بقلم: الشيخ محمد السند
هناك تحليلات عديدة فقهيّة واجتماعيّة تبيّن الغاية والهدف من نهضة الحسين عليه السلام، لعلّ أهمّها:
التحليل الأول: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وهذا ما يستفاد من عبارة الحسين عليه السلام الواردة في وصيّته قبل خروجه من المدينة: «إني لم أخرج أَشِراً ولا بَطراً ولا مُفسداً ولا ظالماً، وإنّما خَرَجْتُ لطَلب الإصلاح في أمّة جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المُنكَر وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب عليه السلام». «راجع بحار الأنوار 44: 329؛ العوالم، الإمام الحسين عليه السلام: 179» .
من أهمّ التوجيهات والتحليلات لنهضته عليه السلام هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وليس معنى المعروف يقتصر على المعروف الفرديّ، ولا المنكر يقتصر على المنكر في الممارسة الفرديّة، بل هناك المعروف الاجتماعي والمعروف الفكريّ والعقائديّ، وهناك المعروف الاقتصاديّ والمعروف السياسيّ والمعروف الحقوقيّ وغيرها والمنكر كذلك: منه السياسيّ والعقائديّ والفكريّ والاجتماعيّ والماليّ.
وكلّ ما هو مبغوض شرعاً، فإنّه يتناول كلّ المحرمات في الأبواب كلّها.
والمعروف يتناول كلّ الأوامر الشرعيّة وجوباً وندباً ورجحاناً في جميع الأبواب.
كما أنّ المراد من الأمر بالمعروف ليس خصوص الإنشاء اللفظيّ، بل المراد منه الأمر حتّى باليد وباللسان وكذلك بالقلب، وهو أضعف الإيمان.
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باب عظيم وواسع وذو أهميّة بالغة؛ وهو من أعظم الواجبات الدينيّة، قال الله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} « آل عمران: 104».
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«كيف بكم إذا فسدت نساؤكم، وفَسق شبابُكم، ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوْا عن المنكر؛ فقيل له: ويكون ذلك يا رسول الله؟. قال صلى الله عليه وآله وسلم: نعم. فقال: كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؛ فقيل له: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويكون ذلك؛ فقال: نعم وشر من ذلك، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً» « بحار الأنوار 52: 181؛ 74- 153».
وقال عليه السلام: «لتأمرنَّ بالمعروف ولتنهُنَّ عن المنكر أو ليسلطنّ الله شرارَكم على خياركم، ثمّ يدعو خيارُكم فلا يُستجاب لهم» « بحار الأنوار 93: 387/ ح 21».
(وقد ورد عن الأئمّة الطاهرين عليهم السلام، أنّ بالأمر بالمعروف تُقام الفرائض وتأمن المذاهب، وتحِلّ المكاسب، وتُمنع المظالم، وتُعمّر الأرض، ويُنتَصف للمظلوم من الظالم، ولا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر، فإذا لم يفعلوا ذلك نُزعت منهم البركات وسُلّط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء) « من كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئيّ قدس سره 1: 350».
التحليل الثاني: الاعتراض على الخلافة الغاصبة، وبيان أحقّيّته في الأمر.
وهو يفسّر لنا أيضاً معنى الشعائر الحسينيّة، ومعنى تخليد ذكراه وهو ما جاء في كلامه عليه السلام حينما دعاه الوليد بن عتبة وهو في المدينة لبيعة يزيد، فقال عليه السلام: «إنّا أهلُ بيت النبوة ومَعدِن الرسالة ومُختلَف الملائكة ومحلّ الرحمة، وبنا فَتَح الله وبنا خَتَم، ويَزيد رجلٌ فاسقٌ شاربُ الخمر قاتلُ النفس المُحرّمة مُعلِنُ بالفِسق؛ ومِثلي لا يبايع مثله، ولكن نُصبح وتُصبحون، وننظر وتنظرون أيّنا أحقُ بالبيعة والخلافة». «راجع بحار الأنوار 44: 325؛ اللهوف في قتلى الطفوف: 17».
وكذلك قوله عليه السلام لمروان بن الحكم حينما أشار عليه ببيعة يزيد، فقال عليه السلام: «إنّا لله وإنّا إلَيْهِ رَاجِعُون، وعلى الإسلامِ السّلامُ إذ قد بُليت الأمة براعٍ مثل يزيد، ولقد سمعتُ جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: الخلافة مُحرَّمة على آل أبي سفيان». «راجع بحار الأنوار: 44: 326؛ مثير الأحزان: 15» .
ويظهر من ذلك شدّة التصلّب والإباء، وهو عليه السلام سيد الإباء فما هو السرّ في شدّة إبائه لبيعة يزيد طبعاً هذه البيعة مُنكَر من المنكرات، لكن خصوص هذا المنكر يشدّد الإسلام النهي عنه من دون المُنكرات الأُخر.
وهذا الوجه يركّز على مصادمة ظاهرة الحكم الغاصب، وهو دليل على بطلانها.
وعلى مذهب الحقّ نقول بعدم مشروعيّة مَن تقدّم على أمير المؤمنين عليه السلام، وقد تذرّع المنافقون الأوائل ببعض المتشابهات الدينيّة المعلومة البُطلان، مثل: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} « الشورى: 38»، و>وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ< « آل عمران: 159».
واستمراراً للغصب وعدم المشروعيّة ينتقل بعد ذلك الحكم إلى وراثة عائليّة وملكيّة لا تَمُتّ للدين بصلة، وتعود أمور المسلمين إلى الرسم الجاهليّ والقبائليّ وفي هذا مصادمة واضحة، ولا سيّما والإسلام حديث عهد والناس حديثو عهد بالدين، ولم يتّضح لبعضهم الانحراف الكبير بين مسار بني أميّة والدين، فقد كان حكّام بني أميّة يتستّرون برداء الدين فمن ثمّ كان في هذا المنكر خصوصيّة متميّزة لا نجدها في أيّ نوع آخر من المنكر، وإنّما هو نوع منكرٍ ينطوي على طمس ومحو وزوال لأصل الدين الحنيف.
فكان الحسين عليه السلام أشدّ تصلّباً في ذلك منذ هجرته من المدينة في رجب، وبقائه إلى الثامن من ذي الحجّة في مكّة، قرابة أربعة أشهر، تحت وطأة إرهاب الظالمين، ولم يُعلِّل عليه السلام خروجه بعلّة غير هذه العلّة، وهي المعارضة العلنيّة والصارمة للسلطة الغاصبة وللخلافة الزائفة، وبيان أحقّيّته لهذا الأمر من القرآن ومن أقوال الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم.
التحليل الثالث: مبايعة أهل الكوفة له، وإرسالهم إليه الكُتب للقدوم إليهم واستنصارهم له عليه السلام
من المقرّر في مذهب الإماميّة أنّ المعصوم عليه السلام إذا وَجد مَن ينهض به بمقدار العُدّة الكافية والعدد وجب عليه النهوض كما في قول الأمير عليه السلام في نهج البلاغة: «أَمَا والّذي خَلقَ الحَبّة وبَرأ النَسَمة لولا حضورُ الحاضر، وقيام الحُجة بوجود الناصر، وما أَخَذ الله على العلماء أن لا يُقارّوا على كِظّة ظالِم ولا سَغَب مظلوم، لألقيتُ حَبلَها على غاربها، وسقيتُ آخرَها بكأس أوّلها ولألفيتم دُنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز» « شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 202- الخطبة الشقشقيّة».
فهذا الوجه الآخر ــ وهو الوجه الثالث ــ إنّما وقع له عليه السلام بعد معرفة أهل الكوفة والعراق بامتناعه وإبائه عن بيعة يزيد فمن ثمَّ وجدوا فيه الأمَل للتخلّص من يزيد وظلمه ولإقامة العدل مضافاً إلى عقيدة أهل الكوفة في أهل البيت عليهم السلام.
لكنّ هذا التخريج والتحليل ليس هو العلّة المنحصرة حيث تصور البعض أنّ هذا هو السبب الوحيد لأنّ هذا السبب ارتفع وانتفى في كربلاء بعد مواجهة أهل الكوفة للحسين عليه السلام.
التحليل الرابع: وهو الدفاع عن نفسه الشريفة وعن حريم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يستفاد من قوله عليه السلام في يوم عاشوراء: «ألا إنّ الدَعِيَّ بنَ الدعيّ قد رَكَز بينَ اثنَتيْن: بين السِلّة والذِّلة، وهيهات منّا الذلة، يأبى الله ذلك ورسولُه والمؤمنون وجدودٌ طابَت وحجور طَهُرَت، وأنوفٌ حميّة، ونُفوسٌ أبيّة لا تؤثِر طاعة اللّئام على مصارع الكرام» « ينظر لواعج الأشجان ج1 ص129».
وهذا من باب الدفاع ومشروعيّة الدفاع ثابتة عقلاً وشرعاً.
التحليل الخامس: إقامة الإمامة العظمى على وفق المنهج الإلهي الحق
إنّ نهضته عليه السلام كان منبعها وأساسها هو إقامة الإمامة الإلهية وبعبارة أخرى: أنّ نهضته عليه السلام تمثّل وتجسّد الإمامة والولاية وهذا الوجه له ربط بنحو ما مع التحليل الثاني، وهو إباؤه عليه السلام لبيعة يزيد، لأنّ إنكاره لبيعة يزيد وخلافته هو بدوره ومؤدّاه نوع من التبليغ ونشر لمفهوم الإمامة والدعوة إلى إمامتهم عليهم السلام وقد قال عليه السلام: «إنّما خَرَجْتُ لِطَلبِ الإصلاح في أُمّةِ جَدّي صلى الله عليه وآله وسلم لآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدّي وأبي» « بحار الأنوار 44: 329: 2».
فكأنّما هو عليه السلام أبطل شرعية الثلاثة الذين غصبوا الخلافة الأوّل والثاني والثالث وهذه عبارة أخرى عن إحياء حقّهم عليهم السلام في الإمامة والولاية.
فمجموع نهضته عليه السلام تتداخل وتجتمع فيها وجوه وتحليلات عديدة فقهيّة واجتماعيّة وأهمّها هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بكلّ أبوابه.
المعروف يشمل كلّ الأبواب ومنها إحياء هذه الفريضة التي ترقى إلى أن تشمل التوحيد لله نفسه وأساسيّات العقائد الأُخَر، إذ هي أوضح مصاديق المعروف، فيجب الأمر بها، شأنها شأن التوحيد والنبوّة والإمامة والمعاد.
والمُنكَر يتناول الشرك وما دونه؛ ففي الواقع في هذه الوجوه جهات مختلفة، هي أيضاً مترابطة ومتداخلة ومنطبقة على بعضها البعض فقهيّاً وكلاميّاً.
فدعوته عليه السلام إلى إمامته وإلى العهد الإلهيّ في حقّهم عليهم السلام هو عين الأمر بالمعروف مضافاً إلى أنّ النهي عن الخلافة الباطلة التي انتحلها غيرهم من أهم مصاديق النهي عن المنكر، أو النهي عن طمس كثير من أركان الدين فروعه فمن ثمّ كانت نهضته عليه السلام بشكل بارز مَعلَماً لإمامتهم وولايتهم الإلهيّة الحقّة وتطبيقاً جليّاً لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الشاملة للأمور الاعتقاديّة بكلّ أبعادها وأشكالها.
إقامتنا للشعائر الحسينية إقامة لأهداف النهضة الحسينية وغاياتها
إنّ تحليل الشعائر الحسينيّة يرجع إلى العلامة على الأغراض والغايات والأهداف التي نهض الحسين عليه السلام لأجلها فهي ذكرى تخليد وإعادة إحياء لتلك الغايات والمبادئ التي نهض عليه الصلاة والسّلام لأجلها.
فالأمر البارز في نهضته هو أنّها دعوة إلى الصراط الحقّ وإلى التمسّك بولايتهم عليهم السلام، وإلى إحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي هي فريضة كبرى وأحد أبرز مصاديقها: الأمور الإعتقادية وهي التوحيد والإمامة، وبها تُقام الفرائض كما تعبّر الرواية وأوّل الفرائض التوحيد.
هناك تحليلات عديدة فقهيّة واجتماعيّة تبيّن الغاية والهدف من نهضة الحسين عليه السلام، لعلّ أهمّها:
التحليل الأول: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وهذا ما يستفاد من عبارة الحسين عليه السلام الواردة في وصيّته قبل خروجه من المدينة: «إني لم أخرج أَشِراً ولا بَطراً ولا مُفسداً ولا ظالماً، وإنّما خَرَجْتُ لطَلب الإصلاح في أمّة جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المُنكَر وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب عليه السلام». «راجع بحار الأنوار 44: 329؛ العوالم، الإمام الحسين عليه السلام: 179» .
من أهمّ التوجيهات والتحليلات لنهضته عليه السلام هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وليس معنى المعروف يقتصر على المعروف الفرديّ، ولا المنكر يقتصر على المنكر في الممارسة الفرديّة، بل هناك المعروف الاجتماعي والمعروف الفكريّ والعقائديّ، وهناك المعروف الاقتصاديّ والمعروف السياسيّ والمعروف الحقوقيّ وغيرها والمنكر كذلك: منه السياسيّ والعقائديّ والفكريّ والاجتماعيّ والماليّ.
وكلّ ما هو مبغوض شرعاً، فإنّه يتناول كلّ المحرمات في الأبواب كلّها.
والمعروف يتناول كلّ الأوامر الشرعيّة وجوباً وندباً ورجحاناً في جميع الأبواب.
كما أنّ المراد من الأمر بالمعروف ليس خصوص الإنشاء اللفظيّ، بل المراد منه الأمر حتّى باليد وباللسان وكذلك بالقلب، وهو أضعف الإيمان.
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باب عظيم وواسع وذو أهميّة بالغة؛ وهو من أعظم الواجبات الدينيّة، قال الله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} « آل عمران: 104».
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«كيف بكم إذا فسدت نساؤكم، وفَسق شبابُكم، ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوْا عن المنكر؛ فقيل له: ويكون ذلك يا رسول الله؟. قال صلى الله عليه وآله وسلم: نعم. فقال: كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؛ فقيل له: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويكون ذلك؛ فقال: نعم وشر من ذلك، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً» « بحار الأنوار 52: 181؛ 74- 153».
وقال عليه السلام: «لتأمرنَّ بالمعروف ولتنهُنَّ عن المنكر أو ليسلطنّ الله شرارَكم على خياركم، ثمّ يدعو خيارُكم فلا يُستجاب لهم» « بحار الأنوار 93: 387/ ح 21».
(وقد ورد عن الأئمّة الطاهرين عليهم السلام، أنّ بالأمر بالمعروف تُقام الفرائض وتأمن المذاهب، وتحِلّ المكاسب، وتُمنع المظالم، وتُعمّر الأرض، ويُنتَصف للمظلوم من الظالم، ولا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر، فإذا لم يفعلوا ذلك نُزعت منهم البركات وسُلّط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء) « من كتاب منهاج الصالحين للسيّد الخوئيّ قدس سره 1: 350».
التحليل الثاني: الاعتراض على الخلافة الغاصبة، وبيان أحقّيّته في الأمر.
وهو يفسّر لنا أيضاً معنى الشعائر الحسينيّة، ومعنى تخليد ذكراه وهو ما جاء في كلامه عليه السلام حينما دعاه الوليد بن عتبة وهو في المدينة لبيعة يزيد، فقال عليه السلام: «إنّا أهلُ بيت النبوة ومَعدِن الرسالة ومُختلَف الملائكة ومحلّ الرحمة، وبنا فَتَح الله وبنا خَتَم، ويَزيد رجلٌ فاسقٌ شاربُ الخمر قاتلُ النفس المُحرّمة مُعلِنُ بالفِسق؛ ومِثلي لا يبايع مثله، ولكن نُصبح وتُصبحون، وننظر وتنظرون أيّنا أحقُ بالبيعة والخلافة». «راجع بحار الأنوار 44: 325؛ اللهوف في قتلى الطفوف: 17».
وكذلك قوله عليه السلام لمروان بن الحكم حينما أشار عليه ببيعة يزيد، فقال عليه السلام: «إنّا لله وإنّا إلَيْهِ رَاجِعُون، وعلى الإسلامِ السّلامُ إذ قد بُليت الأمة براعٍ مثل يزيد، ولقد سمعتُ جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: الخلافة مُحرَّمة على آل أبي سفيان». «راجع بحار الأنوار: 44: 326؛ مثير الأحزان: 15» .
ويظهر من ذلك شدّة التصلّب والإباء، وهو عليه السلام سيد الإباء فما هو السرّ في شدّة إبائه لبيعة يزيد طبعاً هذه البيعة مُنكَر من المنكرات، لكن خصوص هذا المنكر يشدّد الإسلام النهي عنه من دون المُنكرات الأُخر.
وهذا الوجه يركّز على مصادمة ظاهرة الحكم الغاصب، وهو دليل على بطلانها.
وعلى مذهب الحقّ نقول بعدم مشروعيّة مَن تقدّم على أمير المؤمنين عليه السلام، وقد تذرّع المنافقون الأوائل ببعض المتشابهات الدينيّة المعلومة البُطلان، مثل: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} « الشورى: 38»، و>وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ< « آل عمران: 159».
واستمراراً للغصب وعدم المشروعيّة ينتقل بعد ذلك الحكم إلى وراثة عائليّة وملكيّة لا تَمُتّ للدين بصلة، وتعود أمور المسلمين إلى الرسم الجاهليّ والقبائليّ وفي هذا مصادمة واضحة، ولا سيّما والإسلام حديث عهد والناس حديثو عهد بالدين، ولم يتّضح لبعضهم الانحراف الكبير بين مسار بني أميّة والدين، فقد كان حكّام بني أميّة يتستّرون برداء الدين فمن ثمّ كان في هذا المنكر خصوصيّة متميّزة لا نجدها في أيّ نوع آخر من المنكر، وإنّما هو نوع منكرٍ ينطوي على طمس ومحو وزوال لأصل الدين الحنيف.
فكان الحسين عليه السلام أشدّ تصلّباً في ذلك منذ هجرته من المدينة في رجب، وبقائه إلى الثامن من ذي الحجّة في مكّة، قرابة أربعة أشهر، تحت وطأة إرهاب الظالمين، ولم يُعلِّل عليه السلام خروجه بعلّة غير هذه العلّة، وهي المعارضة العلنيّة والصارمة للسلطة الغاصبة وللخلافة الزائفة، وبيان أحقّيّته لهذا الأمر من القرآن ومن أقوال الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم.
التحليل الثالث: مبايعة أهل الكوفة له، وإرسالهم إليه الكُتب للقدوم إليهم واستنصارهم له عليه السلام
من المقرّر في مذهب الإماميّة أنّ المعصوم عليه السلام إذا وَجد مَن ينهض به بمقدار العُدّة الكافية والعدد وجب عليه النهوض كما في قول الأمير عليه السلام في نهج البلاغة: «أَمَا والّذي خَلقَ الحَبّة وبَرأ النَسَمة لولا حضورُ الحاضر، وقيام الحُجة بوجود الناصر، وما أَخَذ الله على العلماء أن لا يُقارّوا على كِظّة ظالِم ولا سَغَب مظلوم، لألقيتُ حَبلَها على غاربها، وسقيتُ آخرَها بكأس أوّلها ولألفيتم دُنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز» « شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 202- الخطبة الشقشقيّة».
فهذا الوجه الآخر ــ وهو الوجه الثالث ــ إنّما وقع له عليه السلام بعد معرفة أهل الكوفة والعراق بامتناعه وإبائه عن بيعة يزيد فمن ثمَّ وجدوا فيه الأمَل للتخلّص من يزيد وظلمه ولإقامة العدل مضافاً إلى عقيدة أهل الكوفة في أهل البيت عليهم السلام.
لكنّ هذا التخريج والتحليل ليس هو العلّة المنحصرة حيث تصور البعض أنّ هذا هو السبب الوحيد لأنّ هذا السبب ارتفع وانتفى في كربلاء بعد مواجهة أهل الكوفة للحسين عليه السلام.
التحليل الرابع: وهو الدفاع عن نفسه الشريفة وعن حريم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يستفاد من قوله عليه السلام في يوم عاشوراء: «ألا إنّ الدَعِيَّ بنَ الدعيّ قد رَكَز بينَ اثنَتيْن: بين السِلّة والذِّلة، وهيهات منّا الذلة، يأبى الله ذلك ورسولُه والمؤمنون وجدودٌ طابَت وحجور طَهُرَت، وأنوفٌ حميّة، ونُفوسٌ أبيّة لا تؤثِر طاعة اللّئام على مصارع الكرام» « ينظر لواعج الأشجان ج1 ص129».
وهذا من باب الدفاع ومشروعيّة الدفاع ثابتة عقلاً وشرعاً.
التحليل الخامس: إقامة الإمامة العظمى على وفق المنهج الإلهي الحق
إنّ نهضته عليه السلام كان منبعها وأساسها هو إقامة الإمامة الإلهية وبعبارة أخرى: أنّ نهضته عليه السلام تمثّل وتجسّد الإمامة والولاية وهذا الوجه له ربط بنحو ما مع التحليل الثاني، وهو إباؤه عليه السلام لبيعة يزيد، لأنّ إنكاره لبيعة يزيد وخلافته هو بدوره ومؤدّاه نوع من التبليغ ونشر لمفهوم الإمامة والدعوة إلى إمامتهم عليهم السلام وقد قال عليه السلام: «إنّما خَرَجْتُ لِطَلبِ الإصلاح في أُمّةِ جَدّي صلى الله عليه وآله وسلم لآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدّي وأبي» « بحار الأنوار 44: 329: 2».
فكأنّما هو عليه السلام أبطل شرعية الثلاثة الذين غصبوا الخلافة الأوّل والثاني والثالث وهذه عبارة أخرى عن إحياء حقّهم عليهم السلام في الإمامة والولاية.
فمجموع نهضته عليه السلام تتداخل وتجتمع فيها وجوه وتحليلات عديدة فقهيّة واجتماعيّة وأهمّها هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بكلّ أبوابه.
المعروف يشمل كلّ الأبواب ومنها إحياء هذه الفريضة التي ترقى إلى أن تشمل التوحيد لله نفسه وأساسيّات العقائد الأُخَر، إذ هي أوضح مصاديق المعروف، فيجب الأمر بها، شأنها شأن التوحيد والنبوّة والإمامة والمعاد.
والمُنكَر يتناول الشرك وما دونه؛ ففي الواقع في هذه الوجوه جهات مختلفة، هي أيضاً مترابطة ومتداخلة ومنطبقة على بعضها البعض فقهيّاً وكلاميّاً.
فدعوته عليه السلام إلى إمامته وإلى العهد الإلهيّ في حقّهم عليهم السلام هو عين الأمر بالمعروف مضافاً إلى أنّ النهي عن الخلافة الباطلة التي انتحلها غيرهم من أهم مصاديق النهي عن المنكر، أو النهي عن طمس كثير من أركان الدين فروعه فمن ثمّ كانت نهضته عليه السلام بشكل بارز مَعلَماً لإمامتهم وولايتهم الإلهيّة الحقّة وتطبيقاً جليّاً لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الشاملة للأمور الاعتقاديّة بكلّ أبعادها وأشكالها.
إقامتنا للشعائر الحسينية إقامة لأهداف النهضة الحسينية وغاياتها
إنّ تحليل الشعائر الحسينيّة يرجع إلى العلامة على الأغراض والغايات والأهداف التي نهض الحسين عليه السلام لأجلها فهي ذكرى تخليد وإعادة إحياء لتلك الغايات والمبادئ التي نهض عليه الصلاة والسّلام لأجلها.
فالأمر البارز في نهضته هو أنّها دعوة إلى الصراط الحقّ وإلى التمسّك بولايتهم عليهم السلام، وإلى إحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي هي فريضة كبرى وأحد أبرز مصاديقها: الأمور الإعتقادية وهي التوحيد والإمامة، وبها تُقام الفرائض كما تعبّر الرواية وأوّل الفرائض التوحيد.
3 التعليقات
موضوع رائع جدا لانه يذهب بنا الى كربلاء المجد والاباء كربلاء الرساله المحمديه
تعليقبارك الله فيكم
تعليقوهذه هي اهداف الحسين عليه السلام
فكان الخلود لتلك النهضة المقدسة
جزاكم الله خيرا واحسنتم
تعليقإرسال تعليق