بقلم: السيد نبيل الحسني
ولعل الأثر العسكري لوجود عيال الحسين عليه السلام المكون من بنات النبوة وذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، من أكثر الآثار وضوحاً لاسيما وقد مر علينا من خلال المباحث السابقة أن العرب كانت تستفيد من وجود المرأة في المعركة في استنهاض الهمم وبث روح الشجاعة والتضحية من أجل صون الحرم.
ويمكن لنا الوقوف عند هذا الأثر العسكري من خلال بعض المشاهد التي ظهرت بسبب هذا التواجد للنساء والأطفال:
إظهار حمية الأنصار لدرجة الاستئناس بالموت
إن أولى الآثار العسكرية التي خلقتها بنات النبوة في تواجدهن في أرض كربلاء والمشتملة في الروح العقائدية للمقاتل الذي صحب ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ظهرت بأروع صورها في ليلة العاشر من المحرم وقبل النزول إلى ساحة الوغى وملاقاة الحتوف بالصدور والوجوه والأعناق.
وذلك حينما جاءت عقيلة الطالبيين وسليلة سيد المرسلين إلى أخيها الإمام الحسين عليه السلام وقد مد لها الهم القاتل حبائله وأحاط بها الوجل بمخالبه تجر أذيالها إلى فناء خيمته لتسأله عن أولئك الفرسان الذين صحبوه وتستعلم نواياهم التي استنهضتهم للالتحاق به، وعقيدتهم التي سيقاتلون بها لاسيما وإن لهذا الخوف مبرراً ولهذا القلق مسبباً ألا وهو خذلان الناس لأبيه أمير المؤمنين عليه السلام في المدينة والغدر بأخيه الحسن عليه السلام في العراق، فكيف لا تقلق اليوم على من بقي لها من أهلها والجيوش قد سدّت الأفق من حوله؟!
فقالت له: «هل استعلمت من أصحابك نياتهم فإني أخشى أن يسلموك عند الوثبة».
فقال لها: «والله لقد بلوتهم فما وجدت فيهم إلا الأشوس الأقعس يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل إلى محالب أمه».
قال نافع: فلما سمعت هذا منه بكيت وأتيت حبيب بن مظاهر وحكيت ما سمعت منه ومن أخته زينب.
قال حبيب: والله لولا انتظار أمره لعاجلتهم بسيفي هذه الليلة قلت: إني خلفته عند أخته وأظن النساء أفقن وشاركنها في الحسرة فهل لك أن تجمع أصحابك وتواجهوهن بكلام يطيب قلوبهن فقام حبيب ونادى يا أصحاب الحمية وليوث الكريهة فتطالعوا من مضاربهم كالأسود الضارية فقال لبني هاشم ارجعوا إلى مقركم لا سهرت عيونكم.
ثم التفت إلى أصحابه وحكى لهم ما شاهده وسمعه نافع فقالوا بأجمعهم والله الذي منّ علينا بهذا الموقف لولا انتظار أمره لعاجلناهم بسيوفنا الساعة! فطب نفساً وقرّ عيناً فجزاهم خيراً.
وقالوا هلموا معي لنواجه النسوة ونطيب خاطرهن فجاء حبيب ومعه أصحابه وصاح: يا معشر حرائر رسول الله هذه صوارم فتيانكم آلوا ألا يغمدوها إلا في رقاب من يريد السوء فيكم وهذه أسنة غلمانكم أقسموا ألا يركزوها إلا في صدور من يفرق ناديكم، فخرجن النساء إليهم ببكاء وعويل وقلن أيها الطيبون حاموا عن بنات رسول الله وحرائر أمير المؤمنين فضج القوم بالبكاء حتى كأن الأرض تميد بهم)[1].
ولذا: فقد سجل هذا التحرك بأحرف من نور تنير درب الأحرار وتعطي الرجال في صونهم للمقدسات روحاً قتالية وعقيدة صلبة تندك لها الجبال الرواسي على كرور الليالي والأيام، فكم من حر أبي يستلهم موقف حبيب بن مظاهر أو زهير ابن القين أو مسلم بن عوسجة أو غيرهم كي ينحو نحوهم في الدفاع عن الإسلام.
حث الرجال على القتال ومشاركتهم الجهاد
إن مظاهر حث الرجال على القتال في المعركة كان هو الغاية الأبرز من إخراج العرب للنساء في حروبهم كما مرّ بيانه في المباحث السابقة إلا أنه في يوم عاشوراء لم يكن كغيره من أيام العرب لا في الإسلام ولا قبله، فقد منع الإمام الحسين عليه السلام المرأة من الخروج للقتال ولولا هذا المنع لشهدنا صوراً من القتال والتضحية للمرأة لم تشهدها أمة من الأمم وذلك لما تحمله المرأة في يوم عاشوراء من روح إيمانية وعقيدة جهادية في الدفاع عن شريعة الله تعالى وذلك بحفظ حجة الله تعالى وصون حرمته القرآنية والمحمدية.
ولعل الاستشهاد بأم وهب وزوجته يغني الباحث عن السعي في معرفة هذا الأثر ويثري المتأمل في هذا الخروج عن اقتناء غيره من المشاهد، وما أكثرها في عاشوراء.
ــــــــــــــ
[1] مقتل الحسين عليه السلام للسيد المقرم: ص226 ــ 227؛ نفس المهموم: ص125، عن الصدوق.
إرسال تعليق