فاطمة الزهراء عليها السلام في معراج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم

بقلم: السيد عادل العلوي

إنّ من الحقائق الثابتة في حياة النبيّ وسيرته هو معراجه الشريف من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى المبارك، ومن ثمّ عرج إلى ربّه قاب قوسين أو أدنى، وقد وردت قصّة المعراج في سورة الإسراء كما وردت في سور النجم، ويقال: إنّ الغرض من سور النجم هو تذكير الناس بالأصول الثلاثة: وحدانية الله في ربوبيّته أي المبدأ، ثمّ المعاد، ثمّ النبوّة بينهما.

فتبدأ السورة بالنبوّة فتصدّق الوحي إلى النبيّ  صلى الله عليه وآله وسلم وتذكر بعض أوصافه المباركة في قصّة المعراج، ثمّ تتعرّض لوحدانية الله وتنفي الأوثان والشركاء، ثمّ تصف انتهاء الخلق والتدبير إليه تعالى من الإحياء والإماتة وغيرهما، وتختم الكلام بالإشارة إلى المعاد والأمر بالسجدة والعبادة، التي هي الطريق لسعادة الدارين، ومن فلسفة الحياة والخلقة.

ثمّ المقصود مما لوحظ في الآيات الأولى كما في الروايات هو وحي المشافهة الذي أوحاه الله إلى نبيّه ليلة المعراج، وأصل القصّة في سورة الإسراء، إلاّ أنّه في سورة النجم يشار إلى بعض معالمها، فيقسم ويحلف سبحانه بالنجم إذا هوى ــ بمطلق الجرم السماوي عند سقوطه للغروب أو القرآن لنزوله نجوماً، أو الثريا أو الشعرى أو الشهاب الذي يرمى به شياطين الجنّ ــ.

((مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ))[1] النبي الأكرم  صلى الله عليه وآله وسلم عن الطريق الموصل إلى الله ولا أخطأ في الغاية، فأصاب الواقع في رشده ((وَمَا غَوَى))[2].

((وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى))[3] هوى النفس ورأيها في مطلق نطقه أو ما ينطق به من القرآن الكريم.

((إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى))[4] من الله سبحانه بالمشافهة أو بواسطة جبرئيل  عليه السلام.

((عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى))[5] علّم النبيّ القرآن جبرئيل أو الله الذي هو شديد القوى.

((ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى))[6] ذو شدّة أو حصافة العقل والرأي أو نوع من المرور من جبرئيل فاستوى على صورته الأصلية واستولى بقوّته على ما جعله له من الأمر، أو ذو مرّة أي النبيّ ذو شدّة في جنب الله فاستوى واستقام واستقرّ.

((وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى))[7] بالأفق والناحية العليا من السماء، فهو جبرئيل، أو النبيّ بالأفق الأعلى حال استوائه.

((ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى))[8] أي قرب بل واقترب أكثر فأكثر، فقرب جبرئيل من النبيّ ليعرج به إلى السماوات، أو قرب النبيّ من الله سبحانه وزاد في القرب كما هو الظاهر.

((فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى))[9] قاب أي مقدار قوسين أو ذراعين كناية عن شدّة القرب، فكان البعد قدر قوسين أو ذراعين بل واقرب من ذلك.

((فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى))[10] فأوحى جبرئيل إلى عبد الله ما أوحى أو أوحى الله بواسطة جبرئيل إلى عبده محمّد  صلى الله عليه وآله وسلم ما أوحى، كما هو الظاهر.

((مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى))[11] فما كذب فؤاد النبيّ فيما رأى وأراه الله، فشهد النبيّ بفؤاده ما أراده الله وكان صدقاً وحقّاً، فالرؤية هنا لله سبحانه رؤية قلبيّة ولغيره إدراكية قلبية أو حسّية، والفؤاد القلب أو النفس أو الوجود، فما كذب أو كذّب وجود النبيّ ونفسه وفؤاده ما رأى من آيات الله الكبرى، وما قال فؤاده ــ ما رآه ببصره ــ لم أعرفك وكذّبه، ففؤاده صدّق بصره فيما رأى، فما كان يقوله النبيّ ويخبر به الناس كان بما يشاهده عياناً لا عن فكر وتعقّل، فلا مجال لمجادلة المشركين ومماراتهم إيّاه فيما يشاهده عياناً.

((أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى))[12] وهذا توبيخ للمشركين في مجادلتهم النبيّ، فإنّ المجادلة تتمّ في الآراء النظرية والاعتقادات الفكرية لا بما يشاهد بالعيان، فلا تصرّوا على مجادلته.

((وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى))[13] النزلة بمعنى النزول الواحد والمرّة، فرأى جبرئيل النبيّ في نزلةٍ أخرى أو رأى النبيّ جبرئيل في نزلة أخرى، فبعد القوس الصعودي في معراجه رأى ما رأى كما سنذكر ثمّ رجع ونزل مرّة أخرى فرأى جبرئيل بصورته الأصلية عند سدرة المنتهى، أو المعنى أنّ النبيّ رأى الله برؤية قلبية أثناء معراجه عند سدرة المنتهى كما رآه في النزلة الأولى.

((عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى))[14] السدرة شجرة معروفة وهو اسم مكان ولعلّه منتهى السماوات فإنّ جنّة المأوى عندها والجنّة في السماء، وفي الروايات أنّها شجرة فوق السماء السابعة إليها تنتهي أعمال بني آدم، عندها جنّة المأوى التي يأوي إليها المؤمنون وهي من جنان الآخرة، بعد جنّة اللقاء والأسماء التي هي جنّة الله سبحانه، إذ يغشى السدرة أي يحيط بالسدرة ما يحيط بها.

((مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى))[15] فلم يمل عن الاستقامة ولم يتجاوز الحدّ في العمل فما زاغ بصر النبيّ أنّه يرى على غير ما هو عليه، وما طغى في إدراكه ما لا حقيقة له، والمراد بالإبصار رؤيته بقلبه لا بحاسّة بصره، فما رآه النبيّ في النزلة الأولى الذي ما كذّب الفؤاد ما رأى وفي النزلة الأخرى عند سدرة المنتهى رأى من آيات الله الكبرى التي تدلّ على الله سبحانه.

((لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى))[16] فشاهد الله برؤية قلبية من خلال بعض آياته الكبرى[17].

أجل، النبيّ الأعظم محمد  صلى الله عليه وآله وسلم رأى ما رأى في ليلة معراجه ــ وما أكثر الروايات في هذا الباب بأنّه رأى الجنان والنيران وصلّى خلفه جميع الأنبياء ــ وجاز سرادقات الجمال والجلال والكبرياء فرأى وما كذّب الفؤاد ما رأى، ثمّ ثمرة هذا فؤاد النبيّ المبارك هي فاطمة الزهراء  عليها السلام، فهي سيّدة نساء العالمين  عليها السلام: وهي سرّ الوجود وعصارته، فإنّ النبيّ الأعظم محمداً  صلى الله عليه وآله وسلم شجرة الوجود كما قال: أنا وعلي من شجرةٍ واحدة، وباقي الناس من شجرٍ شتّى.

وقال  صلى الله عليه وآله وسلم: فاطمة ثمرة فؤادي وقرّة عيني ومهجة قلبي ومن خصائص الثمرة أنّها:

1 ــ عصارة الشجرة وخلاصتها.

2 ــ قيمة الشجرة بثمرتها.

3 ــ جمال الشجرة بالثمرة.

4 ــ تعرف الشجرة بثمرتها كما يقال: هذه شجرة التفّاح.

5 ــ غاية وجود الشجرة هي الثمرة.

6 ــ لذّة الشجرة بالثمرة.

7 ــ حلاوة الشجرة بثمرتها.

8 ــ مقصود الفلاّح من الأشجار أثمارها.

وخصائص كثيرة أخرى.

وإنّ فاطمة الزهراء لهي ثمرة فؤاد النبيّ  صلى الله عليه وآله وسلم، فيعلم ويعرف عظمة النبيّ بثمرته، ولولاها ــ وهي حجّة الحجج ــ لولا الحجّة، لما عرف النبيّ الأعظم  صلى الله عليه وآله وسلم، فيعرّف النبيّ للملائكة في حديث الكساء بالثمرة (هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها)، فهي غاية الرسول ومقصوده، فهي أمّ أبيها، وهي لذّته وحلاوته وعصارته وخلاصته وجماله، كما هي جمال الله ومقصوده جلّ جلاله.

وقد رأى النبيّ في معراجه في القوسين الصعودي والنزولي ما رأى من آيات الله الكبرى، بل رأى الله سبحانه بقلبه، وما كذب الفؤاد ما رأى، ورؤية العلّة يستلزم رؤية كلّ المعلول، فرؤية الله لازمها رؤية الكون والإحاطة العلمية بما فيه، فالنبيّ أحاط بكلّ الممكنات وبعالم الإمكان، وفاطمة ثمرة فؤاده رأت الله سبحانه وأحاطت بما سواه، فإنّها ثمرة فؤاد النبيّ الذي رأى الله بقلبه، ورأى الآيات الكبرى في كلّ العوالم والجبروت والملكوت والمثال والسماوات والأرض، كلّ ذلك رآه عند سدرة المنتهى في نزلة أخرى فرأى العرش وما دونه، وتجاوز حجب النور والظلمات حتّى وصل إلى الحجاب الأكبر وهو مقام الإمامة.

فكان النبيّ هو الموج الأوّل في بحر الله سبحانه، كما كان اللمعة الأولى من نوره الأتمّ، ثمّ اشتقّ من نور النبيّ  صلى الله عليه وآله وسلم نور علي  عليه السلام، ومن نورهما نور فاطمة، ثمّ الأئمة الأطهار  عليهم السلام، ثمّ شيعتهم من الأنبياء والأوصياء والمؤمنين، فكانوا أمواجاً، موجاً بعد موج، ولا يتحقّق هذا القرب إلاّ بالعبودية، فإنّها جوهرة كنهها الربوبية، فأشهد أن محمّداً عبده ورسوله، وأنّ عترته الأطهار عباد الله المكرمون.

ـــــــــــــــــ
[1] سورة النجم، الآية: 2.
[2] سورة النجم، الآية: 2.
[3] سورة النجم، الآية: 3.
[4] سورة النجم، الآية: 4.
[5] سورة النجم، الآية: 5.
[6] سورة النجم، الآية: 6.
[7] سورة النجم، الآية: 7.
[8] سورة النجم، الآية: 8.
[9] سورة النجم، الآية: 9.
[10] سورة النجم، الآية: 10.
[11] سورة النجم، الآية: 11.
[12] سورة النجم، الآية: 12.
[13] سورة النجم، الآية: 13.
[14] سورة النجم، الآيات: 14ــ16.
[15] سورة النجم الآية: 17.
[16] سورة النجم، الآية: 18.
[17] تفسير الميزان للطباطبائي: سورة النجم.

إرسال تعليق