بقلم: الشيخ وسام البلداوي
لم تقتصر مصيبة الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه على الأنبياء والأئمة والمؤمنين من أبناء آدم عليه السلام، بل تعدى أثر مصيبته وجلل رزيته إلى سائر أجزاء الوجود، وتأثر الكون برمته، ومن يتتبع الروايات والنصوص التاريخية التي ذكرت هذا التفاعل الكوني مع مصيبة سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه يجد بعد عظيم مصيبة سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه وجليل رزيته أصبح هنالك تغيير كوني واضح وقد امتد هذا التغيير إلى يومنا الحاضر وسيستمر إلى يوم القيامة ليحكي للأجيال عظيم ما وقع وجليل ما ارتكب، وفيما يلي تفصيل ذلك:
أولا: تصريح السيدة زينب ببكاء السماء دما يوم عاشوراء
إن أول من أشار وبكل صراحة إلى تفاعل السماء مع مصيبة سيد الشهداء بالبكاء عليه دماً هي السيدة زينب العقيلة بنت علي صلوات الله وسلامه عليه، فقد جهرت بهذه الحقيقة في خطبتها التي ألقتها في الكوفة بعد أن أحضرهم إلى الكوفة عدو الله عبيد الله بن زياد لعنه الله، فعن إسماعيل بن راشد، عن حذلم بن ستير قال: (قدمت الكوفة في المحرم سنة إحدى وستين عند منصرف علي بن الحسين عليهما السلام بالنسوة من كربلاء ومعهم الأجناد محيطون بهم وقد خرج الناس للنظر إليهم، فلما أقبل بهم على الجمال بغير وطاء جعل نساء أهل الكوفة يبكين وينتدبن...قال: ورأيت زينب بنت علي عليهما السلام ولم أر خفرة قط أنطق منها كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين عليه السلام. قال: وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا، فارتدت الأنفاس وسكتت الأصوات فقالت: الحمد لله والصلاة على أبي رسول الله، أما بعد يا أهل الكوفة،يا أهل الختل والخذل... ويلكم أتدرون أي كبد لمحمد فريتم، وأي دم له سفكتم، وأي كريمة له أصبتم {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا } (سورة مريم الآية رقم 89 ــ 90) ولقد أتيتم بها خرقاء شوهاء...أفعجبتم أن قطرت السماء دماً ولعذاب الآخرة أخزى...). (راجع الأمالي للشيخ المفيد ص 321 ــ 323، وراجع أيضاً بلاغات النساء لابن طيفور ص 24).
وفي كتاب الاحتجاج للشيخ الطبرسي أنها صلوات الله وسلامه عليها قالت: (...أفعجبتم أن تمطر السماء دماً...). (الاحتجاج للشيخ الطبرسي ج2 ص31).
وفي قولها صلوات الله وسلامه عليه هذا ملاحظات عدة ينبغي التنبيه عليها:
الملاحظة الأولى:
ان في قولها هذا تصريحاً واضحاً بوقوع تفاعل كوني لم يكن معهود الوقوع من قبل، وهذا التفاعل الكوني الجديد هو ما عبرت عنه صلوات الله وسلامه عليه بقولها: (أفعجبتم أن قطرت السماء دماً).
الملاحظة الثانية:
أن هذا الحدث الكوني قد استغربه الناس عامة وتعجبوا من وقوعه وحصوله،وما تعجب الناس هذا الحدث الكوني إلا لغرابته وعدم أُلفته، إذ لو كان معهوداً لديهم ومعروفاً وقوعه في زمانهم أو الأزمنة القريبة عليهم لما لزم من وقوعه أي تعجب.
الملاحظة الثالثة:
عدم رد الناس عليها صلوات الله وسلامه عليه ومخالفة قولها أو محاولة تكذيبها حاشاها من كل زلل، دليل آخر على وقوع مثل هذا الحدث الكوني المهم، إذ لو كان كلامها صلوات الله وسلامه عليها غير مطابق للواقع لوجدت العشرات من أتباع ابن زياد لا يتوانون في الوقوف بوجه مقالتها وتكذيبها علانية، لمحاولة سلب شرعية أقوالها وليحولوا بينها وبين تأثيرها على الناس.
الملاحظة الرابعة:
في قولها صلوات الله وسلامه عليها: (ويلكم أتدرون أي كبد لمحمد فريتم، وأي دم له سفكتم، وأي كريمة له أصبتم «لقد جئتم شيئا إدا، تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً» ولقد أتيتم بها خرقاء شوهاء...أفعجبتم أن قطرت السماء دما ولعذاب الآخرة أخزى) ثلاثة مدلولات مهمة:
ألف: أرادت الحوراء زينب صلوات الله وسلامه عليها بكلماتها هذه تبيان سبب وقوع هذه الحادثة الكونية الغريبة، فسفك هذه الأمة لدم الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه هو الذي سبب هذا التغير الكوني الرهيب.
باء: أرادت صلوات الله وسلامه عليها أن تظهر منزلة دم الإمام الحسين عليه السلام وعظمته من بتأكيدها على أن الدم الذي جرى في يوم عاشوراء، والكبد الذي اصطلى من العطش ومن السهام وطعنات السيوف والرماح هو دم رسول الله وكبده قبل أن يكون دم الحسين صلوات الله وسلامه عليه وكبده، لان الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه كما هو ثابت في أحاديث جميع فرق المسلمين بضعة من رسول الله وجزء لا يتجزأ منه وكيف لا يكون كذلك وهو صلى الله عليه وآله القائل (حسين مني وأنا من حسين). (راجع كامل الزيارات لجعفر بن محمد بن قولويه ص116، ومسند أحمد بن حنبل ج4 ص172).
جيم: إن بكاء السماء دماً يحمل في طياته معنيين فهو غضب إلهي على كل من اشترك وساهم وأعان ورضي بإراقة دم الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه وفري كبده الشريف، وهو حزن للسماء وسكانها ومن فيها على ما ارتكب في حق ولي الله الأعظم من الجرائم والجرائر التي يندى لها جبين الأحرار.
ثانيا: التأثير الكوني لمصيبة الحسين صلوات الله وسلامه عليه في كتب الإمامية
منها ما عن الشيخ الطوسي في أماليه قال: (حدثني بذلك محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن محمد بن علي الكوفي، عن نصر بن مزاحم، عن لوط بن يحيى، عن الحارث بن كعب، عن فاطمة بنت علي صلوات الله عليهما: ثم إن يزيد لعنه الله أمر بنساء الحسين عليه السلام فحبسن مع علي بن الحسين عليهما السلام في محبس لا يكنهم من حر ولا قر حتى تقشرت وجوههم، ولم يرفع ببيت المقدس حجر عن وجه الأرض إلا وجد تحته دم عبيط، وأبصر الناس الشمس على الحيطان حمراء كأنها الملاحف المعصفرة، إلى أن خرج علي بن الحسين عليهما السلام بالنسوة، ورد رأس الحسين عليه السلام إلى كربلاء). (راجع الأمالي للشيخ الصدوق ص 231 ــ 232).
وعن أبي بصير، عن أبي جعفر صلوات الله وسلامه عليه قال: (بكت الإنس والجن والطير والوحش على الحسين ابن علي عليهما السلام حتى ذرفت دموعها). (راجع كامل الزيارات لجعفر بن محمد بن قولويه ص 165 الباب 26 بكاء جميع ما خلق الله على الحسين بن علي عليهما السلام الحديث رقم 1).
وعن يونس وأبي سلمة السراج والمفضل بن عمر قالوا: ( سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول: لما مضى الحسين بن علي عليهما السلام بكى عليه جميع ما خلق الله إلا ثلاثة أشياء: البصرة ودمشق وآل عثمان). (راجع المصدر السابق ص166 الحديث رقم 6).
منها ما روي عن الإمام السجاد صلوات الله وسلامه عليه حين رجوعه إلى المدينة بعد رحلة السبي حينما اجتمع له الناس فخطبهم صلوات الله وسلامه عليه بقوله: (فلقد بكت السبع الشداد لقتله، وبكت البحار بأمواجها، والسماوات بأركانها، والأرض بأرجائها، والأشجار بأغصانها، والحيتان ولجج البحار والملائكة المقربون وأهل السماوات أجمعون...). (راجع مثير الأحزان لابن نما الحلي ص91 المقصد الثالث من الأمور اللاحقة لقتله وشرح سبي ذريته وأهله).
وعن الإمام الصادق صلوات الله وسلامه عليه قال: (إن أبا عبد الله عليه السلام لما مضى بكت عليه السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن ومن يتقلب في الجنة والنار من خلق ربنا وما يرى وما لا يرى). (كامل الزيارات لجعفر بن محمد بن قولويه ص166 الباب 26 بكاء جميع من خلق الله على الحسين بن علي عليهما السلام).
ثالثا: التأثير الكوني لمصيبة الحسين صلوات الله وسلامه عليه في كتب أهل السنة
قال عبد الكريم الرافعي: (اشتهر أن قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما كان يوم عاشوراء وروى البيهقي عن أبي قبيل أنه لما قتل الحسين رضي الله عنه كسفت الشمس كسفة بدت الكواكب نصف النهار حتى ظننا أنها هي ــ أي ظننا أنها القيامة ــ). (راجع فتح العزيز لعبد الكريم الرافعي ج 5 ص 83 ــ 84).
وقال محيي الدين النووي في روضة الطالبين: (فقد صح أن الشمس كسفت يوم مات إبراهيم ابن رسول الله.، وروى الزبير بن بكار في الأنساب: أنه توفي في العاشر من شهر ربيع الأول. وروى البيهقي مثله عن الواقدي. وكذا اشتهر أن قتل الحسين رضي الله عنه كان يوم عاشوراء. وروى البيهقي عن أبي قبيل أنه لما قتل الحسين، كسفت الشمس). (روضة الطالبين لمحيى الدين النووي ج 1 ص 598).
وقال محمد بن احمد الشربيني: (وقد صح أن الشمس كسفت يوم مات سيدنا إبراهيم ابن النبي.، وفي أنساب الزبير بن بكار أنه مات عاشر ربيع الأول، وروي البيهقي مثله عن الواقدي. وكذا اشتهر أنها كسفت يوم قتل الحسين، وأنه قتل يوم عاشوراء). (مغني المحتاج لمحمد بن أحمد الشربيني ج 1 ص 320).
وقال الدسوقي: (أن الرافعي نقل أن الشمس كسفت يوم مات الحسين وكان يوم عاشوراء، وورد أنها كسفت يوم مات إبراهيم ولد النبي صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم وكان موته في العاشر من الشهر عند الأكثر). (حاشية الدسوقي للدسوقي ج 1 ص 404 ــ 405).
وقال البيهقي: (وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان أنبأ عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان حدثني أبو الأسود النضر بن عبد الجبار أنبأ ابن لهيعة عن أبي قبيل قال لما قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما كسفت الشمس كسفة بدت الكواكب نصف النهار حتى ظننا أنها هي). (السنن الكبرى للبيهقي ج 3 ص 337).
وعن الهيثمي في مجمع الزوائد قال: (وعن أبي قبيل قال لما قتل الحسين بن علي انكسفت الشمس كسفة حتى بدت الكواكب نصف النهار حتى ظننا انها هي. رواه الطبراني وإسناده حسن). (مجمع الزوائد للهيثمي ج 9 ص 197).
قال السيوطي في «تاريخ الخلفاء»: «ولما قتل الحسين مكثت الدنيا سبعة أيام والشمس على الحيطان كالملاحف المعصفرة، والكواكب يضرب بعضها بعضاً، وكان قتله يوم عاشوراء، وكسفت الشمس ذلك اليوم واحمرّت آفاق السماء ستة أشهر بعد قتله، ثم لا زالت الحمرة ترى فيها بعد ذلك ولم تكن ترى فيها قبله. وقيل: إنه لم يقلب حجر بيت المقدس يومئذ إلاّ وجد تحته دم عبيط، وصار الورس الذي في عسكرهم رماداً، ونحروا ناقة في عسكرهم فكانوا يرون في لحمها مثل النيران، وطبخوها فصارت مثل العلقم، وتكلّم رجل في الحسين بكلمة، فرماه الله بكوكبين من السماء فطمس بصره). (راجع تاريخ الخلفاء للسيوطي ص160، ترجمة يزيد بن معاوية، دار الكتاب العربي).
وقد علق الهيثمي على الحديث السابق بقوله: (رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح). (راجع مجمع الزوائد للهيثمي ج9 ص196 باب مناقب الحسين بن علي عليهما السلام).
وأخرج الطبراني بسنده إلى ابن شهاب الزهري قال: (ما رفع بالشام حجر يوم قتل الحسين بن علي إلا عن دم، رضي الله عنه). (راجع المعجم الكبير للطبراني ج3 ص113 ذكر مولده وصفته).
قال الهيثمي: (رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح). (راجع مجمع الزوائد للهيثمي ج9 ص196 باب مناقب الحسين بن علي عليهما السلام).
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: (وعن الزهري قال: قال لي عبد الملك أي واحد أنت إن أعلمتني أي علامة كانت يوم قتل الحسين فقال قلت: لم ترفع حصاة ببيت المقدس إلا وجد تحتها دم عبيط فقال لي عبد الملك إني وإياك في هذا الحديث لقرينان. رواه الطبراني ورجاله ثقات). (مجمع الزوائد للهيثمي ج 9 ص 196).
وعن ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق عن علي بن محمد عن علي بن مدرك عن جده الأسود بن قيس قال: ( احمرت آفاق السماء بعد قتل الحسين ستة أشهر يرى ذلك في آفاق السماء كأنها الدم قال فحدثت بذلك شريكا فقال لي سألت من الأسود قلت هو جدي أبو أمي قال أما والله إن كان لصدوق الحديث عظيم الأمانة مكرما للضيف). (راجع تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ج 14 ص 227).
وقال الزرندي الحنفي: (ونقل الإمام أبو الفرج ابن الجوزي في كتاب التبصرة عن ابن سيرين قال: لما قتل الحسين أظلمت الدنيا ثلاثة أيام ثم ظهرت هذه الحمرة في السماء. وقال أبو سعيد ما رفع حجر في الدنيا لما قتل الحسين إلا وتحته دم عبيط، ولقد مطرت السماء دماً بقي أثره في الثياب مدة حتى تقطعت. وقال سليم القاضي لما قتل الحسين مطرنا دما. وقال السدي: لما قتل الحسين بكت السماء وبكاؤها حمرتها. قال الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي: كان الغضبان يحمر وجهه عند الغضب فيستدل على غضبه وهو إمارة الشخص، الحق سبحانه وتعالى ليس بجسم فأظهر تأثير عظمته على من قتل الحسين بحمرة الأفق وذلك دليل على عظيم الجناية. وقال أيضا: لما أسر العباس يوم بدر سمع النبي أنينه فما نام تلك الليلة، وكيف لو سمع أنين الحسين. وقال: لما أسلم وحشي قاتل حمزة قال له النبي: غيب وجهك عني فاني لا أحب من قتل الأحبة، قال: وهذا والإسلام يجب ما قبله فكيف يقدر الرسول أن يرى من ذبح الحسين، أو أمر بقتله وحمل أهله على أقتاب الجمال). (راجع نظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص 221 ــ 223).
وقد تركنا ذكر واستقصاء كل ما ذكر للاختصار ومن يشاء فليرجع إلى الكتب التي ذكرت هذه الوقائع العظام والحوادث الجسام وهي بحمد الله كثيرة وجميعها شاهد ناطق بصحة ما جاء في زيارة عاشوراء.
رابعاً: ماذا يقول ابن كثير وابن تيمية بخصوص ما ذكرناه آنفاً
لقد أعمت العصبية بصيرة ابن كثير الدمشقي الأموي، وابن تيمية الحراني فكذبا جميع ما تم تصحيحه من قبل علماء العامة قبل الخاصة، ولكنهم ولله الحمد لم يقدموا دليلا واحدا على رفضهم واستنكارهم لبكاء السماء دما وغيرها من الحوادث الأليمة المفجعة واكتفوا بكلمات التشنيع والقدح والذم للشيعة ولمن يقول بقولهم، وهو دليل على ضعف حجتهم ومستوى أخلاقهم ومكانتهم العلمية والفكرية، لان العالم يواجه الحجة بالحجة والجاهل المتعصب يرد الحجة بالنباح والصياح والسب والشتم، وهذا هو ما صدر من ابن كثير وابن تيمية، ومن أراد التأكد من ذلك فلينظر إلى قول ابن كثير حيث يقول: (... إن يحيى بن زكريا عليه الصلاة والسلام لما قتل احمرت السماء وقطرت دما وإن الحسين بن علي رضي الله عنهما لما قتل احمرت السماء. وحدثنا علي بن الحسين حدثنا أبو غسان محمد بن عمر وزنيج حدثنا جرير عن يزيد بن أبي زياد قال لما قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما احمرت آفاق السماء أربعة أشهر قال يزيد واحمرارها بكاؤها وهكذا قال السدي في الكبير وقال عطاء الخراساني بكاؤها أن تحمر أطرافها وذكروا أيضا في مقتل الحسين رضي الله عنه أنه ما قلب حجر يومئذ إلا وجد تحته دم عبيط وأنه كسفت الشمس واحمر الأفق وسقطت حجارة، وفي كل من ذلك نظر والظاهر أنه من سخف الشيعة وكذبهم ليعظموا الأمر ولا شك أنه عظيم ولكن لم يقع هذا الذي اختلقوه وكذبوه). (راجع تفسير ابن كثير ج 4 ص 153 ــ 154).
وقال في موضع آخر: (وقد ذكروا في مقتله أشياء كثيرة أنها وقعت من كسوف الشمس يومئذ، وهو ضعيف، وتغيير آفاق السماء، ولم ينقلب حجر إلا وجد تحته دم، ومنهم من خصص ذلك بحجارة بيت المقدس، وأن الورس استحال رمادا، وأن اللحم صار مثل العلقم وكان فيه النار، إلى غير ذلك مما في بعضها نكارة، وفي بعضها احتمال). (البداية والنهاية لابن كثير ج 6 ص 258 ــ 259).
وقال في موضع ثالث: (وقد ذكر الطبراني ههنا آثارا غريبة جدا، ولقد بالغ الشيعة في يوم عاشوراء، فوضعوا أحاديث كثيرة كذبا فاحشا، من كون الشمس كسفت يومئذ حتى بدت النجوم وما رفع يومئذ حجر إلا وجد تحته دم، وأن أرجاء السماء احمرت، وأن الشمس كانت تطلع وشعاعها كأنه الدم، وصارت السماء كأنها علقة، وأن الكواكب ضرب بعضها بعضا، وأمطرت السماء دما أحمر، وأن الحمرة لم تكن في السماء قبل يومئذ، ونحو ذلك. وروى ابن لهيعة: عن أبي قبيل المعافري: أن الشمس كسفت يومئذ حتى بدت النجوم وقت الظهر، وأن رأس الحسين لما دخلوا به قصر الإمارة جعلت الحيطان تسيل دما، وأن الأرض أظلمت ثلاثة أيام، ولم يمس زعفران ولا ورس بما كان معه يومئذ إلا احترق من مسه، ولم يرفع حجر من حجارة بيت المقدس إلا ظهر تحته دم عبيط، وأن الإبل التي غنموها من إبل الحسين حين طبخوها صار لحمها مثل العلقم. إلى غير ذلك من الأكاذيب والأحاديث الموضوعة التي لا يصح منها شيء). (البداية والنهاية لابن كثير ج 8 ص 219).
وقال ابن تيمية: (إن كثيرا مما روي في ذلك كذب، مثل كون السماء أمطرت دما، ومثل كون الحمرة ظهرت في السماء يوم قتل الحسين، وكذلك قول القائل: ما رفع حجر في الدنيا إلا وجد تحته دم عبيط هو أيضا كذب بين). (منهاج السنة النبوية ج4 ص560).
أقول: بل الكذب البين هو تكذيب ابن كثير وابن تيمية لتلك النصوص الصحيحة، وما مر من تصحيح علماء السنة لتلك النصوص المثبتة لوقوع البكاء من السماء على مصيبة سيد الشهداء وغيرها من الانفعالات الكونية حجة عليهما، ومن عرف منهج وأسلوب وحقد كل من ابن كثير وابن تيمية لا يستغرب عليهما إنكارهما لمثل هذه الحقائق الواضحة الناصعة، فالحديث الكذب بالنسبة لهما كل ما تقول به الشيعة الإمامية أو يؤيد أفكارهم ومتبنياتهم، حتى لو كان ذلك الحديث بحسب الموازين الرجالية صحيحا ورجاله ثقات، وأما الحديث الصحيح برأيهما فهو كل حديث يقدح بالشيعة ويؤدي إلى مس كرامتهم وعقائدهم حتى وإن كان هذا الحديث ساقطاً بلحاظ المعيار السندي والرجالي.
والحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطاهرين، واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
لم تقتصر مصيبة الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه على الأنبياء والأئمة والمؤمنين من أبناء آدم عليه السلام، بل تعدى أثر مصيبته وجلل رزيته إلى سائر أجزاء الوجود، وتأثر الكون برمته، ومن يتتبع الروايات والنصوص التاريخية التي ذكرت هذا التفاعل الكوني مع مصيبة سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه يجد بعد عظيم مصيبة سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه وجليل رزيته أصبح هنالك تغيير كوني واضح وقد امتد هذا التغيير إلى يومنا الحاضر وسيستمر إلى يوم القيامة ليحكي للأجيال عظيم ما وقع وجليل ما ارتكب، وفيما يلي تفصيل ذلك:
أولا: تصريح السيدة زينب ببكاء السماء دما يوم عاشوراء
إن أول من أشار وبكل صراحة إلى تفاعل السماء مع مصيبة سيد الشهداء بالبكاء عليه دماً هي السيدة زينب العقيلة بنت علي صلوات الله وسلامه عليه، فقد جهرت بهذه الحقيقة في خطبتها التي ألقتها في الكوفة بعد أن أحضرهم إلى الكوفة عدو الله عبيد الله بن زياد لعنه الله، فعن إسماعيل بن راشد، عن حذلم بن ستير قال: (قدمت الكوفة في المحرم سنة إحدى وستين عند منصرف علي بن الحسين عليهما السلام بالنسوة من كربلاء ومعهم الأجناد محيطون بهم وقد خرج الناس للنظر إليهم، فلما أقبل بهم على الجمال بغير وطاء جعل نساء أهل الكوفة يبكين وينتدبن...قال: ورأيت زينب بنت علي عليهما السلام ولم أر خفرة قط أنطق منها كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين عليه السلام. قال: وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا، فارتدت الأنفاس وسكتت الأصوات فقالت: الحمد لله والصلاة على أبي رسول الله، أما بعد يا أهل الكوفة،يا أهل الختل والخذل... ويلكم أتدرون أي كبد لمحمد فريتم، وأي دم له سفكتم، وأي كريمة له أصبتم {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا } (سورة مريم الآية رقم 89 ــ 90) ولقد أتيتم بها خرقاء شوهاء...أفعجبتم أن قطرت السماء دماً ولعذاب الآخرة أخزى...). (راجع الأمالي للشيخ المفيد ص 321 ــ 323، وراجع أيضاً بلاغات النساء لابن طيفور ص 24).
وفي كتاب الاحتجاج للشيخ الطبرسي أنها صلوات الله وسلامه عليها قالت: (...أفعجبتم أن تمطر السماء دماً...). (الاحتجاج للشيخ الطبرسي ج2 ص31).
وفي قولها صلوات الله وسلامه عليه هذا ملاحظات عدة ينبغي التنبيه عليها:
الملاحظة الأولى:
ان في قولها هذا تصريحاً واضحاً بوقوع تفاعل كوني لم يكن معهود الوقوع من قبل، وهذا التفاعل الكوني الجديد هو ما عبرت عنه صلوات الله وسلامه عليه بقولها: (أفعجبتم أن قطرت السماء دماً).
الملاحظة الثانية:
أن هذا الحدث الكوني قد استغربه الناس عامة وتعجبوا من وقوعه وحصوله،وما تعجب الناس هذا الحدث الكوني إلا لغرابته وعدم أُلفته، إذ لو كان معهوداً لديهم ومعروفاً وقوعه في زمانهم أو الأزمنة القريبة عليهم لما لزم من وقوعه أي تعجب.
الملاحظة الثالثة:
عدم رد الناس عليها صلوات الله وسلامه عليه ومخالفة قولها أو محاولة تكذيبها حاشاها من كل زلل، دليل آخر على وقوع مثل هذا الحدث الكوني المهم، إذ لو كان كلامها صلوات الله وسلامه عليها غير مطابق للواقع لوجدت العشرات من أتباع ابن زياد لا يتوانون في الوقوف بوجه مقالتها وتكذيبها علانية، لمحاولة سلب شرعية أقوالها وليحولوا بينها وبين تأثيرها على الناس.
الملاحظة الرابعة:
في قولها صلوات الله وسلامه عليها: (ويلكم أتدرون أي كبد لمحمد فريتم، وأي دم له سفكتم، وأي كريمة له أصبتم «لقد جئتم شيئا إدا، تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً» ولقد أتيتم بها خرقاء شوهاء...أفعجبتم أن قطرت السماء دما ولعذاب الآخرة أخزى) ثلاثة مدلولات مهمة:
ألف: أرادت الحوراء زينب صلوات الله وسلامه عليها بكلماتها هذه تبيان سبب وقوع هذه الحادثة الكونية الغريبة، فسفك هذه الأمة لدم الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه هو الذي سبب هذا التغير الكوني الرهيب.
باء: أرادت صلوات الله وسلامه عليها أن تظهر منزلة دم الإمام الحسين عليه السلام وعظمته من بتأكيدها على أن الدم الذي جرى في يوم عاشوراء، والكبد الذي اصطلى من العطش ومن السهام وطعنات السيوف والرماح هو دم رسول الله وكبده قبل أن يكون دم الحسين صلوات الله وسلامه عليه وكبده، لان الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه كما هو ثابت في أحاديث جميع فرق المسلمين بضعة من رسول الله وجزء لا يتجزأ منه وكيف لا يكون كذلك وهو صلى الله عليه وآله القائل (حسين مني وأنا من حسين). (راجع كامل الزيارات لجعفر بن محمد بن قولويه ص116، ومسند أحمد بن حنبل ج4 ص172).
جيم: إن بكاء السماء دماً يحمل في طياته معنيين فهو غضب إلهي على كل من اشترك وساهم وأعان ورضي بإراقة دم الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه وفري كبده الشريف، وهو حزن للسماء وسكانها ومن فيها على ما ارتكب في حق ولي الله الأعظم من الجرائم والجرائر التي يندى لها جبين الأحرار.
ثانيا: التأثير الكوني لمصيبة الحسين صلوات الله وسلامه عليه في كتب الإمامية
منها ما عن الشيخ الطوسي في أماليه قال: (حدثني بذلك محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن محمد بن علي الكوفي، عن نصر بن مزاحم، عن لوط بن يحيى، عن الحارث بن كعب، عن فاطمة بنت علي صلوات الله عليهما: ثم إن يزيد لعنه الله أمر بنساء الحسين عليه السلام فحبسن مع علي بن الحسين عليهما السلام في محبس لا يكنهم من حر ولا قر حتى تقشرت وجوههم، ولم يرفع ببيت المقدس حجر عن وجه الأرض إلا وجد تحته دم عبيط، وأبصر الناس الشمس على الحيطان حمراء كأنها الملاحف المعصفرة، إلى أن خرج علي بن الحسين عليهما السلام بالنسوة، ورد رأس الحسين عليه السلام إلى كربلاء). (راجع الأمالي للشيخ الصدوق ص 231 ــ 232).
وعن أبي بصير، عن أبي جعفر صلوات الله وسلامه عليه قال: (بكت الإنس والجن والطير والوحش على الحسين ابن علي عليهما السلام حتى ذرفت دموعها). (راجع كامل الزيارات لجعفر بن محمد بن قولويه ص 165 الباب 26 بكاء جميع ما خلق الله على الحسين بن علي عليهما السلام الحديث رقم 1).
وعن يونس وأبي سلمة السراج والمفضل بن عمر قالوا: ( سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول: لما مضى الحسين بن علي عليهما السلام بكى عليه جميع ما خلق الله إلا ثلاثة أشياء: البصرة ودمشق وآل عثمان). (راجع المصدر السابق ص166 الحديث رقم 6).
منها ما روي عن الإمام السجاد صلوات الله وسلامه عليه حين رجوعه إلى المدينة بعد رحلة السبي حينما اجتمع له الناس فخطبهم صلوات الله وسلامه عليه بقوله: (فلقد بكت السبع الشداد لقتله، وبكت البحار بأمواجها، والسماوات بأركانها، والأرض بأرجائها، والأشجار بأغصانها، والحيتان ولجج البحار والملائكة المقربون وأهل السماوات أجمعون...). (راجع مثير الأحزان لابن نما الحلي ص91 المقصد الثالث من الأمور اللاحقة لقتله وشرح سبي ذريته وأهله).
وعن الإمام الصادق صلوات الله وسلامه عليه قال: (إن أبا عبد الله عليه السلام لما مضى بكت عليه السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن ومن يتقلب في الجنة والنار من خلق ربنا وما يرى وما لا يرى). (كامل الزيارات لجعفر بن محمد بن قولويه ص166 الباب 26 بكاء جميع من خلق الله على الحسين بن علي عليهما السلام).
ثالثا: التأثير الكوني لمصيبة الحسين صلوات الله وسلامه عليه في كتب أهل السنة
قال عبد الكريم الرافعي: (اشتهر أن قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما كان يوم عاشوراء وروى البيهقي عن أبي قبيل أنه لما قتل الحسين رضي الله عنه كسفت الشمس كسفة بدت الكواكب نصف النهار حتى ظننا أنها هي ــ أي ظننا أنها القيامة ــ). (راجع فتح العزيز لعبد الكريم الرافعي ج 5 ص 83 ــ 84).
وقال محيي الدين النووي في روضة الطالبين: (فقد صح أن الشمس كسفت يوم مات إبراهيم ابن رسول الله.، وروى الزبير بن بكار في الأنساب: أنه توفي في العاشر من شهر ربيع الأول. وروى البيهقي مثله عن الواقدي. وكذا اشتهر أن قتل الحسين رضي الله عنه كان يوم عاشوراء. وروى البيهقي عن أبي قبيل أنه لما قتل الحسين، كسفت الشمس). (روضة الطالبين لمحيى الدين النووي ج 1 ص 598).
وقال محمد بن احمد الشربيني: (وقد صح أن الشمس كسفت يوم مات سيدنا إبراهيم ابن النبي.، وفي أنساب الزبير بن بكار أنه مات عاشر ربيع الأول، وروي البيهقي مثله عن الواقدي. وكذا اشتهر أنها كسفت يوم قتل الحسين، وأنه قتل يوم عاشوراء). (مغني المحتاج لمحمد بن أحمد الشربيني ج 1 ص 320).
وقال الدسوقي: (أن الرافعي نقل أن الشمس كسفت يوم مات الحسين وكان يوم عاشوراء، وورد أنها كسفت يوم مات إبراهيم ولد النبي صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم وكان موته في العاشر من الشهر عند الأكثر). (حاشية الدسوقي للدسوقي ج 1 ص 404 ــ 405).
وقال البيهقي: (وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان أنبأ عبد الله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان حدثني أبو الأسود النضر بن عبد الجبار أنبأ ابن لهيعة عن أبي قبيل قال لما قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما كسفت الشمس كسفة بدت الكواكب نصف النهار حتى ظننا أنها هي). (السنن الكبرى للبيهقي ج 3 ص 337).
وعن الهيثمي في مجمع الزوائد قال: (وعن أبي قبيل قال لما قتل الحسين بن علي انكسفت الشمس كسفة حتى بدت الكواكب نصف النهار حتى ظننا انها هي. رواه الطبراني وإسناده حسن). (مجمع الزوائد للهيثمي ج 9 ص 197).
قال السيوطي في «تاريخ الخلفاء»: «ولما قتل الحسين مكثت الدنيا سبعة أيام والشمس على الحيطان كالملاحف المعصفرة، والكواكب يضرب بعضها بعضاً، وكان قتله يوم عاشوراء، وكسفت الشمس ذلك اليوم واحمرّت آفاق السماء ستة أشهر بعد قتله، ثم لا زالت الحمرة ترى فيها بعد ذلك ولم تكن ترى فيها قبله. وقيل: إنه لم يقلب حجر بيت المقدس يومئذ إلاّ وجد تحته دم عبيط، وصار الورس الذي في عسكرهم رماداً، ونحروا ناقة في عسكرهم فكانوا يرون في لحمها مثل النيران، وطبخوها فصارت مثل العلقم، وتكلّم رجل في الحسين بكلمة، فرماه الله بكوكبين من السماء فطمس بصره). (راجع تاريخ الخلفاء للسيوطي ص160، ترجمة يزيد بن معاوية، دار الكتاب العربي).
وقد علق الهيثمي على الحديث السابق بقوله: (رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح). (راجع مجمع الزوائد للهيثمي ج9 ص196 باب مناقب الحسين بن علي عليهما السلام).
وأخرج الطبراني بسنده إلى ابن شهاب الزهري قال: (ما رفع بالشام حجر يوم قتل الحسين بن علي إلا عن دم، رضي الله عنه). (راجع المعجم الكبير للطبراني ج3 ص113 ذكر مولده وصفته).
قال الهيثمي: (رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح). (راجع مجمع الزوائد للهيثمي ج9 ص196 باب مناقب الحسين بن علي عليهما السلام).
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: (وعن الزهري قال: قال لي عبد الملك أي واحد أنت إن أعلمتني أي علامة كانت يوم قتل الحسين فقال قلت: لم ترفع حصاة ببيت المقدس إلا وجد تحتها دم عبيط فقال لي عبد الملك إني وإياك في هذا الحديث لقرينان. رواه الطبراني ورجاله ثقات). (مجمع الزوائد للهيثمي ج 9 ص 196).
وعن ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق عن علي بن محمد عن علي بن مدرك عن جده الأسود بن قيس قال: ( احمرت آفاق السماء بعد قتل الحسين ستة أشهر يرى ذلك في آفاق السماء كأنها الدم قال فحدثت بذلك شريكا فقال لي سألت من الأسود قلت هو جدي أبو أمي قال أما والله إن كان لصدوق الحديث عظيم الأمانة مكرما للضيف). (راجع تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ج 14 ص 227).
وقال الزرندي الحنفي: (ونقل الإمام أبو الفرج ابن الجوزي في كتاب التبصرة عن ابن سيرين قال: لما قتل الحسين أظلمت الدنيا ثلاثة أيام ثم ظهرت هذه الحمرة في السماء. وقال أبو سعيد ما رفع حجر في الدنيا لما قتل الحسين إلا وتحته دم عبيط، ولقد مطرت السماء دماً بقي أثره في الثياب مدة حتى تقطعت. وقال سليم القاضي لما قتل الحسين مطرنا دما. وقال السدي: لما قتل الحسين بكت السماء وبكاؤها حمرتها. قال الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي: كان الغضبان يحمر وجهه عند الغضب فيستدل على غضبه وهو إمارة الشخص، الحق سبحانه وتعالى ليس بجسم فأظهر تأثير عظمته على من قتل الحسين بحمرة الأفق وذلك دليل على عظيم الجناية. وقال أيضا: لما أسر العباس يوم بدر سمع النبي أنينه فما نام تلك الليلة، وكيف لو سمع أنين الحسين. وقال: لما أسلم وحشي قاتل حمزة قال له النبي: غيب وجهك عني فاني لا أحب من قتل الأحبة، قال: وهذا والإسلام يجب ما قبله فكيف يقدر الرسول أن يرى من ذبح الحسين، أو أمر بقتله وحمل أهله على أقتاب الجمال). (راجع نظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص 221 ــ 223).
وقد تركنا ذكر واستقصاء كل ما ذكر للاختصار ومن يشاء فليرجع إلى الكتب التي ذكرت هذه الوقائع العظام والحوادث الجسام وهي بحمد الله كثيرة وجميعها شاهد ناطق بصحة ما جاء في زيارة عاشوراء.
رابعاً: ماذا يقول ابن كثير وابن تيمية بخصوص ما ذكرناه آنفاً
لقد أعمت العصبية بصيرة ابن كثير الدمشقي الأموي، وابن تيمية الحراني فكذبا جميع ما تم تصحيحه من قبل علماء العامة قبل الخاصة، ولكنهم ولله الحمد لم يقدموا دليلا واحدا على رفضهم واستنكارهم لبكاء السماء دما وغيرها من الحوادث الأليمة المفجعة واكتفوا بكلمات التشنيع والقدح والذم للشيعة ولمن يقول بقولهم، وهو دليل على ضعف حجتهم ومستوى أخلاقهم ومكانتهم العلمية والفكرية، لان العالم يواجه الحجة بالحجة والجاهل المتعصب يرد الحجة بالنباح والصياح والسب والشتم، وهذا هو ما صدر من ابن كثير وابن تيمية، ومن أراد التأكد من ذلك فلينظر إلى قول ابن كثير حيث يقول: (... إن يحيى بن زكريا عليه الصلاة والسلام لما قتل احمرت السماء وقطرت دما وإن الحسين بن علي رضي الله عنهما لما قتل احمرت السماء. وحدثنا علي بن الحسين حدثنا أبو غسان محمد بن عمر وزنيج حدثنا جرير عن يزيد بن أبي زياد قال لما قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما احمرت آفاق السماء أربعة أشهر قال يزيد واحمرارها بكاؤها وهكذا قال السدي في الكبير وقال عطاء الخراساني بكاؤها أن تحمر أطرافها وذكروا أيضا في مقتل الحسين رضي الله عنه أنه ما قلب حجر يومئذ إلا وجد تحته دم عبيط وأنه كسفت الشمس واحمر الأفق وسقطت حجارة، وفي كل من ذلك نظر والظاهر أنه من سخف الشيعة وكذبهم ليعظموا الأمر ولا شك أنه عظيم ولكن لم يقع هذا الذي اختلقوه وكذبوه). (راجع تفسير ابن كثير ج 4 ص 153 ــ 154).
وقال في موضع آخر: (وقد ذكروا في مقتله أشياء كثيرة أنها وقعت من كسوف الشمس يومئذ، وهو ضعيف، وتغيير آفاق السماء، ولم ينقلب حجر إلا وجد تحته دم، ومنهم من خصص ذلك بحجارة بيت المقدس، وأن الورس استحال رمادا، وأن اللحم صار مثل العلقم وكان فيه النار، إلى غير ذلك مما في بعضها نكارة، وفي بعضها احتمال). (البداية والنهاية لابن كثير ج 6 ص 258 ــ 259).
وقال في موضع ثالث: (وقد ذكر الطبراني ههنا آثارا غريبة جدا، ولقد بالغ الشيعة في يوم عاشوراء، فوضعوا أحاديث كثيرة كذبا فاحشا، من كون الشمس كسفت يومئذ حتى بدت النجوم وما رفع يومئذ حجر إلا وجد تحته دم، وأن أرجاء السماء احمرت، وأن الشمس كانت تطلع وشعاعها كأنه الدم، وصارت السماء كأنها علقة، وأن الكواكب ضرب بعضها بعضا، وأمطرت السماء دما أحمر، وأن الحمرة لم تكن في السماء قبل يومئذ، ونحو ذلك. وروى ابن لهيعة: عن أبي قبيل المعافري: أن الشمس كسفت يومئذ حتى بدت النجوم وقت الظهر، وأن رأس الحسين لما دخلوا به قصر الإمارة جعلت الحيطان تسيل دما، وأن الأرض أظلمت ثلاثة أيام، ولم يمس زعفران ولا ورس بما كان معه يومئذ إلا احترق من مسه، ولم يرفع حجر من حجارة بيت المقدس إلا ظهر تحته دم عبيط، وأن الإبل التي غنموها من إبل الحسين حين طبخوها صار لحمها مثل العلقم. إلى غير ذلك من الأكاذيب والأحاديث الموضوعة التي لا يصح منها شيء). (البداية والنهاية لابن كثير ج 8 ص 219).
وقال ابن تيمية: (إن كثيرا مما روي في ذلك كذب، مثل كون السماء أمطرت دما، ومثل كون الحمرة ظهرت في السماء يوم قتل الحسين، وكذلك قول القائل: ما رفع حجر في الدنيا إلا وجد تحته دم عبيط هو أيضا كذب بين). (منهاج السنة النبوية ج4 ص560).
أقول: بل الكذب البين هو تكذيب ابن كثير وابن تيمية لتلك النصوص الصحيحة، وما مر من تصحيح علماء السنة لتلك النصوص المثبتة لوقوع البكاء من السماء على مصيبة سيد الشهداء وغيرها من الانفعالات الكونية حجة عليهما، ومن عرف منهج وأسلوب وحقد كل من ابن كثير وابن تيمية لا يستغرب عليهما إنكارهما لمثل هذه الحقائق الواضحة الناصعة، فالحديث الكذب بالنسبة لهما كل ما تقول به الشيعة الإمامية أو يؤيد أفكارهم ومتبنياتهم، حتى لو كان ذلك الحديث بحسب الموازين الرجالية صحيحا ورجاله ثقات، وأما الحديث الصحيح برأيهما فهو كل حديث يقدح بالشيعة ويؤدي إلى مس كرامتهم وعقائدهم حتى وإن كان هذا الحديث ساقطاً بلحاظ المعيار السندي والرجالي.
والحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمد وأهل بيته الطاهرين، واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
2 التعليقات
ان السماء بكت على الحسين ع لانه كان مظلوم وليس له ناصر ولامعين.... ومن يكذب مصيبة الحسين ع فهوه كلشمراللعين
تعليقبارك الله بك وجعله الله في ميزان حسناتك
تعليقإرسال تعليق