوس ابيه تقعدنا عن الدنيه ).
( فلا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام ).
نهض ريحانة الرسول في زمرة من آله الاطهار ولفيف من صحبه البهاليل مدافعاً عن دستور الاسلام واحكام القرآن فقام بتلك المفادات العظيمة والتضحية التي لا مثيل لها في تاريخ البشر. فعلينا ان نتخذ من هذه النهضة المقدسة دروساً تعلمنا معنى القيام بالواجب الذي هو طريق السعادة.

إرسال تعليق