بقلم: الشيخ علي الفتلاوي
قال أنور: السلام عليكم.
فقال حسن: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
قال أنور: هل لك ان تخبرني لماذا يجب أن يتصف الإمام بصفات الكمال فيكون أفضل من جميع الناس؟
فقال حسن: هذا سؤال رائع ينتج من جوابه إسكات من يدعي الإمامة دون التحلي بصفات الإمام ويكون رداً جيداً على من يبرر أخطاء الخلفاء الماضين، ولهذا لابد من الوقوف على أسباب وجوب اتصاف الإمام بالصفات الكاملة، وهي كما يلي:
1 - غرض النبوّة هو استكمال النفوس والوصول بها إلى كمالها، فكذلك هو غرض الإمامة لأنها امتداد طبيعي للنبوّة، وكما يلزم من ذلك ان يكون النبي في الصفات أكمل وأفضل من جميع الناس فلابد أن يكون الإمام كذلك.
2 - لقبح تقديم المفضول على الفاضل، أي لو كان الإمام أقل فضلاً من غيره لقبح تقديمه على ذلك الآخر عقلاً وشرعاً، ومن هذا نفهم لا بد أن يكون الإمام أفضل أهل زمانه.
3 - لو لم يكن الإمام أفضل وأكمل من جميع الناس لامتنع انقياد الناس إليه ولنفرت منه النفوس ومن ثم لا يستطيع تحقيق الغرض الإلهي ألا وهو هداية الناس وحفظ الدين.
4 - لو جاز أن يصدر من الإمام المنكر لوجب نهيه عن ذلك مما يلزم أذيته وردعه، وهذا في ذاته مرفوض شرعاً لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} (سورة الأحزاب، الآية: 58).
5 - لو كان الإمام أنقص من الرعية ما جاز تقديمه لقبح تقديم المفضول على الفاضل، ولو كان مساوياً لهم لا ستحال ترجيحه عليهم لعدم جواز الترجيح بلا مرجح، فينتج من هذا وجوب أن يكون الأفضل.
6 - وهناك الكثير من الأدلة على ضرورة كون الإمام أفضل من الرعية نتركها للاختصار.
قال أنور: جزاكم الله خيراً... استفدنا كثيراً بهذه الأبحاث الرائعة.
فقال حسن: في خدمتكم وخدمة المسلمين.
قال أنور: جاء دور السؤال الآخر الذي يرتبط بعلم الإمام عليه السلام وهو: ما هو مصدر علم الإمام عليه السلام؟ وهل انه يعلم الغيب؟ وما هو الفرق بين علمه وعلمنا؟
فقال حسن: هذه الأسئلة من الأسئلة التي يحتاج الناس إلى معرفة أجوبتها لأهميتها، ولابد لي أن أُجيب عنها واحداً تلو الآخر فأقول:
جواب السؤال الأول: إن مصدر علم الإمام عليه السلام هو الله تعالى ويصل إليه تارة عن النبي صلى الله عليه وآله وتارة ثانية عن طريق الإشراق وتنوير الباطن وثالثة عن طريق تحديث الملائكة، ولا بأس أن اذكر لك ما يؤيد ذلك ففي قول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «علمني رسول الله ألف باب ينفتح لي من كل باب ألف باب، فذلك ألف ألف باب حتى علمت ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، وعلمت علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب» (راجع بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار ص325)، فلو تأملت في هذا الحديث لوجدت الإشارة إلى الطريقين واضحة صريحة.
قال أنور: مداخلة صغيرة قبل أن تنتقل إلى الطريق الثالث: ماذا يقصد بالألف هل هي إشارة إلى العدد؟
فقال حسن: كلا تعبير عن الكثرة كقوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (سورة التوبة، الآية: 80).
قال أنور: أحسنت سيدي.
فقال حسن: والطريق الثالث ألا وهو تحديث الملائكة فعن أبي الحسن عليه السلام كما في (الكافي للكليني ج1 ص271): «الأئمة علماء صادقون مفهّمون محدّثون» مؤيد لما قلناه.
وهناك طرق أخرى كما في الرواية عن الحارث بن المغيرة: «قلت لأبي عبد الله أخبرني عن علم عالمكم؟ قال: وراثة من رسول الله صلى الله عليه وآله ومن علي عليه السلام. قال قلت: إنا نتحدث أنه يقذف في قلوبكم وينكت في آذانكم قال: أو ذاك» (الكافي للكليني ج1 ص264), وهذا تصريح بطريق رابع ألا وهو القذف في القلوب والنكت في الآذان، ولكي نختم الكلام في السؤال الأول فأضيف ان هناك مصحف فاطمة والجامعة والجفر وغير ذلك.
قال أنور: فهل لك أن تزودني بجواب السؤال الثاني؟
فقال حسن: سؤالكم كان هل أن الإمام عليه السلام يعلم الغيب؟
فأقول: لابد من بيان علم الغيب ثم نعرّج على جواب سؤالكم، فيا سيدي علم الغيب؛ هو الإحاطة بكل ما غاب عنا أو عن المخلوقات الأخرى، وهذا من شأن الله تعالى، ولكن إذا أراد الله سبحانه أن يهب ويعلّم عبداً من عباده فلا يمنع من ذلك شيء، كما حصل هذا للعبد الصالح الخضر عليه السلام كما في قوله تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} (سورة الكهف، الآية: 65)، فالله تعالى يعلّم عبده الذي يريد له أن يكون حجة على الناس، فالإمام يعلم الغيب بقدر ما يعلمه الله تعالى وبحسب حاجته لذلك، لكي تتم حجيته على الناس.
قال أنور: ما دمنا نتكلم في علم الإمام فهل لي أن أسأل أسئلة خفيفة؟
فقال حسن: بكل سرور.
قال أنور: أولاً هل لديكم حديث عن علم الغيب الذي يعلمه الإمام؟
فقال حسن: نعم كقول الإمام الصادق عليه السلام: «إن الله تعالى أحكم وأكرم وأجلّ وأعظم وأعدل من أن يحتج بحججه ثم يغيب عنهم شيئاً من أمورهم» وفي تعبير آخر قال عليه السلام: «من شك أن الله تعالى يحتج على خلقه بحججه لا يكون عنده كل ما يحتاجون إليه فقد افترى على الله».
قال أنور: سبحان الله تعالى كأن هذين الحديثين وضعا لما تفضلت به قبل قليل.
فقال حسن: وهل لدينا من غيرهم، فهم عليهم السلام النبع الصافي لكل العلوم.
قال أنور: سؤال آخر: عندنا علم مكتسب نتعلمه من المعلمين، وهناك قول يقول: «العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء... الخ» هل هناك اختلاف بين العلمين؟
فقال حسن: الجواب واضح فالعلم الأول يسمى بالعلم الحصولي المكتسب، وهذا متيسر لكثير من الناس، والعلم الثاني علم لدّني من قبل الله تعالى يختص به من ارتضى من عباده كما بينّا ذلك في الآية التي نزلت بخصوص الخضر عليه السلام: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} وهذا لا يحصل إلا إذا طهر القلب وصقل صقلاً جيداً لتشرق عليه الأنوار الربوبية فتجلو أثر الظلمة والجهل، فيكون عندها القلب وعاءً لتلقي الفيض الإلهي.
قال أنور: أراك بدأت تتحدث شيئاً جديداً فهل لك أن تزيدني؟
فقال حسن: كلا، هذا يكفي في الوقت الحاضر.
قال أنور: سؤال أخير هل إن الإمام كالإمام علي أو الحسين عليهما السلام أو الأئمة الطاهرين عليهم السلام يعلمون بنا عندما نزورهم، ويسمعون قولنا، ويحيطون بنياتنا؟
فقال حسن: هذا سؤال رائع: يا سيدي الكريم إنهم يعلمون بنا ويسمعون قولنا ويطلعون على نياتنا، وسأبين لك ذلك على شكل نقاط متسلسلة:
أولاً - إن طرق علم الأئمة عليهم السلام متعددة منها ما يكون عن طريق الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، ومنها عن طريق القذف في القلوب والوقر في الأسماع، ومنها عن طريق الإشراق وتنوير الباطن ومنها عن طريق تحديث الملائكة وقد تقدمت الأدلة على ذلك... كأنك نسيت ما ذكرناه؟
قال أنور: كلا لم أنسه، ولكن قصدي علمهم بعد وفاتهم.
فقال حسن: نعم ...أنا ذكرت لك النقطة الأولى وأما:
ثانياً - إن الأئمة أحياء عند ربهم يرزقون كما في قوله تعالى:{وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. (سورة آل عمران، الآية: 169).
ثالثاً - هم حجج طاعتهم مفروضة علينا أحياء وأمواتاً، وهذا معناه إننا نطيعهم بعد وفاتهم كما نطيعهم في حياتهم وإلاّ إذا لم نفعل ذلك سنقع في الخطأ والبعد عن الله، كما أن هذا الحديث الوارد عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام يوضح الأمر كله فيقول:«الله أجلّ وأعز وأكرم من أن يفرض طاعة عبد يحجب عنه علم سمائه وأرضه ثم قال: لا يحجب ذلك عنه»، فالإمام علي وأولاده الطاهرون طاعتهم مفروضة فلابد أن يكونوا محيطين بنا لكي يكونوا شهداء علينا يوم القيامة.
رابعاً - إن أعمالنا تعرض عليهم ليشهدوا عليها وهذا ما يؤكده قوله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ } (سورة التوبة، الآية: 105)، وكلمة {وَالْمُؤْمِنُونَ} في الآية الأئمة عليهم السلام وهناك أحاديث تؤيد أن أعمالنا تعرض عليهم، كقول الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام: «مالكم تسوءون رسول الله صلى الله عليه وآله؟! فقال رجل: كيف نسوؤه؟ فقال: أما تعلمون أن أعمالكم تعرض عليه، فإذا رأى فيها معصية ساءه ذلك، فلا تسوءوا رسول الله وسروه».
خامساً - ما المانع أن يطلع الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام على زائريهم وأسمائهم وأعمالهم الباطنية؟ ليس هناك مانع طالما الأمر لا يتم إلا بإذن الله تعالى، ولا بأس أن أذكر لك الأحاديث التي تبين أنهم متواصلون معنا ومطلعون علينا وعلى نيتنا:
ألف - ما يدل على أن الله تعالى يوصل إليهم سلامنا، كقول أمير المؤمنين عليه السلام قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله من سلّم عليّ في شيء من الأرض أبلِغُتُه ومن سلم عليّ عند القبر سمعته»، ورواية أخرى «عن ابن مسعود قال: رسول الله صلى الله عليه وآله إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام».
باء - وقول الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام فيه أدلة واضحة على ما قلناه فيقول: «إن الحسين بن علي عليه السلام عند ربه عز وجّل ينظر إلى زواره وهو أعرف بحالهم وبأسمائهم وأسماء آبائهم وبدرجاتهم ومنزلتهم عند الله عز وجّل من أحدكم بولده وإنه ليرى من يبكيه فيستغفر له ويسأل آباءه عليه السلام أن يستغفروا له.... الخ».
ففي هذا الحديث إنه عليه السلام يسمع ويرى ويستغفر لأنه شهيد حي عند ربه، ويتضح من الحديث أن الإمام مطلّع على نيّة الزائر وليس على ظاهر العمل وإلا لو كان يعلم ظاهر العمل فقط، كيف له أن يعلم صدق النيّة وأن عمل الزائر لم يكن رياءً.
قال أنور: اليوم قد أتعبتك كثيراً.
فقال حسن: أنا في خدمتكم، إلى اللقاء.
قال أنور: السلام عليكم.
فقال حسن: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
قال أنور: هل لك ان تخبرني لماذا يجب أن يتصف الإمام بصفات الكمال فيكون أفضل من جميع الناس؟
فقال حسن: هذا سؤال رائع ينتج من جوابه إسكات من يدعي الإمامة دون التحلي بصفات الإمام ويكون رداً جيداً على من يبرر أخطاء الخلفاء الماضين، ولهذا لابد من الوقوف على أسباب وجوب اتصاف الإمام بالصفات الكاملة، وهي كما يلي:
1 - غرض النبوّة هو استكمال النفوس والوصول بها إلى كمالها، فكذلك هو غرض الإمامة لأنها امتداد طبيعي للنبوّة، وكما يلزم من ذلك ان يكون النبي في الصفات أكمل وأفضل من جميع الناس فلابد أن يكون الإمام كذلك.
2 - لقبح تقديم المفضول على الفاضل، أي لو كان الإمام أقل فضلاً من غيره لقبح تقديمه على ذلك الآخر عقلاً وشرعاً، ومن هذا نفهم لا بد أن يكون الإمام أفضل أهل زمانه.
3 - لو لم يكن الإمام أفضل وأكمل من جميع الناس لامتنع انقياد الناس إليه ولنفرت منه النفوس ومن ثم لا يستطيع تحقيق الغرض الإلهي ألا وهو هداية الناس وحفظ الدين.
4 - لو جاز أن يصدر من الإمام المنكر لوجب نهيه عن ذلك مما يلزم أذيته وردعه، وهذا في ذاته مرفوض شرعاً لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} (سورة الأحزاب، الآية: 58).
5 - لو كان الإمام أنقص من الرعية ما جاز تقديمه لقبح تقديم المفضول على الفاضل، ولو كان مساوياً لهم لا ستحال ترجيحه عليهم لعدم جواز الترجيح بلا مرجح، فينتج من هذا وجوب أن يكون الأفضل.
6 - وهناك الكثير من الأدلة على ضرورة كون الإمام أفضل من الرعية نتركها للاختصار.
قال أنور: جزاكم الله خيراً... استفدنا كثيراً بهذه الأبحاث الرائعة.
فقال حسن: في خدمتكم وخدمة المسلمين.
قال أنور: جاء دور السؤال الآخر الذي يرتبط بعلم الإمام عليه السلام وهو: ما هو مصدر علم الإمام عليه السلام؟ وهل انه يعلم الغيب؟ وما هو الفرق بين علمه وعلمنا؟
فقال حسن: هذه الأسئلة من الأسئلة التي يحتاج الناس إلى معرفة أجوبتها لأهميتها، ولابد لي أن أُجيب عنها واحداً تلو الآخر فأقول:
جواب السؤال الأول: إن مصدر علم الإمام عليه السلام هو الله تعالى ويصل إليه تارة عن النبي صلى الله عليه وآله وتارة ثانية عن طريق الإشراق وتنوير الباطن وثالثة عن طريق تحديث الملائكة، ولا بأس أن اذكر لك ما يؤيد ذلك ففي قول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «علمني رسول الله ألف باب ينفتح لي من كل باب ألف باب، فذلك ألف ألف باب حتى علمت ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، وعلمت علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب» (راجع بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار ص325)، فلو تأملت في هذا الحديث لوجدت الإشارة إلى الطريقين واضحة صريحة.
قال أنور: مداخلة صغيرة قبل أن تنتقل إلى الطريق الثالث: ماذا يقصد بالألف هل هي إشارة إلى العدد؟
فقال حسن: كلا تعبير عن الكثرة كقوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (سورة التوبة، الآية: 80).
قال أنور: أحسنت سيدي.
فقال حسن: والطريق الثالث ألا وهو تحديث الملائكة فعن أبي الحسن عليه السلام كما في (الكافي للكليني ج1 ص271): «الأئمة علماء صادقون مفهّمون محدّثون» مؤيد لما قلناه.
وهناك طرق أخرى كما في الرواية عن الحارث بن المغيرة: «قلت لأبي عبد الله أخبرني عن علم عالمكم؟ قال: وراثة من رسول الله صلى الله عليه وآله ومن علي عليه السلام. قال قلت: إنا نتحدث أنه يقذف في قلوبكم وينكت في آذانكم قال: أو ذاك» (الكافي للكليني ج1 ص264), وهذا تصريح بطريق رابع ألا وهو القذف في القلوب والنكت في الآذان، ولكي نختم الكلام في السؤال الأول فأضيف ان هناك مصحف فاطمة والجامعة والجفر وغير ذلك.
قال أنور: فهل لك أن تزودني بجواب السؤال الثاني؟
فقال حسن: سؤالكم كان هل أن الإمام عليه السلام يعلم الغيب؟
فأقول: لابد من بيان علم الغيب ثم نعرّج على جواب سؤالكم، فيا سيدي علم الغيب؛ هو الإحاطة بكل ما غاب عنا أو عن المخلوقات الأخرى، وهذا من شأن الله تعالى، ولكن إذا أراد الله سبحانه أن يهب ويعلّم عبداً من عباده فلا يمنع من ذلك شيء، كما حصل هذا للعبد الصالح الخضر عليه السلام كما في قوله تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} (سورة الكهف، الآية: 65)، فالله تعالى يعلّم عبده الذي يريد له أن يكون حجة على الناس، فالإمام يعلم الغيب بقدر ما يعلمه الله تعالى وبحسب حاجته لذلك، لكي تتم حجيته على الناس.
قال أنور: ما دمنا نتكلم في علم الإمام فهل لي أن أسأل أسئلة خفيفة؟
فقال حسن: بكل سرور.
قال أنور: أولاً هل لديكم حديث عن علم الغيب الذي يعلمه الإمام؟
فقال حسن: نعم كقول الإمام الصادق عليه السلام: «إن الله تعالى أحكم وأكرم وأجلّ وأعظم وأعدل من أن يحتج بحججه ثم يغيب عنهم شيئاً من أمورهم» وفي تعبير آخر قال عليه السلام: «من شك أن الله تعالى يحتج على خلقه بحججه لا يكون عنده كل ما يحتاجون إليه فقد افترى على الله».
قال أنور: سبحان الله تعالى كأن هذين الحديثين وضعا لما تفضلت به قبل قليل.
فقال حسن: وهل لدينا من غيرهم، فهم عليهم السلام النبع الصافي لكل العلوم.
قال أنور: سؤال آخر: عندنا علم مكتسب نتعلمه من المعلمين، وهناك قول يقول: «العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء... الخ» هل هناك اختلاف بين العلمين؟
فقال حسن: الجواب واضح فالعلم الأول يسمى بالعلم الحصولي المكتسب، وهذا متيسر لكثير من الناس، والعلم الثاني علم لدّني من قبل الله تعالى يختص به من ارتضى من عباده كما بينّا ذلك في الآية التي نزلت بخصوص الخضر عليه السلام: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} وهذا لا يحصل إلا إذا طهر القلب وصقل صقلاً جيداً لتشرق عليه الأنوار الربوبية فتجلو أثر الظلمة والجهل، فيكون عندها القلب وعاءً لتلقي الفيض الإلهي.
قال أنور: أراك بدأت تتحدث شيئاً جديداً فهل لك أن تزيدني؟
فقال حسن: كلا، هذا يكفي في الوقت الحاضر.
قال أنور: سؤال أخير هل إن الإمام كالإمام علي أو الحسين عليهما السلام أو الأئمة الطاهرين عليهم السلام يعلمون بنا عندما نزورهم، ويسمعون قولنا، ويحيطون بنياتنا؟
فقال حسن: هذا سؤال رائع: يا سيدي الكريم إنهم يعلمون بنا ويسمعون قولنا ويطلعون على نياتنا، وسأبين لك ذلك على شكل نقاط متسلسلة:
أولاً - إن طرق علم الأئمة عليهم السلام متعددة منها ما يكون عن طريق الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، ومنها عن طريق القذف في القلوب والوقر في الأسماع، ومنها عن طريق الإشراق وتنوير الباطن ومنها عن طريق تحديث الملائكة وقد تقدمت الأدلة على ذلك... كأنك نسيت ما ذكرناه؟
قال أنور: كلا لم أنسه، ولكن قصدي علمهم بعد وفاتهم.
فقال حسن: نعم ...أنا ذكرت لك النقطة الأولى وأما:
ثانياً - إن الأئمة أحياء عند ربهم يرزقون كما في قوله تعالى:{وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. (سورة آل عمران، الآية: 169).
ثالثاً - هم حجج طاعتهم مفروضة علينا أحياء وأمواتاً، وهذا معناه إننا نطيعهم بعد وفاتهم كما نطيعهم في حياتهم وإلاّ إذا لم نفعل ذلك سنقع في الخطأ والبعد عن الله، كما أن هذا الحديث الوارد عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام يوضح الأمر كله فيقول:«الله أجلّ وأعز وأكرم من أن يفرض طاعة عبد يحجب عنه علم سمائه وأرضه ثم قال: لا يحجب ذلك عنه»، فالإمام علي وأولاده الطاهرون طاعتهم مفروضة فلابد أن يكونوا محيطين بنا لكي يكونوا شهداء علينا يوم القيامة.
رابعاً - إن أعمالنا تعرض عليهم ليشهدوا عليها وهذا ما يؤكده قوله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ } (سورة التوبة، الآية: 105)، وكلمة {وَالْمُؤْمِنُونَ} في الآية الأئمة عليهم السلام وهناك أحاديث تؤيد أن أعمالنا تعرض عليهم، كقول الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام: «مالكم تسوءون رسول الله صلى الله عليه وآله؟! فقال رجل: كيف نسوؤه؟ فقال: أما تعلمون أن أعمالكم تعرض عليه، فإذا رأى فيها معصية ساءه ذلك، فلا تسوءوا رسول الله وسروه».
خامساً - ما المانع أن يطلع الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام على زائريهم وأسمائهم وأعمالهم الباطنية؟ ليس هناك مانع طالما الأمر لا يتم إلا بإذن الله تعالى، ولا بأس أن أذكر لك الأحاديث التي تبين أنهم متواصلون معنا ومطلعون علينا وعلى نيتنا:
ألف - ما يدل على أن الله تعالى يوصل إليهم سلامنا، كقول أمير المؤمنين عليه السلام قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله من سلّم عليّ في شيء من الأرض أبلِغُتُه ومن سلم عليّ عند القبر سمعته»، ورواية أخرى «عن ابن مسعود قال: رسول الله صلى الله عليه وآله إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام».
باء - وقول الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام فيه أدلة واضحة على ما قلناه فيقول: «إن الحسين بن علي عليه السلام عند ربه عز وجّل ينظر إلى زواره وهو أعرف بحالهم وبأسمائهم وأسماء آبائهم وبدرجاتهم ومنزلتهم عند الله عز وجّل من أحدكم بولده وإنه ليرى من يبكيه فيستغفر له ويسأل آباءه عليه السلام أن يستغفروا له.... الخ».
ففي هذا الحديث إنه عليه السلام يسمع ويرى ويستغفر لأنه شهيد حي عند ربه، ويتضح من الحديث أن الإمام مطلّع على نيّة الزائر وليس على ظاهر العمل وإلا لو كان يعلم ظاهر العمل فقط، كيف له أن يعلم صدق النيّة وأن عمل الزائر لم يكن رياءً.
قال أنور: اليوم قد أتعبتك كثيراً.
فقال حسن: أنا في خدمتكم، إلى اللقاء.
إرسال تعليق