بقلم: الشيخ محمد السند
جاءت الروايات ناطقة وموضحة بان مقتل الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه قد أثر على سائر أجزاء الكون إنسها وجنها سمائها وأرضها وكل ما فيهن من الحجر والمدر والحيوان والشجر.
وليس لأحد يؤمن بآيات القران وأحاديث النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم الاعتراض على بكاء الوحوش والحيتان والطير، أو السماوات وكواكبها، أو الأرض وأشجارها، أو البحار وأمواجها، لان القران الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأقوال علماء المسلمين بجميع طوائفهم، صرحت بوقوع هذه الأشياء أو قريب منها، وفيما يلي جملة من تلك الموارد:
أولا: شواهد قرآنية على ان لكل الموجودات عقلا وإدراكاًً
قال الله سبحانه في (سورة النمل الآية رقم 17 ــ 19): {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}.
وقال تعالى في (سورة النمل الآية رقم 20 ــ 24): {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ}.
ماذا يقول السيد المرتضى في كمال عقل الهدهد وأمثاله من الحيوانات؟
قال السيد المرتضى في توضيح هاتين الآيتين: (إن في الناس من ذهب إلى أنه لا يجوز أن يكون الهدهد وما أشبهه من البهائم كامل العقل، وهو على ما هو عليه من الهيئة والبنية، وعد ذلك في جملة المستحيل، وهذا ليس بصحيح ولا دلالة عقلية تدل على ذلك. ومن أين لنا أن بنية قلب الهدهد وما جرى مجراه لا تحتمل العلوم التي هي كمال العقل، وإذا كان العقل من قبل العلوم والاعتقادات، وقلب البهيمة يحتمل الاعتقادات لا محالة، بل كثيرا من العلوم وإن لم يكن تلك العلوم عقلا. فأي فرق بين العلم الذي هو عقل، وبين العلم الذي ليس بعقل في احتمال القلب له؟ وما احتمل الجنس الذي هو الاعتقاد، لا بد أن يكون محتملا للنوع الذي هو العلوم). (راجع رسائل المرتضى للشريف المرتضى ج 1 ص 424 ــ 425).
وقال ابن قتيبة: (قال أبو محمد ونحن نقول إن المعتقد أن الهوام والسباع والطير لا يجوز عليها عصيان ولا طاعة مخالف لكتاب الله عز وجل وأنبيائه ورسله وكتب الله المتقدمة لان الله تعالى قد أخبرنا عن نبيه سليمان عليه السلام أنه تفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين أي بعذر بين وحجة في غيبته وتخلفه ولا يجوز أن يعذبه إلا على ذنب ومعصية والذنوب والمعاصي تسمى فسوقا وما جاز أن يسمى عاصيا جاز أن يسمى فاسقا ثم حكى الله تعالى عن الهدهد بعد أن اعتذر إلى سليمان فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم... وهذا لو كان من أقاويل الحكماء بل لو كان من كلام الأنبياء لكان كلاما حسنا وعظة بليغة وحجة بينة فكيف لا يجوز على هذا مطيع وعاص وفاسق ومهتد وقد حكى الله تعالى أيضا عن النمل ما حكاه في هذه السورة فقال وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير فجعلها تنطق كما ينطق الناس وقال حتى أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل الآية فجعلها تنطق كما ينطق الناس وقال وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم وقال يا جبال أوبي معه والطير أي سبحي...). (راجع تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص 129 ــ 133).
أقول: وتحذير النملة لباقي النمل من جيش نبي الله سليمان صلوات الله وسلامه عليه وأمرها لهن بدخول مساكنهن، ومعرفتها بان هذا الذي أمامها هو نبي الله سليمان صلوات الله وسلامه عليه، وان أولئك الذين خلفه هم جيشه وأفراد جنوده، فيه دلالة قاطعة بان لها مستوى من الإدراك والعقل، وان كان ليس بمستوى العقل والإدراك الذي منحه الله سبحانه للإنسان، بل وربما كان فهمها وعقلها وإدراكها لبعض الحقائق الكونية يفوق ويعلو على فهم وإدراك وعقل كثير من بني الإنسان.
وليست النملة بأعجب حالا من الهدهد في قصة سليمان المذكورة سابقا، والذي كان يدرك المدينة التي كان فيها ويعرف اسمها حيث قال (وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ )، ويعلم أن لهذه المدينة ملكة وليست ملكا، وانها محاطة بشتى أنواع النعم والقوة والمنعة وان لها عرشا عظيما (إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ).
وانها وأهل تلك المدينة يعبدون ويسجدون لغير الله سبحانه وبالتحديد للشمس (وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ )، وقد تعجب لفعلهم هذا لأنه يخالف قانون الفطرة، وان هذا الانحراف عن فطرة التوحيد وعبادة الله سبحانه سببه الشيطان فهو الذي زين ذلك لهم فصدهم بتزيينه هذا عن السبيل فصاروا بإتباعه لا يهتدون، ثم يتساءل مستفهما ومستنكرا لفعلهم بقوله: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (سورة النمل الآية رقم 25).
فهل يصح كل تلك الأقوال والأفعال والاعتقادات إلا ممن له مرتبة من الكمال والعقل والإدراك والفهم، تفوق مرتبة من يسجد للشمس من دون الله سبحانه.
ثم انظر إلى أسلوب كلام نبي الله سليمان معه في قوله تعالى: {قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}. (سورة النمل الآية رقم 27)، فهل يصح أن يوصف بالصدق أو الكذب من لا يعقل شيئا، وليس له إدراك وفهم؟!
ثم هل يصح من نبي الله سليمان صلوات الله وسلامه عليه وهو الحكيم والمعصوم أن يرسل بيد الهدهد كتابا إلى تلك الملكة وقومها قائلا له: {اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} (سورة النمل الآية رقم 28)؟ ويحمله من المضامين أشدها أهمية: {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}. (سورة النمل الآية رقم 30 ــ 31)، لو لم يكن صلوات الله وسلامه عليه يعترف مسبقا بعقل ذلك الحيوان وإدراكه وفهمه.
وبالجملة لا يصح بعد كل هذا التوضيح أن ينكر بعض من لا يتحمل عقله ولا تطمئن نفسه إلى هذه الحقائق القرآنية شعور الحيوانات وإدراكها، وان لها مرتبة من الكمال والتعقل تتناسب وعالمها وليس بالضرورة أن تكون بمستوى عقل الإنسان السوي وفهمه وإدراكه ، لكنها أو بعضها ربما تحمل من الإدراك والتعقل ما يتصاغر أمامه عقل وإدراك وشعور كثير من جهلة أبناء آدم.
ثانيا: إذا كان للحيوان وغيره من الموجودات عقل وإدراك فلماذا لم يكلف بالأحكام الشرعية؟
وربما يحلو للبعض القول بأن لو كان للحيوان أو الشجر أو غيرهما من باقي الموجودات الأُخر عقل وإدراك لكلفوا بتكاليفنا، وأمروا ونهوا وأثيبوا وعوقبوا مثلنا.
ويجاب عن هذا الإشكال: بان مشكلة كثير من الناس هي انه يقيس كل الأشياء على نفسه فإذا ما قال الله سبحانه مثلا يد الله فوق أيديهم تصور أن لله سبحانه يداً ووجهاً ورجلاً وغير ذلك من التجسيم الذي أساسه قصور العقل وقلة الفهم، وكذلك حينما يقال أن للحيوان حظاً ونصيباً من التعقل والإدراك تتناسب وعالمه فانه يقيس ذلك على نفسه ويتصور ان الحيوان له قدرة عقلية مثل قدرة الإنسان العقلية في ضرب الأعداد مثلا وتقسيمها وإخراج جذور الأرقام ووضع الخرائط الهندسية وإجراء البحوث العلمية المعقدة وغير ذلك، غافلا عن ان هذا المستوى الرفيع من العقل إنما خص الله سبحانه به الإنسان من دون غيره وعلى هذا المستوى العقلي اجري التكليف، والحيوان اقل من مستواه العقلي بكثير قطعا، فلذلك لم يكلف بتكاليفنا، أو انه قد كلف ولكن بتكاليف تتناسب ومرتبته الكمالية، ألا ترى أن كل شيء في الوجود يسبح لله سبحانه قال تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} (سورة الإسراء الآية رقم 44).
ولعل هذا التسبيح هو إشارة إلى نوع من أنواع التكليف قد خفي علينا خبره وتفصيل حاله، ولعل الآية بصدد تبيان أن الوجود كله مأمور بالطاعة والانقياد لله سبحانه، ولكل فرد من أفراده تكليفه الخاص به ولكن لا تفقهون تكليفهم.
وكذلك الحال بشان إثابتها أو عقابها فانه قد ورد في الأثر ان الحيوانات تحشر قال تعالى: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ } (سورة التكوير الآية رقم 5)، وتعرض للحساب حتى يقتص الله للجماء من القرناء (راجع بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج7 ص92 الباب الخامس صفحة المحشر )، ثم يقول لها كوني ترابا فترجع ترابا، وهذا المستوى من الإثابة أو العقاب إنما يتناسب ومرتبتها الكمالية.
وعلى هذا الأمر نقيس بقية أجزاء الكون، من الأرض والحجر والشجر وغير ذلك، فان للكل إدراكاً يتناسب ومراتبها الكمالية، وقد ورد في الأثر ان كل ما في الكون يشهد للإنسان بالخير يوم القيامة، وكذلك يشهد عليه إن قد أساء وأذنب عليها أو بقربها، فالأرض تشهد له بالطاعة، وبقاع الأرض يفتخر بعضها على بعض لان مؤمنا قد صلى عليها، فهل يصح أن يشهد من لا يدرك؟ أم هل يتفاخر من لا يعقل؟ ولا ننسى قبل كل ذلك قوله تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} (سورة الإسراء الآية رقم 44)، فالتسبيح لا يصدر إلا ممن له إدراك، ولو لم يكن المسبح مدركا لعظمة وشأن المسبح له، ومدركا للشيء المسبح به لصار تسبيحه لغوا لا يستحق من الباري الذكر في محكم كتابه العزيز، ولكن كما كررنا مرارا المشكلة في الإنسان انه ينكر كل ما لا يدركه بحواسه، لذلك اخبر القران بقوله (ولكن لا تفقهون تسبيحهم) كي لا يكون عدم إدراكنا لهذه الحقائق دليل على إنكارها وقد جاء التصريح بها في القران الذي فيه تبيان كل شيء.
ثالثا: ماذا يقول علماء أهل السنة في معاجز النبي صلى الله عليه وآله وكراماته
أخرج علماء أهل السنة مجموعة من المعاجز والكرامات النبوية والتي تدل دلالة واضحة على فهم الحيوانات والشجر والحجر وتعقلها لما يدور حولها وتفاعلها مع ما يقع عليها أو على غيرها من الموجودات، وقد اخترنا منها ما يتناسب والمقام الذي نحن فيه، فمنها:
ألف: شهادة الشجرة بالرسالة
(ومنها شهادة الشجرة له صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم بالرسالة في خبر الأعرابي الذي دعاه إلى الإسلام فقال هل من شاهد على ما تقول قال نعم هذه الشجرة ادعها فدعاها فأقبلت فاستشهدها فشهدت أنه كما قال ثلاثا ثم رجعت إلى منبتها) (أورد هذا الحديث الهيثمي في مجمع الزوائد في ج8 ص292 وقال: (رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح)، ورواه ابن حبان في كتابه صحيح ابن حبان ج14 ص436 في شهادة الشجر للمصطفى ).
أقول: وقد اجتمعت كلمة المسلمين على قبول شهادة العاقل المدرك لألفاظ الشهادة العالم بموضوعها، وقبول النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشهادة الشجرة ودعوتها للشهادة له بالنبوة دليل على ان لها مستوى من التعقل والإدراك يؤهلها لتلك الشهادة.
باء: مجيء الشجرة للسلام عليه
ومنها مجيء الشجرة إليه صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم لتظله وتسلم عليه فقد جاء أنه صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم نام أي في الشمس فجاءت شجرة تشق الأرض حتى قامت عليه لما استيقظ ذكر له ذلك فقال هي شجرة استأذنت ربها عز وجل في أن تسلم علي فأذن لها (راجع أيضا تهذيب الكمال للمزي ج1 ص237، والوافي بالوفيات للصفدي ج1 ص82، وعيون الأثر لابن سيد الناس ج2 ص360 في ذكر نبذة من معجزاته صلى الله عليه وآله وسلم).
أقول: وفي هذا المقطع عدة من المعاني الدالة على المطلوب منها ان الشجرة كانت تدرك بان هذا النائم هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتدرك انه صلى الله عليه وآله وسلم نائم في الشمس، وتدرك ان الشمس تؤذيه، وتدرك ان أغصانها يمكن ان تريح النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما لو صارت حائلا ما بين الشمس وبينه صلى الله عليه وآله وسلم، وتدرك انها لكي تتحول من مكانها وتتحرك عن موضعها لابد ان تستأذن الله سبحانه لعلمها ان الله سبحانه وحده من يملك هذه القدرة، فأخبرونا يا أولي الألباب أليس العقل والإدراك إلا هذا؟
جيم: حنين الجذع على فراق النبي صلى الله عليه وآله
اخرج البخاري في ج4 ص173: (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى بن كثير أبو غسان حدثنا أبو حفص واسمه عمر بن العلاء أخو أبي عمر وابن العلاء قال سمعت نافعا عن ابن عمر رضي الله عنهما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع فلما اتخذ المنبر تحول إليه فحن الجذع فأتاه فمسح يده عليه) وقد اخرج أيضا في الصفحة نفسها قوله (عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة فقالت امرأة من الأنصار أو رجل يا رسول الله ألا نجعل لك منبرا قال إن شئتم فاجعلوا له منبرا فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر فصاحت النخلة صياح الصبي ثم نزل النبي صلى الله عليه وسلم فضمه إليه تأن أنين الصبي الذي يسكن قال كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها) وقال في ص173 ــ174 من هذا الجزء نفسه: (عن يحيى بن سعيد قال أخبرني حفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك انه سمع جابر بن عبد الله يقول كان المسجد مسقوفا على جذوع من نخل فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقوم إلى جذع منها فلما صنع له المنبر وكان عليه فسمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليها فسكنت).
أقول: وليس فراق النبي صلى الله عليه وآله وسلم لجذع الشجرة بأعظم من قتل ابنه فإذا كان الجذع قد حن وصاح كالصبي لمجرد فراق النبي له صلى الله عليه وآله وسلم أفلا يحق للأرض والسماء والبحار والأشجار أن تحن على الإمام الحسين عليه السلام وتبكي لعظيم رزيته وجليل مصيبته وفادح ما نزل به؟ فلماذا جوزتم تلك واستعظمتم هذه؟ مع ان مصيبة الحسين صلوات الله وسلامه عليه ورزيته ومحنته أعظم وأدهى وأمر.
دال: شكوى البعير من قلة علفه وجوعه
قد رويت روايات كثيرة في شكاية الحيوانات لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيام كان في المدينة منها ما أخرجه احمد بن حنبل في مسنده ج 4 ص 170 ــ 171 قال: (حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الله بن نمير عن عثمان بن حكيم قال أخبرني عبد الرحمن بن عبد العزيز عن يعلى بن مرة قال لقد رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا ما رآها أحد قبلي ولا يراها أحد بعدي...وكنت عنده جالسا ذات يوم إذ جاءه جمل يخبب حتى صوب بجرانه بين يديه ثم ذرفت عيناه فقال ويحك انظر لمن هذا الجمل ان له لشأنا قال فخرجت التمس صاحبه فوجدته لرجل من الأنصار فدعوته إليه فقال ما شأن جملك هذا فقال وما شأنه قال لا أدري والله ما شأنه عملنا عليه ونضحنا عليه حتى عجز عن السقاية فائتمرنا البارحة أن ننحره ونقسم لحمه قال فلا تفعل هبه لي أو بعنيه فقال بل هو لك يا رسول الله قال فوسمه بسمة الصدقة ثم بعث به)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص6: (رواه أحمد بإسنادين والطبراني بنحوه، وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح).
هاء: شكوى بعض الطيور له من أخذ بيضها أو فراخها
ومنها شكوى بعض الطيور له صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم بسبب أخذ بيضه أو فراخه فقد جاء أن حمرة جاءت فوق رأسه فقال صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم أيكم فجع هذه فقال رجل من القوم أنا أخذت بيضها فقال ردّه ردّه رحمة لها. (راجع مسند أبي داود الطيالسي لسليمان بن داود الطيالسي ص44، وراجع أيضا تاريخ الإسلام للذهبي ج1 ص350، وفي الأدب المفرد للبخاري ص88).
أقول: وفي هذا الحديث كما لا يخفى إشارة واضحة إلى معرفة هذا الطائر بشخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك معرفته بتأثيره على أصحابه وان لا أحد يستطيع أن يرجع إليها فراخها أو بيضها غيره صلى الله عليه وآله وسلم وهل يكون العقل والإدراك إلا هذا.
واو: سجود البعير له صلى الله عليه وآله
نقل احمد بن حنبل في مسنده ج 3 ص 310عن جابر بن عبد الله قال أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر حتى إذا دفعنا إلى حائط من حيطان بني النجار إذا فيه جمل لا يدخل الحائط أحد إلا شدّ عليه قال فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فجاء حتى أتى الحائط فدعا البعير فجاء واضعا مشفره إلى الأرض حتى برك بين يديه قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم هاتوا خطاما فخطمه ودفعه إلى صاحبه قال ثم التفت إلى الناس قال إنه ليس شيء بين السماء والأرض إلا يعلم أني رسول الله إلا عاصي الجن والإنس)، وقال الهيثمي في (مجمع الزوائد ج9 ص7): (رواه أحمد ورجاله ثقات).
أقول: ولا يخفى ما في هذا الحديث من الإشارات المهمة الدالة على المطلوب والتي منها ان كل الموجودات تعرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم وانه رسول الله وهو موافق لما روي عند الإمامية بان الولاية للرسول والإمام عرضت على كل شيء وعليه فإذا كانت الموجودات تعرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنها تعرف الإمام كذلك، وإذا كانت تسجد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنها كذلك للإمام ولمعرفتها بمنزلة النبي والإمام تأثرت حين استشهاد الحسين صلوات الله وسلامه عليه.
زاي: سجود الغنم له صلى الله عليه واله ومعرفتها بنبوته
قال المقريزي في (إمتاع الأسماع ج5 ص247): (وأما سجود الغنم له، فخرج أبو نعيم من حديث جعفر بن محمد الفريابي قال: أخبرنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي، حدثنا عباد بن يوسف الكندي، أخبرنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم حائطا للأنصار، ومعه أبو بكر وعمر في رجال من الأنصار، وفي الحائط غنم فسجدن له، فقال أبو بكر رضي الله عنه يا رسول الله كنا نحن أحق بالسجود لك من هذه الغنم ، فقال: إنه لا ينبغي من أمتي أن يسجد أحد لأحد، لو كان ينبغي أن يسجد أحد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها).
وراجع أيضا كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض (ج1 ص312 فصل في الآيات في ضروب الحيوانات)، وراجع أيضا كتاب سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي (ج9 ص561 جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وآله وسلم الباب الخامس في سجود الغنم له).
أقول: فليس على من نقل هذه الوقائع وأمثالها وما لم نذكره أكثر وأكثر ان يستغرب ويستنكر بكاء السماء والملائكة والحيوانات والبحار والجنة وما فيها على مصيبة سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه.
رابعا: كسفت الشمس وأظلمت المدينة حين أرادوا نقل منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قال ابن حجر في فتح الباري: (ولم يزل المنبر على حاله ثلاث درجات حتى زاده مروان في خلافة معاوية ست درجات من أسفله وكان سبب ذلك ما حكاه الزبير بن بكار في أخبار المدينة شوال إلى حميد بن عبد الرحمن بن عوف قال بعث معاوية إلى مروان وهو عامله على المدينة أن يحمل إليه المنبر فأمر به فقلع فأظلمت المدينة فخرج مروان فخطب وقال إنما أمرني أمير المؤمنين أن أرفعه فدعا نجارا وكان ثلاث درجات فزاد فيه الزيادة التي هو عليها اليوم ورواه من وجه آخر قال فكسفت الشمس حتى رأينا النجوم). (راجع فتح الباري لابن حجر ج 2 ص 331 باب التأذين عند الخطبة).
وقال المقريزي: (قال سفيان بن حمزة قال كثير فأخبرني الوليد بن رباح قال: كسفت الشمس يوم زاد معاوية في المنبر حتى رؤيت النجوم. وذكر الواقدي وغيره: أنه لما كانت سنة خمسين أمر معاوية بن أبي سفيان بحمل المنبر إلى الشام وقال: لا يترك هو وعصا النبي صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم بالمدينة... فلما حرك المنبر ليخرج من موضعه كسفت الشمس حتى رؤيت النجوم بادية فأعظم الناس ذلك فترك المنبر على حاله...وذكر ابن زبالة من حديث عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه قال: بعث معاوية بن أبي سفيان إلى مروان بن الحكم عامله على المدينة يأمره أن يحمل إليه منبر النبي صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم عن ما وضعه فأمر به أن يقلع فأظلمت المدينة وأصابتهم ريح شديدة...وعن عبد الله بن زياد عن ابن فطن قال: قلع مروان بن الحكم منبر النبي صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم وكان درجتين والمجلس وأراد أن يبعث به إلى معاوية فكسفت الشمس حتى رأينا النجوم...ولما ولى عبد الملك بن مروان الخلافة هم بنقل المنبر فقال له قبيصة بن ذؤيب: أذكرك الله أن تفعل إن معاوية حركه فكسفت الشمس). (إمتاع الأسماع للمقريزي ج 10 ص 107 ــ 109 فصل في ذكر منبر رسول الله صلى الله عليه وآله).
أقول: وليس إخراج منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الشام بأعظم من إخراج نساء رسول الله وحريمه وعترته سبايا يساقون إلى الشام، وليس نقل المنبر بأعظم من نقل رأس سيد الشهداء إلى ابن معاوية يزيد اللعين، فهل يحق للسماء أن تنكسف شمسها على نقل منبر صعد عليه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ولا تنكسف أو تبكي السماء على سبط النبي الذي طالما اعتلى منكب النبي وظهره وصدره الشريف.
خامسا: أظلمت المدينة من جريمة عبيد الله بن عمر بن الخطاب
لما طعن أبو لؤلؤة عمر بن الخطاب ثار ولده عبيد الله بن عمر فقتل على الظنة والتهمة ثلاثة من الأبرياء غدرا وهم الذين ذكرهم الصنعاني بقوله: (فخرج عبيد الله بن عمر مشتملا على السيف، حتى أتى الهرمزان، فقال: اصحبني حتى ننظر إلى فرس لي، وكان الهرمزان بصيرا بالخيل، فخرج يمشي بين يديه، فعلاه عبيد الله بالسيف، فلما وجد حر السيف قال: لا إله إلا الله، فقتله، ثم أتى جفينة، وكان نصرانيا، فدعاه، فلما أشرف له علاه بالسيف، فصلب بين عينيه، ثم أتى ابنة أبي لؤلؤة، جارية صغيرة تدعي الإسلام فقتلها، فأظلمت المدينة يومئذ على أهلها، ثم أقبل بالسيف صلتا في يده وهو يقول: والله لا أترك في المدينة سبيا إلا قتلته وغيرهم، وكأنه يعرض بناس من المهاجرين). (راجع المصنف لعبد الرزاق الصنعاني ج 5 ص 478 ــ 480، وراجع أيضا تاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص297، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ج 38 ص 62).
وعن ابن حجر ان المدينة قد أظلمت يومئذ ثلاثة أيام حيث قال: (...فخرج يمشي بين يديه فعلاه عبيد الله بالسيف فلما وجد حر السيف قال لا إله إلا الله ثم أتى جفينة وكان نصرانيا فقتله ثم أتى بنت أبي لؤلؤة جارية صغيرة فقتلها فأظلمت المدينة يومئذ على أهلها ثلاثا...). (الإصابة لابن حجر ج 5 ص 43).
أقول: فإذا أظلمت الدنيا لقتل ابنة أبي لؤلؤة لأنها قد قتلت وهي صغيره لا ذنب لها فكيف لا تظلم لقتل عبد الله الرضيع يوم عاشوراء وقد ذبح عطشانا من الوريد إلى الوريد، والذي هو بشهادة الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه أكرم على الله من فصيل ناقة صالح وأعظم، وإذا كان لقتل الهرمزان وجفينة النصراني حرمة عند الله حيث بانت آثار مظلمتهم في السماء، فكيف لا تكون حرمة الحسين صلوات الله وسلامه عليه وأولاده وأصحابه وبناته أعظم وأجل وأكبر، وكيف لا تبين آثار مظلمتهم على السماوات والأرض وما فيهن وقد خلقن وما فيهن لأجلهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وأهل بيته الطاهرين واللعنة على أعدائهم أجمعين.
جاءت الروايات ناطقة وموضحة بان مقتل الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه قد أثر على سائر أجزاء الكون إنسها وجنها سمائها وأرضها وكل ما فيهن من الحجر والمدر والحيوان والشجر.
وليس لأحد يؤمن بآيات القران وأحاديث النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم الاعتراض على بكاء الوحوش والحيتان والطير، أو السماوات وكواكبها، أو الأرض وأشجارها، أو البحار وأمواجها، لان القران الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأقوال علماء المسلمين بجميع طوائفهم، صرحت بوقوع هذه الأشياء أو قريب منها، وفيما يلي جملة من تلك الموارد:
أولا: شواهد قرآنية على ان لكل الموجودات عقلا وإدراكاًً
قال الله سبحانه في (سورة النمل الآية رقم 17 ــ 19): {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}.
وقال تعالى في (سورة النمل الآية رقم 20 ــ 24): {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ}.
ماذا يقول السيد المرتضى في كمال عقل الهدهد وأمثاله من الحيوانات؟
قال السيد المرتضى في توضيح هاتين الآيتين: (إن في الناس من ذهب إلى أنه لا يجوز أن يكون الهدهد وما أشبهه من البهائم كامل العقل، وهو على ما هو عليه من الهيئة والبنية، وعد ذلك في جملة المستحيل، وهذا ليس بصحيح ولا دلالة عقلية تدل على ذلك. ومن أين لنا أن بنية قلب الهدهد وما جرى مجراه لا تحتمل العلوم التي هي كمال العقل، وإذا كان العقل من قبل العلوم والاعتقادات، وقلب البهيمة يحتمل الاعتقادات لا محالة، بل كثيرا من العلوم وإن لم يكن تلك العلوم عقلا. فأي فرق بين العلم الذي هو عقل، وبين العلم الذي ليس بعقل في احتمال القلب له؟ وما احتمل الجنس الذي هو الاعتقاد، لا بد أن يكون محتملا للنوع الذي هو العلوم). (راجع رسائل المرتضى للشريف المرتضى ج 1 ص 424 ــ 425).
وقال ابن قتيبة: (قال أبو محمد ونحن نقول إن المعتقد أن الهوام والسباع والطير لا يجوز عليها عصيان ولا طاعة مخالف لكتاب الله عز وجل وأنبيائه ورسله وكتب الله المتقدمة لان الله تعالى قد أخبرنا عن نبيه سليمان عليه السلام أنه تفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين أي بعذر بين وحجة في غيبته وتخلفه ولا يجوز أن يعذبه إلا على ذنب ومعصية والذنوب والمعاصي تسمى فسوقا وما جاز أن يسمى عاصيا جاز أن يسمى فاسقا ثم حكى الله تعالى عن الهدهد بعد أن اعتذر إلى سليمان فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم... وهذا لو كان من أقاويل الحكماء بل لو كان من كلام الأنبياء لكان كلاما حسنا وعظة بليغة وحجة بينة فكيف لا يجوز على هذا مطيع وعاص وفاسق ومهتد وقد حكى الله تعالى أيضا عن النمل ما حكاه في هذه السورة فقال وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير فجعلها تنطق كما ينطق الناس وقال حتى أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل الآية فجعلها تنطق كما ينطق الناس وقال وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم وقال يا جبال أوبي معه والطير أي سبحي...). (راجع تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص 129 ــ 133).
أقول: وتحذير النملة لباقي النمل من جيش نبي الله سليمان صلوات الله وسلامه عليه وأمرها لهن بدخول مساكنهن، ومعرفتها بان هذا الذي أمامها هو نبي الله سليمان صلوات الله وسلامه عليه، وان أولئك الذين خلفه هم جيشه وأفراد جنوده، فيه دلالة قاطعة بان لها مستوى من الإدراك والعقل، وان كان ليس بمستوى العقل والإدراك الذي منحه الله سبحانه للإنسان، بل وربما كان فهمها وعقلها وإدراكها لبعض الحقائق الكونية يفوق ويعلو على فهم وإدراك وعقل كثير من بني الإنسان.
وليست النملة بأعجب حالا من الهدهد في قصة سليمان المذكورة سابقا، والذي كان يدرك المدينة التي كان فيها ويعرف اسمها حيث قال (وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ )، ويعلم أن لهذه المدينة ملكة وليست ملكا، وانها محاطة بشتى أنواع النعم والقوة والمنعة وان لها عرشا عظيما (إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ).
وانها وأهل تلك المدينة يعبدون ويسجدون لغير الله سبحانه وبالتحديد للشمس (وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ )، وقد تعجب لفعلهم هذا لأنه يخالف قانون الفطرة، وان هذا الانحراف عن فطرة التوحيد وعبادة الله سبحانه سببه الشيطان فهو الذي زين ذلك لهم فصدهم بتزيينه هذا عن السبيل فصاروا بإتباعه لا يهتدون، ثم يتساءل مستفهما ومستنكرا لفعلهم بقوله: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} (سورة النمل الآية رقم 25).
فهل يصح كل تلك الأقوال والأفعال والاعتقادات إلا ممن له مرتبة من الكمال والعقل والإدراك والفهم، تفوق مرتبة من يسجد للشمس من دون الله سبحانه.
ثم انظر إلى أسلوب كلام نبي الله سليمان معه في قوله تعالى: {قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}. (سورة النمل الآية رقم 27)، فهل يصح أن يوصف بالصدق أو الكذب من لا يعقل شيئا، وليس له إدراك وفهم؟!
ثم هل يصح من نبي الله سليمان صلوات الله وسلامه عليه وهو الحكيم والمعصوم أن يرسل بيد الهدهد كتابا إلى تلك الملكة وقومها قائلا له: {اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} (سورة النمل الآية رقم 28)؟ ويحمله من المضامين أشدها أهمية: {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}. (سورة النمل الآية رقم 30 ــ 31)، لو لم يكن صلوات الله وسلامه عليه يعترف مسبقا بعقل ذلك الحيوان وإدراكه وفهمه.
وبالجملة لا يصح بعد كل هذا التوضيح أن ينكر بعض من لا يتحمل عقله ولا تطمئن نفسه إلى هذه الحقائق القرآنية شعور الحيوانات وإدراكها، وان لها مرتبة من الكمال والتعقل تتناسب وعالمها وليس بالضرورة أن تكون بمستوى عقل الإنسان السوي وفهمه وإدراكه ، لكنها أو بعضها ربما تحمل من الإدراك والتعقل ما يتصاغر أمامه عقل وإدراك وشعور كثير من جهلة أبناء آدم.
ثانيا: إذا كان للحيوان وغيره من الموجودات عقل وإدراك فلماذا لم يكلف بالأحكام الشرعية؟
وربما يحلو للبعض القول بأن لو كان للحيوان أو الشجر أو غيرهما من باقي الموجودات الأُخر عقل وإدراك لكلفوا بتكاليفنا، وأمروا ونهوا وأثيبوا وعوقبوا مثلنا.
ويجاب عن هذا الإشكال: بان مشكلة كثير من الناس هي انه يقيس كل الأشياء على نفسه فإذا ما قال الله سبحانه مثلا يد الله فوق أيديهم تصور أن لله سبحانه يداً ووجهاً ورجلاً وغير ذلك من التجسيم الذي أساسه قصور العقل وقلة الفهم، وكذلك حينما يقال أن للحيوان حظاً ونصيباً من التعقل والإدراك تتناسب وعالمه فانه يقيس ذلك على نفسه ويتصور ان الحيوان له قدرة عقلية مثل قدرة الإنسان العقلية في ضرب الأعداد مثلا وتقسيمها وإخراج جذور الأرقام ووضع الخرائط الهندسية وإجراء البحوث العلمية المعقدة وغير ذلك، غافلا عن ان هذا المستوى الرفيع من العقل إنما خص الله سبحانه به الإنسان من دون غيره وعلى هذا المستوى العقلي اجري التكليف، والحيوان اقل من مستواه العقلي بكثير قطعا، فلذلك لم يكلف بتكاليفنا، أو انه قد كلف ولكن بتكاليف تتناسب ومرتبته الكمالية، ألا ترى أن كل شيء في الوجود يسبح لله سبحانه قال تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} (سورة الإسراء الآية رقم 44).
ولعل هذا التسبيح هو إشارة إلى نوع من أنواع التكليف قد خفي علينا خبره وتفصيل حاله، ولعل الآية بصدد تبيان أن الوجود كله مأمور بالطاعة والانقياد لله سبحانه، ولكل فرد من أفراده تكليفه الخاص به ولكن لا تفقهون تكليفهم.
وكذلك الحال بشان إثابتها أو عقابها فانه قد ورد في الأثر ان الحيوانات تحشر قال تعالى: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ } (سورة التكوير الآية رقم 5)، وتعرض للحساب حتى يقتص الله للجماء من القرناء (راجع بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج7 ص92 الباب الخامس صفحة المحشر )، ثم يقول لها كوني ترابا فترجع ترابا، وهذا المستوى من الإثابة أو العقاب إنما يتناسب ومرتبتها الكمالية.
وعلى هذا الأمر نقيس بقية أجزاء الكون، من الأرض والحجر والشجر وغير ذلك، فان للكل إدراكاً يتناسب ومراتبها الكمالية، وقد ورد في الأثر ان كل ما في الكون يشهد للإنسان بالخير يوم القيامة، وكذلك يشهد عليه إن قد أساء وأذنب عليها أو بقربها، فالأرض تشهد له بالطاعة، وبقاع الأرض يفتخر بعضها على بعض لان مؤمنا قد صلى عليها، فهل يصح أن يشهد من لا يدرك؟ أم هل يتفاخر من لا يعقل؟ ولا ننسى قبل كل ذلك قوله تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} (سورة الإسراء الآية رقم 44)، فالتسبيح لا يصدر إلا ممن له إدراك، ولو لم يكن المسبح مدركا لعظمة وشأن المسبح له، ومدركا للشيء المسبح به لصار تسبيحه لغوا لا يستحق من الباري الذكر في محكم كتابه العزيز، ولكن كما كررنا مرارا المشكلة في الإنسان انه ينكر كل ما لا يدركه بحواسه، لذلك اخبر القران بقوله (ولكن لا تفقهون تسبيحهم) كي لا يكون عدم إدراكنا لهذه الحقائق دليل على إنكارها وقد جاء التصريح بها في القران الذي فيه تبيان كل شيء.
ثالثا: ماذا يقول علماء أهل السنة في معاجز النبي صلى الله عليه وآله وكراماته
أخرج علماء أهل السنة مجموعة من المعاجز والكرامات النبوية والتي تدل دلالة واضحة على فهم الحيوانات والشجر والحجر وتعقلها لما يدور حولها وتفاعلها مع ما يقع عليها أو على غيرها من الموجودات، وقد اخترنا منها ما يتناسب والمقام الذي نحن فيه، فمنها:
ألف: شهادة الشجرة بالرسالة
(ومنها شهادة الشجرة له صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم بالرسالة في خبر الأعرابي الذي دعاه إلى الإسلام فقال هل من شاهد على ما تقول قال نعم هذه الشجرة ادعها فدعاها فأقبلت فاستشهدها فشهدت أنه كما قال ثلاثا ثم رجعت إلى منبتها) (أورد هذا الحديث الهيثمي في مجمع الزوائد في ج8 ص292 وقال: (رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح)، ورواه ابن حبان في كتابه صحيح ابن حبان ج14 ص436 في شهادة الشجر للمصطفى ).
أقول: وقد اجتمعت كلمة المسلمين على قبول شهادة العاقل المدرك لألفاظ الشهادة العالم بموضوعها، وقبول النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشهادة الشجرة ودعوتها للشهادة له بالنبوة دليل على ان لها مستوى من التعقل والإدراك يؤهلها لتلك الشهادة.
باء: مجيء الشجرة للسلام عليه
ومنها مجيء الشجرة إليه صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم لتظله وتسلم عليه فقد جاء أنه صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم نام أي في الشمس فجاءت شجرة تشق الأرض حتى قامت عليه لما استيقظ ذكر له ذلك فقال هي شجرة استأذنت ربها عز وجل في أن تسلم علي فأذن لها (راجع أيضا تهذيب الكمال للمزي ج1 ص237، والوافي بالوفيات للصفدي ج1 ص82، وعيون الأثر لابن سيد الناس ج2 ص360 في ذكر نبذة من معجزاته صلى الله عليه وآله وسلم).
أقول: وفي هذا المقطع عدة من المعاني الدالة على المطلوب منها ان الشجرة كانت تدرك بان هذا النائم هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتدرك انه صلى الله عليه وآله وسلم نائم في الشمس، وتدرك ان الشمس تؤذيه، وتدرك ان أغصانها يمكن ان تريح النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما لو صارت حائلا ما بين الشمس وبينه صلى الله عليه وآله وسلم، وتدرك انها لكي تتحول من مكانها وتتحرك عن موضعها لابد ان تستأذن الله سبحانه لعلمها ان الله سبحانه وحده من يملك هذه القدرة، فأخبرونا يا أولي الألباب أليس العقل والإدراك إلا هذا؟
جيم: حنين الجذع على فراق النبي صلى الله عليه وآله
اخرج البخاري في ج4 ص173: (حدثنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى بن كثير أبو غسان حدثنا أبو حفص واسمه عمر بن العلاء أخو أبي عمر وابن العلاء قال سمعت نافعا عن ابن عمر رضي الله عنهما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع فلما اتخذ المنبر تحول إليه فحن الجذع فأتاه فمسح يده عليه) وقد اخرج أيضا في الصفحة نفسها قوله (عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة فقالت امرأة من الأنصار أو رجل يا رسول الله ألا نجعل لك منبرا قال إن شئتم فاجعلوا له منبرا فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر فصاحت النخلة صياح الصبي ثم نزل النبي صلى الله عليه وسلم فضمه إليه تأن أنين الصبي الذي يسكن قال كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها) وقال في ص173 ــ174 من هذا الجزء نفسه: (عن يحيى بن سعيد قال أخبرني حفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك انه سمع جابر بن عبد الله يقول كان المسجد مسقوفا على جذوع من نخل فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقوم إلى جذع منها فلما صنع له المنبر وكان عليه فسمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليها فسكنت).
أقول: وليس فراق النبي صلى الله عليه وآله وسلم لجذع الشجرة بأعظم من قتل ابنه فإذا كان الجذع قد حن وصاح كالصبي لمجرد فراق النبي له صلى الله عليه وآله وسلم أفلا يحق للأرض والسماء والبحار والأشجار أن تحن على الإمام الحسين عليه السلام وتبكي لعظيم رزيته وجليل مصيبته وفادح ما نزل به؟ فلماذا جوزتم تلك واستعظمتم هذه؟ مع ان مصيبة الحسين صلوات الله وسلامه عليه ورزيته ومحنته أعظم وأدهى وأمر.
دال: شكوى البعير من قلة علفه وجوعه
قد رويت روايات كثيرة في شكاية الحيوانات لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيام كان في المدينة منها ما أخرجه احمد بن حنبل في مسنده ج 4 ص 170 ــ 171 قال: (حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الله بن نمير عن عثمان بن حكيم قال أخبرني عبد الرحمن بن عبد العزيز عن يعلى بن مرة قال لقد رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا ما رآها أحد قبلي ولا يراها أحد بعدي...وكنت عنده جالسا ذات يوم إذ جاءه جمل يخبب حتى صوب بجرانه بين يديه ثم ذرفت عيناه فقال ويحك انظر لمن هذا الجمل ان له لشأنا قال فخرجت التمس صاحبه فوجدته لرجل من الأنصار فدعوته إليه فقال ما شأن جملك هذا فقال وما شأنه قال لا أدري والله ما شأنه عملنا عليه ونضحنا عليه حتى عجز عن السقاية فائتمرنا البارحة أن ننحره ونقسم لحمه قال فلا تفعل هبه لي أو بعنيه فقال بل هو لك يا رسول الله قال فوسمه بسمة الصدقة ثم بعث به)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص6: (رواه أحمد بإسنادين والطبراني بنحوه، وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح).
هاء: شكوى بعض الطيور له من أخذ بيضها أو فراخها
ومنها شكوى بعض الطيور له صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم بسبب أخذ بيضه أو فراخه فقد جاء أن حمرة جاءت فوق رأسه فقال صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم أيكم فجع هذه فقال رجل من القوم أنا أخذت بيضها فقال ردّه ردّه رحمة لها. (راجع مسند أبي داود الطيالسي لسليمان بن داود الطيالسي ص44، وراجع أيضا تاريخ الإسلام للذهبي ج1 ص350، وفي الأدب المفرد للبخاري ص88).
أقول: وفي هذا الحديث كما لا يخفى إشارة واضحة إلى معرفة هذا الطائر بشخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك معرفته بتأثيره على أصحابه وان لا أحد يستطيع أن يرجع إليها فراخها أو بيضها غيره صلى الله عليه وآله وسلم وهل يكون العقل والإدراك إلا هذا.
واو: سجود البعير له صلى الله عليه وآله
نقل احمد بن حنبل في مسنده ج 3 ص 310عن جابر بن عبد الله قال أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر حتى إذا دفعنا إلى حائط من حيطان بني النجار إذا فيه جمل لا يدخل الحائط أحد إلا شدّ عليه قال فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فجاء حتى أتى الحائط فدعا البعير فجاء واضعا مشفره إلى الأرض حتى برك بين يديه قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم هاتوا خطاما فخطمه ودفعه إلى صاحبه قال ثم التفت إلى الناس قال إنه ليس شيء بين السماء والأرض إلا يعلم أني رسول الله إلا عاصي الجن والإنس)، وقال الهيثمي في (مجمع الزوائد ج9 ص7): (رواه أحمد ورجاله ثقات).
أقول: ولا يخفى ما في هذا الحديث من الإشارات المهمة الدالة على المطلوب والتي منها ان كل الموجودات تعرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم وانه رسول الله وهو موافق لما روي عند الإمامية بان الولاية للرسول والإمام عرضت على كل شيء وعليه فإذا كانت الموجودات تعرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنها تعرف الإمام كذلك، وإذا كانت تسجد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنها كذلك للإمام ولمعرفتها بمنزلة النبي والإمام تأثرت حين استشهاد الحسين صلوات الله وسلامه عليه.
زاي: سجود الغنم له صلى الله عليه واله ومعرفتها بنبوته
قال المقريزي في (إمتاع الأسماع ج5 ص247): (وأما سجود الغنم له، فخرج أبو نعيم من حديث جعفر بن محمد الفريابي قال: أخبرنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي، حدثنا عباد بن يوسف الكندي، أخبرنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم حائطا للأنصار، ومعه أبو بكر وعمر في رجال من الأنصار، وفي الحائط غنم فسجدن له، فقال أبو بكر رضي الله عنه يا رسول الله كنا نحن أحق بالسجود لك من هذه الغنم ، فقال: إنه لا ينبغي من أمتي أن يسجد أحد لأحد، لو كان ينبغي أن يسجد أحد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها).
وراجع أيضا كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض (ج1 ص312 فصل في الآيات في ضروب الحيوانات)، وراجع أيضا كتاب سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي (ج9 ص561 جماع أبواب معجزاته صلى الله عليه وآله وسلم الباب الخامس في سجود الغنم له).
أقول: فليس على من نقل هذه الوقائع وأمثالها وما لم نذكره أكثر وأكثر ان يستغرب ويستنكر بكاء السماء والملائكة والحيوانات والبحار والجنة وما فيها على مصيبة سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه.
رابعا: كسفت الشمس وأظلمت المدينة حين أرادوا نقل منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قال ابن حجر في فتح الباري: (ولم يزل المنبر على حاله ثلاث درجات حتى زاده مروان في خلافة معاوية ست درجات من أسفله وكان سبب ذلك ما حكاه الزبير بن بكار في أخبار المدينة شوال إلى حميد بن عبد الرحمن بن عوف قال بعث معاوية إلى مروان وهو عامله على المدينة أن يحمل إليه المنبر فأمر به فقلع فأظلمت المدينة فخرج مروان فخطب وقال إنما أمرني أمير المؤمنين أن أرفعه فدعا نجارا وكان ثلاث درجات فزاد فيه الزيادة التي هو عليها اليوم ورواه من وجه آخر قال فكسفت الشمس حتى رأينا النجوم). (راجع فتح الباري لابن حجر ج 2 ص 331 باب التأذين عند الخطبة).
وقال المقريزي: (قال سفيان بن حمزة قال كثير فأخبرني الوليد بن رباح قال: كسفت الشمس يوم زاد معاوية في المنبر حتى رؤيت النجوم. وذكر الواقدي وغيره: أنه لما كانت سنة خمسين أمر معاوية بن أبي سفيان بحمل المنبر إلى الشام وقال: لا يترك هو وعصا النبي صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم بالمدينة... فلما حرك المنبر ليخرج من موضعه كسفت الشمس حتى رؤيت النجوم بادية فأعظم الناس ذلك فترك المنبر على حاله...وذكر ابن زبالة من حديث عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه قال: بعث معاوية بن أبي سفيان إلى مروان بن الحكم عامله على المدينة يأمره أن يحمل إليه منبر النبي صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم عن ما وضعه فأمر به أن يقلع فأظلمت المدينة وأصابتهم ريح شديدة...وعن عبد الله بن زياد عن ابن فطن قال: قلع مروان بن الحكم منبر النبي صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم وكان درجتين والمجلس وأراد أن يبعث به إلى معاوية فكسفت الشمس حتى رأينا النجوم...ولما ولى عبد الملك بن مروان الخلافة هم بنقل المنبر فقال له قبيصة بن ذؤيب: أذكرك الله أن تفعل إن معاوية حركه فكسفت الشمس). (إمتاع الأسماع للمقريزي ج 10 ص 107 ــ 109 فصل في ذكر منبر رسول الله صلى الله عليه وآله).
أقول: وليس إخراج منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الشام بأعظم من إخراج نساء رسول الله وحريمه وعترته سبايا يساقون إلى الشام، وليس نقل المنبر بأعظم من نقل رأس سيد الشهداء إلى ابن معاوية يزيد اللعين، فهل يحق للسماء أن تنكسف شمسها على نقل منبر صعد عليه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ولا تنكسف أو تبكي السماء على سبط النبي الذي طالما اعتلى منكب النبي وظهره وصدره الشريف.
خامسا: أظلمت المدينة من جريمة عبيد الله بن عمر بن الخطاب
لما طعن أبو لؤلؤة عمر بن الخطاب ثار ولده عبيد الله بن عمر فقتل على الظنة والتهمة ثلاثة من الأبرياء غدرا وهم الذين ذكرهم الصنعاني بقوله: (فخرج عبيد الله بن عمر مشتملا على السيف، حتى أتى الهرمزان، فقال: اصحبني حتى ننظر إلى فرس لي، وكان الهرمزان بصيرا بالخيل، فخرج يمشي بين يديه، فعلاه عبيد الله بالسيف، فلما وجد حر السيف قال: لا إله إلا الله، فقتله، ثم أتى جفينة، وكان نصرانيا، فدعاه، فلما أشرف له علاه بالسيف، فصلب بين عينيه، ثم أتى ابنة أبي لؤلؤة، جارية صغيرة تدعي الإسلام فقتلها، فأظلمت المدينة يومئذ على أهلها، ثم أقبل بالسيف صلتا في يده وهو يقول: والله لا أترك في المدينة سبيا إلا قتلته وغيرهم، وكأنه يعرض بناس من المهاجرين). (راجع المصنف لعبد الرزاق الصنعاني ج 5 ص 478 ــ 480، وراجع أيضا تاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص297، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ج 38 ص 62).
وعن ابن حجر ان المدينة قد أظلمت يومئذ ثلاثة أيام حيث قال: (...فخرج يمشي بين يديه فعلاه عبيد الله بالسيف فلما وجد حر السيف قال لا إله إلا الله ثم أتى جفينة وكان نصرانيا فقتله ثم أتى بنت أبي لؤلؤة جارية صغيرة فقتلها فأظلمت المدينة يومئذ على أهلها ثلاثا...). (الإصابة لابن حجر ج 5 ص 43).
أقول: فإذا أظلمت الدنيا لقتل ابنة أبي لؤلؤة لأنها قد قتلت وهي صغيره لا ذنب لها فكيف لا تظلم لقتل عبد الله الرضيع يوم عاشوراء وقد ذبح عطشانا من الوريد إلى الوريد، والذي هو بشهادة الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه أكرم على الله من فصيل ناقة صالح وأعظم، وإذا كان لقتل الهرمزان وجفينة النصراني حرمة عند الله حيث بانت آثار مظلمتهم في السماء، فكيف لا تكون حرمة الحسين صلوات الله وسلامه عليه وأولاده وأصحابه وبناته أعظم وأجل وأكبر، وكيف لا تبين آثار مظلمتهم على السماوات والأرض وما فيهن وقد خلقن وما فيهن لأجلهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وأهل بيته الطاهرين واللعنة على أعدائهم أجمعين.
2 التعليقات
بأبي من بكته الحيتان في اعماق البحار وطيور السماء وماجت لاجله الارض باهلها
تعليقعليك مني السلام يا ساكنا في قلوب الصادقين
تبا لقوم يرون البكاء عليك بدعة ما اقسى قلوبهم وما اقبح سريرتهم
بارك الله فيك والله إنها لأشياء تدمع لها العين من عظمة الله تعالى وقدرته لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
تعليقإرسال تعليق