بقلم: الشيخ وسام برهان البلداوي
قبل الخوض في تفاصيل التحريف وشواهده الذي وقع في كتاب مسند أحمد بن حنبل لابد من استعراض عدة نقاط مهمة، منها:
أولا: كم هي عدد أحاديث المسند؟ وما هو رأي أحمد بن حنبل فيها؟
يتكون مسند أحمد الموجود حاليا في الأسواق والمكتبات العامة من أربعة آلاف حديث قام بجمعها وانتخابها أحمد بن حنبل من بين أكثر من سبعمائة وخمسين ألف حديث، والتي كان يهدف منها أن تكون مرجعا يرجع إليه المسلمون حين اختلافهم في حديث رسول الله، قال موسى بن حمدون البزار: (قال لنا حنبل بن إسحاق: جمعنا عمي لي ولصالح ولعبد الله وقرأ علينا المسند وما سمعه منه ــ يعني تاما ــ غيرنا، وقال لنا: إن هذا الكتاب قد جمعته وأتقنته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفا فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم فارجعوا إليه، فإن كان فيه وإلا فليس بحجة). (خصائص مسند الإمام أحمد لمحمد بن عمر المديني ص 13).
وكلام أحمد بن حنبل هذا يدل على عدة أمور مهمة منها:
أولا: ان الحديث الذي كان على عهد أحمد بن حنبل والمنتشر بين أيدي أهل السنة كان يبلغ سبعمائة وخمسين ألف حديث، وقد انتخب أحمد منها أربعة آلاف حديث فقط، وحكم على هذه الأربعة آلاف بالصحة وعلى البقية بالكذب وعدم الثبوت، وهذا يؤيد ما ذكرناه سابقا من وجود الكم الهائل من الأحاديث المكذوبة والموضوعة والمفترات على النبي الأعظم صلى الله عليه وآله والتي دخلت عالم التدوين وقيدت في الكتب والصحف.
ثانيا: ويظهر لنا من عبارته (فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم فارجعوا إليه، فإن كان فيه وإلا فليس بحجة) ان أحمد بن حنبل يصحح جميع ما هو مدون في مسنده، لأنه قد جعل من أحاديث مسنده ميزانا يرجع إليه حين اختلاف المسلمين في حديث من الأحاديث فإذا وجد في كتابه فهو حق يجب الأخذ به، وان لم يوجد حكم عليه بعدم الثبوت وعدم الحجية.
ثالثا: إن القاعدة التي وضعها أحمد بن حنبل تنطوي على ضرب صريح لكتاب الموطأ الذي ألفه مالك بن أنس، لان كتاب الموطأ كتب قبل كتاب مسند أحمد، وكثير من الأحاديث الموجودة في الموطأ ليست موجودة في مسند أحمد بن حنبل، فيجزم بعدم حجيتها من وجهة نظره، وكذلك تنوي على إسقاط حجية جميع الصحاح والمسانيد والسنن التي أوجدت وكتبت بعده، كصحيح البخاري ومسلم وغيرهما، لأنهم أودعوا في كتبهم كثيرا من الأحاديث التي لم يذكرها أحمد بن حنبل في مسنده، فهي إذن مكذوبة على النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وليست بحجة من وجهة نظره.
رابعا: يجب على أتباع مالك بن انس ومقلديه أن لا يستشهدوا أو يصححوا حديثا واحدا في كتب الصحاح والمسانيد والسنن ما لم يكن له ذكر في كتاب مسند أحمد بن حنبل، فان لم يفعلوا ذلك فقد خالفوا قول إمامهم وخرجوا عن طاعته، واتبعوا غير سنته.
خامسا: ان كلام أحمد بن حنبل السابق وقوله (إن هذا الكتاب قد جمعته وأتقنته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفا ) صريح في انه قد انتخب هذه الأحاديث الأربعة آلاف بعد إتقان وتدبر وتفكر طويل، حتى وصل بالتالي إلى صحة هذا المقدار من الأحاديث دون سواها من السبعمائة والخمسين ألف حديث، ولكن لنا وللمسلمين الحق في أن يسألوا هل كان لأحمد بن حنبل فعلا القدرة على تمييز الأحاديث الصحيحة من غيرها، وهل كان يملك الاستعداد الكافي الذي يؤهله لتشخيص مواطن الخلل والعيب والعلل التي تدخل على الحديث، وهذا ما سنعرفه في الفقرة الآتية إن شاء الله تعالى.
ثانيا: هل كانت لأحمد بن حنبل قدرة على تمييز الحديث الصحيح من غيره؟
المروي عن معاصري أحمد بن حنبل هو: ان أحمد بن حنبل لم تكن له القدرة الكافية من المعرفة التي تؤهله لمقام التمييز ما بين صحيح الحديث وضعيفه، فضلا عن أن يضع كتابه كميزان يزن به أحاديث النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسننه، لان سيرته العلمية، وشهادة الذين عاصروه، وتصريحاته الشخصية، كانت بأجمعها تؤكد بان أحمد بن حنبل لم تكن له القدرة في كثير من الأحيان على معرفة علل وأخطاء كثير من الأحاديث الموجودة في عصره، وانه طالما كان يستعين بغيره في معرفة علل الحديث.
وعلى سبيل المثال فقد كان يرجع إلى يحيى بن معين في كثير من مسائل العلل، فكان يرسل إليه من يسأله عن علة بعض الأحاديث، كما وكان يتمنى في كثير من المواقف وجود يحيى معه ليكشف له أخطاء بعض الأحاديث التي يسمعها من شيخه يعقوب بن إبراهيم، وقد ذكر الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) شاهدا صريحا على هذه الحقيقة حيث قال: (قال ابن الرومي وكنت عند أحمد فجاء رجل فقال يا أبا عبد الله انظر في هذه الأحاديث فإن فيها خطأ قال عليك بأبي زكريا فإنه يعرف الخطأ قال وكنت أنا وأحمد نختلف إلى يعقوب بن إبراهيم في المغازي فقال أحمد ليت ان يحيى هنا قلت وما تصنع به قال يعرف الخطأ). (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج14 ص184، وراجع ايضا: تهذيب الكمال للمزي ج31 ص555، وتهذيب التهذيب لابن حجر ج11 ص249 ــ 250).
وهذه كما ترى ضربة قوية وجهها أحمد بن حنبل إلى نفسه كذب من خلالها قدرته على تمييز ما هو صحيح وضعيف من الأحاديث والسنن والمغازي، وان غيره اعلم منه، فكيف يجعل مثل هكذا شخص نفسه وكتابه ميزانا يرجع المسلمون إليه حين الاختلاف.
إضافة إلى ان أحمد بن حنبل ويحيى بن معين المذكور سابقا، قد بقيا يدرسان الحديث عند إبراهيم بن أبي الليث مدة عشرين سنة، ثم تبين لهما بعد هذه السنين الطويلة بأنه كذاب، قال الخطيب البغدادي: (أخبرنا أبو علي صالح بن محمد الأسدي قال: إبراهيم بن أبي الليث كان يكذب عشرين سنة، وقد أشكل أمره على يحيى وأحمد وعلي بن المديني حتى ظهر بعد بالكذب فتركوا حديثه) (المصدر السابق ص 193) ، فلو كان لأحمد بن حنبل القدرة على تمييز الأحاديث الصحيحة من الضعيفة والصادقة من المكذوبة لما بقي عشرون سنة يتلاعب به إبراهيم بن أبي الليث.
إذن فأحاديث أحمد بن حنبل ومسنده سواء ثبت وقوع التزوير والدس فيها أم لم يثبت، فإنها أحاديث مشكوك في مصادرها ومنابعها الأصلية، لاحتمال انه قد أخذها من إبراهيم بن أبي الليث الكذاب وأمثاله، فإذا أضفنا إلى ذلك ما أثبتناه من عدم معرفته وقدرته على التمييز ما بين الغث والسمين فستكون المصيبة أعظم، وإذا أضفنا على ذلك كله أدلة تثبت بما لا يقبل الشك وقوع التلاعب والدس والتزوير في مسند أحمد وأحاديثه من قبل ابنه عبد الله أو أناس آخرين فستكون المصيبة على من يعتقد بمسند أحمد أعظم وأعظم.
ثالثا: شواهد وأدلة تثبت وقوع التزوير والتحريف في مسند أحمد بن حنبل
وفيما يأتي جملة من الشواهد والأدلة على حصول التزوير والتلاعب بكتاب مسند أحمد بن حنبل من قبل ولده عبد الله وناسخه أبو بكر القطيعي وآخرين، وهي باختصار كالآتي:
ألف: الذهبي يعترف بان أحمد لم يصنف المسند ولا رتبه ولا هذبه
قال الذهبي: (ثم الإمام أحمد كان لا يرى التصنيف، وهذا كتاب «المسند» له لم يصنفه هو، ولا رتبه، ولا اعتنى بتهذيبه، بل كان يرويه لولده نسخاً وأجزاءً، ويأمره: أن ضع هذا في مسند فلان، وهذا في مسند فلان). (سير أعلام النبلاء للذهبي ج 13 ص 522).
أقول: وهذا تصريح قاطع على ان المسند ليس لأحمد بن حنبل قطعا لان أحمد لم يكن يرى التصنيف، فقول القائل مسند أحمد فيه مسامحة وغفلة، وإلا فان المسند لعبد الله بن أحمد قد كتبه بيده ورتبه بيده، وزاد على روايات أبيه روايات كثيرة، وخلط فيه خلطا واضحا سيأتي بعضه لاحقا.
باء: الذهبي يصرح بتلاعب عبد الله بن أحمد وأبو بكر القطيعي بكتاب المسند
وقال الذهبي متكلما عن عبد الله بن أحمد بن حنبل: (وله زيادات كثيرة في مسند والده واضحة عن عوالي شيوخه، ولم يحرر ترتيب المسند ولا سهله، فهو محتاج إلى عمل وترتيب...وعامته من أبي بكر القطيعي...ولم يكن القطيعي من فرسان الحديث، ولا مجودا، بل أدى ما تحمله، إن سلم من أوهام في بعض الأسانيد والمتون). (المصدر السابق ص 524).
أقول: لو سلمنا بان المسند لأحمد بن حنبل فيجب ان نسلم ايضا بأنه غير مرتب ولا سهل وان التقصير في عدم ترتيبه ناتج عن قصور أو تقصير كل من عبد الله بن أحمد الذي روى المسند عن أبيه، والقطيعي الذي رواه عن عبد الله وزاد عليه بأحاديث لا تسلم من الأوهام بسبب عدم كونه من فرسان الحديث.
جيم: الذهبي يشجع علماء المسلمين أن يتلاعبوا هم أيضا في كتاب المسند بهدف إصلاحه
قال الذهبي في أثناء حديثه عن حاجة المسند إلى ترتيب وجهد من قبل علماء السنة: (فلعل الله يقيض لهذا الديوان العظيم من يرتبه ويهذبه، ويحذف ما كرر فيه، ويصلح ما تصحف، ويوضح حال كثير من رجاله، وينبه على مرسله، ويوهن ما ينبغي من مناكيره، ويرتب الصحابة على المعجم، وكذلك أصحابهم على المعجم، ويرمز على رؤوس الحديث بأسماء الكتب الستة، وإن رتبه على الأبواب فحسن جميل، ولولا أني قد عجزت عن ذلك لضعف البصر، وعدم النية، وقرب الرحيل، لعملت في ذلك). (سير أعلام النبلاء للذهبي ج 13 ص 525).
أقول: ان وصف الذهبي للمسند بالديوان العظيم مكابرة واضحة، وإلا فأي عظمة فيه وهو يعترف بوجود التكرار في المسند والتصحيف والمراسيل والمناكير وعدم ترتيب الصحابة وغير ذلك، ولو كانت هذه الموبقات في احد كتب الشيعة ومصنفاتهم لشمر الذهبي عن سيف جرحه وتشنيعه وطعنه ولأسقط كل ما فيه من اعتبار كما هو عادته في التعامل مع خصومه ومخالفيه في العقيدة، هذا أولا، وثانيا أليست هذه الدعوة من قبل الذهبي دعوة إلى التلاعب بكتاب المسند فهو يدعو إلى تهذيبه وترتيبه وحذف ما تكرر منه وإصلاح ما تصحف من كلماته وترتيب الصحابة بغير الترتيب الحالي له وغير ذلك، وكل هذه الأمور كما لا يخفى تدخل في باب التلاعب والتغيير والتبديل الذي لا يقبل المسلمون وقوعه لمخالفته للأمانة العلمية، لان الكتاب أي كتاب كان يجب أن يبقى ويصل للناس كما هو من دون تلاعب أو زيادة أو حذف كي يمكن الحكم عليه من قبل الباحثين والعلماء بما يستحقه.
دال: العراقي يصرح ان في المسند أحاديث مكذوبة وموضوعة وان ولده زاد فيه
وقال محمد أبو رية المصري: (وقال العراقي: يرد على من قال إن أحمد بن حنبل التزم الصحيح في مسنده: إنا لا نسلم ذلك، وأما وجود الضعيف في المسند فهو محقق بل فيه أحاديث موضوعة وقد جمعتها في جزء، ولعبد الله ابنه فيه زيادات فيها الضعيف والموضوع... ومما فيه من المناكير حديث بريدة: كونوا في بعث خراسان ثم انزلوا مدينة مرو فإنه بناها ذو القرنين...). (أضواء على السنة المحمدية لمحمود أبو ريه ص 327).
أقول: ان المسند لا يخرج عن ثلاثة فروض فأما أن يكون المسند لأحمد بن حنبل فيلزم منه ان أحمد ليس دقيقا في تقييمه لأحاديث مسنده، وان قول أحمد في وصف كتابه: (إن هذا الكتاب قد جمعته وأتقنته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفا فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم فارجعوا إليه، فإن كان فيه وإلا فليس بحجة) (خصائص مسند الإمام أحمد لمحمد بن عمر المديني ص 13)، وصف غير صحيح فانه وباعتراف الذهبي والبغدادي قد جمع فيه المرسل والمنكر والضعيف والموضوع.
وأما أن يكون الكتاب له ولكن ابنه هو الذي ادخل عليه هذه المراسيل والمناكير والموضوعات وان أحمد اكبر شأنا من أن يقع في مثل هذه الطامات، فيثبت ان المسند قد تم التلاعب به والدس في ضمنه فيسقط عن الاعتبار لتطرق الشك إلى سائر أجزائه الأخرى.
وأما أن يكون المسند لابنه وانه كما يدعي البعض متقنا وان هذه الزيادات والمناكير قد وقعت من القطيعي الذي نقل لنا المسند عن عبد الله، فيسقط أيضا عن الاعتبار لنفس العلة السابقة.
هاء: أحمد بن حنبل أمر ولده بإخراج بعض الأحاديث من المسند لكنه لم يمتثل
وأوضح دليل على وقوع التلاعب والتزوير في كتاب مسند أحمد هو ان أحمد بن حنبل كان يضرب بنفسه على بعض الأحاديث والرواة، أو يأمر ولده عبد الله بان يضرب عليها، ويأمره بان لا يدون حديثهم ولا ينقل عنهم في كتاب المسند أو غيره من الكتب المنسوبة إلى أحمد بن حنبل، ولكننا وجدنا بان كثيرا من الذين أمر أحمد بالضرب على رواياتهم قد ذكرت لهم روايات في المسند وفيما يلي جملة منهم على سبيل الاختصار:
1: من الذين ضرب أحمد بن حنبل على حديثه (عبد الكريم بن أبي المخارق) قال الذهبي: (أبو أمية عبد الكريم بن أبي المخارق... وقال أحمد: ضربت على حديثه...) (سير أعلام النبلاء للذهبي ج 6 ص 83) ، ومع انه ضرب على حديثه إلا إننا نرى له عدة أحاديث في المسند. (راجع مسند أحمد بن حنبل ج2 ص132، وج3 ص487، وج5 ص6).
2: قال المزي في تهذيب الكمال: (وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: ضرب أبي على حديث كثير بن عبد الله في المسند ولم يحدثنا عنه... قال أبو خيثمة: قال لي أحمد بن حنبل: لا تحدث عنه شيئا) (تهذيب الكمال للمزي ج24 ص137 ــ 138) ولكننا ومع اعتراف عبد الله بن أحمد بان أباه قد ضرب على حديث كثير بن عبد الله في المسند إلا إننا وجدنا له عدة أحاديث في المسند. (راجع مسند أحمد بن حنبل ج1 ص306).
3: قال عبد الله بن أحمد: (قال أبي اضرب على حديث موسى بن عبيدة وهو يقرأ على حديث قرآن بن تمام) (العلل لأحمد بن حنبل ج 3 ص 206 ــ 207). غير ان حديث موسى بن عبيدة موجود في المسند. (مسند أحمد بن حنبل ج6 ص437).
4: قال عبد الله بن أحمد: (فقال أبي عبد العزيز وهو الذي يروي عن خصيف اضرب على أحاديثه هي كذب أو قال موضوعة أو كما قال أبي فضربت على أحاديث عبد العزيز بن عبد الرحمن) (العلل لأحمد بن حنبل ج 3 ص319). غير إننا ومع اعتراف عبد الله بن أحمد بأنه قد ضرب على حديث عبد العزيز بن عبد الرحمن نجد أحاديثه في مسند أحمد. (راجع مسند أحمد ج 6 ص 227).
واو: عبد الله روى عن أبيه في المسند أشياء لم يأمره بوضعها فيه
ومن الأدلة القاطعة على تدخل عبد الله بن أحمد في مسند أبيه وانه قد روى أشياء لا علم لأحمد بن حنبل بها أو كان له علم بها ولكنه لم يأمره بوضعها في المسند، ويدل على هذه الحقيقة تكرار قول عبد الله بن أحمد بن حنبل: (وجدت في كتاب أبي بخط يده ولم أسمعها)، وقد بحثت على عجالة في المسند فوجدت ان عبد الله كرر قول وجدت في كتاب أبي أكثر من خمسة وستين مرة، ومعنى قوله (وجدت) أي انه لم يسمعها من أبيه، ومعنى ذلك هو ان أحمد لم يأمره بوضعها في المسند، ومعنى انه لم يأمره بوضعها هو ان هذه الزيادات والوجادات عبارة عن تلاعبات قام بها عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب أبيه المسند بعد موته.
هذا وقد تركنا من باب الاختصار والإيجاز كثير من الأدلة الأخرى وكذلك تركنا ما قام به أبو بكر القطيعي من قص وإضافة لكثير من الأحاديث وإدخالها في الكتاب على أنها منه.
لماذا نثير هذه المواضيع الحساسة؟
وهذا الموضوع ما كنا لنثيره ونتعرض له لولا تلك الهجمة الشرسة التي تتعرض لها مدونات الشيعة وكتبهم الروائية من قبل كثير من علماء أهل السنة ومحدثيهم ومثقفيهم، وبالخصوص تلك الهجمات التي تشنها الفرقة الوهابية المارقة، فيكون إثارة هذا الأمر بناءً على هذا ردا ودفاعا عن أهم مقدساتنا، لان مدوناتنا الروائية هي التي نقلت جميع الكلمات والأحاديث والعقائد والأحكام التي ورثناها عن أهل بيت العصمة والطهارة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فضربهم لها وحربهم عليها معناه ضرب جميع تلك الأحكام والعقائد والأحاديث، كما إن الدفاع عنها يعد بمنزلة الدفاع عن جميع تلك الأمور المهمة.
قبل الخوض في تفاصيل التحريف وشواهده الذي وقع في كتاب مسند أحمد بن حنبل لابد من استعراض عدة نقاط مهمة، منها:
أولا: كم هي عدد أحاديث المسند؟ وما هو رأي أحمد بن حنبل فيها؟
يتكون مسند أحمد الموجود حاليا في الأسواق والمكتبات العامة من أربعة آلاف حديث قام بجمعها وانتخابها أحمد بن حنبل من بين أكثر من سبعمائة وخمسين ألف حديث، والتي كان يهدف منها أن تكون مرجعا يرجع إليه المسلمون حين اختلافهم في حديث رسول الله، قال موسى بن حمدون البزار: (قال لنا حنبل بن إسحاق: جمعنا عمي لي ولصالح ولعبد الله وقرأ علينا المسند وما سمعه منه ــ يعني تاما ــ غيرنا، وقال لنا: إن هذا الكتاب قد جمعته وأتقنته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفا فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم فارجعوا إليه، فإن كان فيه وإلا فليس بحجة). (خصائص مسند الإمام أحمد لمحمد بن عمر المديني ص 13).
وكلام أحمد بن حنبل هذا يدل على عدة أمور مهمة منها:
أولا: ان الحديث الذي كان على عهد أحمد بن حنبل والمنتشر بين أيدي أهل السنة كان يبلغ سبعمائة وخمسين ألف حديث، وقد انتخب أحمد منها أربعة آلاف حديث فقط، وحكم على هذه الأربعة آلاف بالصحة وعلى البقية بالكذب وعدم الثبوت، وهذا يؤيد ما ذكرناه سابقا من وجود الكم الهائل من الأحاديث المكذوبة والموضوعة والمفترات على النبي الأعظم صلى الله عليه وآله والتي دخلت عالم التدوين وقيدت في الكتب والصحف.
ثانيا: ويظهر لنا من عبارته (فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم فارجعوا إليه، فإن كان فيه وإلا فليس بحجة) ان أحمد بن حنبل يصحح جميع ما هو مدون في مسنده، لأنه قد جعل من أحاديث مسنده ميزانا يرجع إليه حين اختلاف المسلمين في حديث من الأحاديث فإذا وجد في كتابه فهو حق يجب الأخذ به، وان لم يوجد حكم عليه بعدم الثبوت وعدم الحجية.
ثالثا: إن القاعدة التي وضعها أحمد بن حنبل تنطوي على ضرب صريح لكتاب الموطأ الذي ألفه مالك بن أنس، لان كتاب الموطأ كتب قبل كتاب مسند أحمد، وكثير من الأحاديث الموجودة في الموطأ ليست موجودة في مسند أحمد بن حنبل، فيجزم بعدم حجيتها من وجهة نظره، وكذلك تنوي على إسقاط حجية جميع الصحاح والمسانيد والسنن التي أوجدت وكتبت بعده، كصحيح البخاري ومسلم وغيرهما، لأنهم أودعوا في كتبهم كثيرا من الأحاديث التي لم يذكرها أحمد بن حنبل في مسنده، فهي إذن مكذوبة على النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وليست بحجة من وجهة نظره.
رابعا: يجب على أتباع مالك بن انس ومقلديه أن لا يستشهدوا أو يصححوا حديثا واحدا في كتب الصحاح والمسانيد والسنن ما لم يكن له ذكر في كتاب مسند أحمد بن حنبل، فان لم يفعلوا ذلك فقد خالفوا قول إمامهم وخرجوا عن طاعته، واتبعوا غير سنته.
خامسا: ان كلام أحمد بن حنبل السابق وقوله (إن هذا الكتاب قد جمعته وأتقنته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفا ) صريح في انه قد انتخب هذه الأحاديث الأربعة آلاف بعد إتقان وتدبر وتفكر طويل، حتى وصل بالتالي إلى صحة هذا المقدار من الأحاديث دون سواها من السبعمائة والخمسين ألف حديث، ولكن لنا وللمسلمين الحق في أن يسألوا هل كان لأحمد بن حنبل فعلا القدرة على تمييز الأحاديث الصحيحة من غيرها، وهل كان يملك الاستعداد الكافي الذي يؤهله لتشخيص مواطن الخلل والعيب والعلل التي تدخل على الحديث، وهذا ما سنعرفه في الفقرة الآتية إن شاء الله تعالى.
ثانيا: هل كانت لأحمد بن حنبل قدرة على تمييز الحديث الصحيح من غيره؟
المروي عن معاصري أحمد بن حنبل هو: ان أحمد بن حنبل لم تكن له القدرة الكافية من المعرفة التي تؤهله لمقام التمييز ما بين صحيح الحديث وضعيفه، فضلا عن أن يضع كتابه كميزان يزن به أحاديث النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسننه، لان سيرته العلمية، وشهادة الذين عاصروه، وتصريحاته الشخصية، كانت بأجمعها تؤكد بان أحمد بن حنبل لم تكن له القدرة في كثير من الأحيان على معرفة علل وأخطاء كثير من الأحاديث الموجودة في عصره، وانه طالما كان يستعين بغيره في معرفة علل الحديث.
وعلى سبيل المثال فقد كان يرجع إلى يحيى بن معين في كثير من مسائل العلل، فكان يرسل إليه من يسأله عن علة بعض الأحاديث، كما وكان يتمنى في كثير من المواقف وجود يحيى معه ليكشف له أخطاء بعض الأحاديث التي يسمعها من شيخه يعقوب بن إبراهيم، وقد ذكر الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) شاهدا صريحا على هذه الحقيقة حيث قال: (قال ابن الرومي وكنت عند أحمد فجاء رجل فقال يا أبا عبد الله انظر في هذه الأحاديث فإن فيها خطأ قال عليك بأبي زكريا فإنه يعرف الخطأ قال وكنت أنا وأحمد نختلف إلى يعقوب بن إبراهيم في المغازي فقال أحمد ليت ان يحيى هنا قلت وما تصنع به قال يعرف الخطأ). (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج14 ص184، وراجع ايضا: تهذيب الكمال للمزي ج31 ص555، وتهذيب التهذيب لابن حجر ج11 ص249 ــ 250).
وهذه كما ترى ضربة قوية وجهها أحمد بن حنبل إلى نفسه كذب من خلالها قدرته على تمييز ما هو صحيح وضعيف من الأحاديث والسنن والمغازي، وان غيره اعلم منه، فكيف يجعل مثل هكذا شخص نفسه وكتابه ميزانا يرجع المسلمون إليه حين الاختلاف.
إضافة إلى ان أحمد بن حنبل ويحيى بن معين المذكور سابقا، قد بقيا يدرسان الحديث عند إبراهيم بن أبي الليث مدة عشرين سنة، ثم تبين لهما بعد هذه السنين الطويلة بأنه كذاب، قال الخطيب البغدادي: (أخبرنا أبو علي صالح بن محمد الأسدي قال: إبراهيم بن أبي الليث كان يكذب عشرين سنة، وقد أشكل أمره على يحيى وأحمد وعلي بن المديني حتى ظهر بعد بالكذب فتركوا حديثه) (المصدر السابق ص 193) ، فلو كان لأحمد بن حنبل القدرة على تمييز الأحاديث الصحيحة من الضعيفة والصادقة من المكذوبة لما بقي عشرون سنة يتلاعب به إبراهيم بن أبي الليث.
إذن فأحاديث أحمد بن حنبل ومسنده سواء ثبت وقوع التزوير والدس فيها أم لم يثبت، فإنها أحاديث مشكوك في مصادرها ومنابعها الأصلية، لاحتمال انه قد أخذها من إبراهيم بن أبي الليث الكذاب وأمثاله، فإذا أضفنا إلى ذلك ما أثبتناه من عدم معرفته وقدرته على التمييز ما بين الغث والسمين فستكون المصيبة أعظم، وإذا أضفنا على ذلك كله أدلة تثبت بما لا يقبل الشك وقوع التلاعب والدس والتزوير في مسند أحمد وأحاديثه من قبل ابنه عبد الله أو أناس آخرين فستكون المصيبة على من يعتقد بمسند أحمد أعظم وأعظم.
ثالثا: شواهد وأدلة تثبت وقوع التزوير والتحريف في مسند أحمد بن حنبل
وفيما يأتي جملة من الشواهد والأدلة على حصول التزوير والتلاعب بكتاب مسند أحمد بن حنبل من قبل ولده عبد الله وناسخه أبو بكر القطيعي وآخرين، وهي باختصار كالآتي:
ألف: الذهبي يعترف بان أحمد لم يصنف المسند ولا رتبه ولا هذبه
قال الذهبي: (ثم الإمام أحمد كان لا يرى التصنيف، وهذا كتاب «المسند» له لم يصنفه هو، ولا رتبه، ولا اعتنى بتهذيبه، بل كان يرويه لولده نسخاً وأجزاءً، ويأمره: أن ضع هذا في مسند فلان، وهذا في مسند فلان). (سير أعلام النبلاء للذهبي ج 13 ص 522).
أقول: وهذا تصريح قاطع على ان المسند ليس لأحمد بن حنبل قطعا لان أحمد لم يكن يرى التصنيف، فقول القائل مسند أحمد فيه مسامحة وغفلة، وإلا فان المسند لعبد الله بن أحمد قد كتبه بيده ورتبه بيده، وزاد على روايات أبيه روايات كثيرة، وخلط فيه خلطا واضحا سيأتي بعضه لاحقا.
باء: الذهبي يصرح بتلاعب عبد الله بن أحمد وأبو بكر القطيعي بكتاب المسند
وقال الذهبي متكلما عن عبد الله بن أحمد بن حنبل: (وله زيادات كثيرة في مسند والده واضحة عن عوالي شيوخه، ولم يحرر ترتيب المسند ولا سهله، فهو محتاج إلى عمل وترتيب...وعامته من أبي بكر القطيعي...ولم يكن القطيعي من فرسان الحديث، ولا مجودا، بل أدى ما تحمله، إن سلم من أوهام في بعض الأسانيد والمتون). (المصدر السابق ص 524).
أقول: لو سلمنا بان المسند لأحمد بن حنبل فيجب ان نسلم ايضا بأنه غير مرتب ولا سهل وان التقصير في عدم ترتيبه ناتج عن قصور أو تقصير كل من عبد الله بن أحمد الذي روى المسند عن أبيه، والقطيعي الذي رواه عن عبد الله وزاد عليه بأحاديث لا تسلم من الأوهام بسبب عدم كونه من فرسان الحديث.
جيم: الذهبي يشجع علماء المسلمين أن يتلاعبوا هم أيضا في كتاب المسند بهدف إصلاحه
قال الذهبي في أثناء حديثه عن حاجة المسند إلى ترتيب وجهد من قبل علماء السنة: (فلعل الله يقيض لهذا الديوان العظيم من يرتبه ويهذبه، ويحذف ما كرر فيه، ويصلح ما تصحف، ويوضح حال كثير من رجاله، وينبه على مرسله، ويوهن ما ينبغي من مناكيره، ويرتب الصحابة على المعجم، وكذلك أصحابهم على المعجم، ويرمز على رؤوس الحديث بأسماء الكتب الستة، وإن رتبه على الأبواب فحسن جميل، ولولا أني قد عجزت عن ذلك لضعف البصر، وعدم النية، وقرب الرحيل، لعملت في ذلك). (سير أعلام النبلاء للذهبي ج 13 ص 525).
أقول: ان وصف الذهبي للمسند بالديوان العظيم مكابرة واضحة، وإلا فأي عظمة فيه وهو يعترف بوجود التكرار في المسند والتصحيف والمراسيل والمناكير وعدم ترتيب الصحابة وغير ذلك، ولو كانت هذه الموبقات في احد كتب الشيعة ومصنفاتهم لشمر الذهبي عن سيف جرحه وتشنيعه وطعنه ولأسقط كل ما فيه من اعتبار كما هو عادته في التعامل مع خصومه ومخالفيه في العقيدة، هذا أولا، وثانيا أليست هذه الدعوة من قبل الذهبي دعوة إلى التلاعب بكتاب المسند فهو يدعو إلى تهذيبه وترتيبه وحذف ما تكرر منه وإصلاح ما تصحف من كلماته وترتيب الصحابة بغير الترتيب الحالي له وغير ذلك، وكل هذه الأمور كما لا يخفى تدخل في باب التلاعب والتغيير والتبديل الذي لا يقبل المسلمون وقوعه لمخالفته للأمانة العلمية، لان الكتاب أي كتاب كان يجب أن يبقى ويصل للناس كما هو من دون تلاعب أو زيادة أو حذف كي يمكن الحكم عليه من قبل الباحثين والعلماء بما يستحقه.
دال: العراقي يصرح ان في المسند أحاديث مكذوبة وموضوعة وان ولده زاد فيه
وقال محمد أبو رية المصري: (وقال العراقي: يرد على من قال إن أحمد بن حنبل التزم الصحيح في مسنده: إنا لا نسلم ذلك، وأما وجود الضعيف في المسند فهو محقق بل فيه أحاديث موضوعة وقد جمعتها في جزء، ولعبد الله ابنه فيه زيادات فيها الضعيف والموضوع... ومما فيه من المناكير حديث بريدة: كونوا في بعث خراسان ثم انزلوا مدينة مرو فإنه بناها ذو القرنين...). (أضواء على السنة المحمدية لمحمود أبو ريه ص 327).
أقول: ان المسند لا يخرج عن ثلاثة فروض فأما أن يكون المسند لأحمد بن حنبل فيلزم منه ان أحمد ليس دقيقا في تقييمه لأحاديث مسنده، وان قول أحمد في وصف كتابه: (إن هذا الكتاب قد جمعته وأتقنته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفا فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم فارجعوا إليه، فإن كان فيه وإلا فليس بحجة) (خصائص مسند الإمام أحمد لمحمد بن عمر المديني ص 13)، وصف غير صحيح فانه وباعتراف الذهبي والبغدادي قد جمع فيه المرسل والمنكر والضعيف والموضوع.
وأما أن يكون الكتاب له ولكن ابنه هو الذي ادخل عليه هذه المراسيل والمناكير والموضوعات وان أحمد اكبر شأنا من أن يقع في مثل هذه الطامات، فيثبت ان المسند قد تم التلاعب به والدس في ضمنه فيسقط عن الاعتبار لتطرق الشك إلى سائر أجزائه الأخرى.
وأما أن يكون المسند لابنه وانه كما يدعي البعض متقنا وان هذه الزيادات والمناكير قد وقعت من القطيعي الذي نقل لنا المسند عن عبد الله، فيسقط أيضا عن الاعتبار لنفس العلة السابقة.
هاء: أحمد بن حنبل أمر ولده بإخراج بعض الأحاديث من المسند لكنه لم يمتثل
وأوضح دليل على وقوع التلاعب والتزوير في كتاب مسند أحمد هو ان أحمد بن حنبل كان يضرب بنفسه على بعض الأحاديث والرواة، أو يأمر ولده عبد الله بان يضرب عليها، ويأمره بان لا يدون حديثهم ولا ينقل عنهم في كتاب المسند أو غيره من الكتب المنسوبة إلى أحمد بن حنبل، ولكننا وجدنا بان كثيرا من الذين أمر أحمد بالضرب على رواياتهم قد ذكرت لهم روايات في المسند وفيما يلي جملة منهم على سبيل الاختصار:
1: من الذين ضرب أحمد بن حنبل على حديثه (عبد الكريم بن أبي المخارق) قال الذهبي: (أبو أمية عبد الكريم بن أبي المخارق... وقال أحمد: ضربت على حديثه...) (سير أعلام النبلاء للذهبي ج 6 ص 83) ، ومع انه ضرب على حديثه إلا إننا نرى له عدة أحاديث في المسند. (راجع مسند أحمد بن حنبل ج2 ص132، وج3 ص487، وج5 ص6).
2: قال المزي في تهذيب الكمال: (وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: ضرب أبي على حديث كثير بن عبد الله في المسند ولم يحدثنا عنه... قال أبو خيثمة: قال لي أحمد بن حنبل: لا تحدث عنه شيئا) (تهذيب الكمال للمزي ج24 ص137 ــ 138) ولكننا ومع اعتراف عبد الله بن أحمد بان أباه قد ضرب على حديث كثير بن عبد الله في المسند إلا إننا وجدنا له عدة أحاديث في المسند. (راجع مسند أحمد بن حنبل ج1 ص306).
3: قال عبد الله بن أحمد: (قال أبي اضرب على حديث موسى بن عبيدة وهو يقرأ على حديث قرآن بن تمام) (العلل لأحمد بن حنبل ج 3 ص 206 ــ 207). غير ان حديث موسى بن عبيدة موجود في المسند. (مسند أحمد بن حنبل ج6 ص437).
4: قال عبد الله بن أحمد: (فقال أبي عبد العزيز وهو الذي يروي عن خصيف اضرب على أحاديثه هي كذب أو قال موضوعة أو كما قال أبي فضربت على أحاديث عبد العزيز بن عبد الرحمن) (العلل لأحمد بن حنبل ج 3 ص319). غير إننا ومع اعتراف عبد الله بن أحمد بأنه قد ضرب على حديث عبد العزيز بن عبد الرحمن نجد أحاديثه في مسند أحمد. (راجع مسند أحمد ج 6 ص 227).
واو: عبد الله روى عن أبيه في المسند أشياء لم يأمره بوضعها فيه
ومن الأدلة القاطعة على تدخل عبد الله بن أحمد في مسند أبيه وانه قد روى أشياء لا علم لأحمد بن حنبل بها أو كان له علم بها ولكنه لم يأمره بوضعها في المسند، ويدل على هذه الحقيقة تكرار قول عبد الله بن أحمد بن حنبل: (وجدت في كتاب أبي بخط يده ولم أسمعها)، وقد بحثت على عجالة في المسند فوجدت ان عبد الله كرر قول وجدت في كتاب أبي أكثر من خمسة وستين مرة، ومعنى قوله (وجدت) أي انه لم يسمعها من أبيه، ومعنى ذلك هو ان أحمد لم يأمره بوضعها في المسند، ومعنى انه لم يأمره بوضعها هو ان هذه الزيادات والوجادات عبارة عن تلاعبات قام بها عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب أبيه المسند بعد موته.
هذا وقد تركنا من باب الاختصار والإيجاز كثير من الأدلة الأخرى وكذلك تركنا ما قام به أبو بكر القطيعي من قص وإضافة لكثير من الأحاديث وإدخالها في الكتاب على أنها منه.
لماذا نثير هذه المواضيع الحساسة؟
وهذا الموضوع ما كنا لنثيره ونتعرض له لولا تلك الهجمة الشرسة التي تتعرض لها مدونات الشيعة وكتبهم الروائية من قبل كثير من علماء أهل السنة ومحدثيهم ومثقفيهم، وبالخصوص تلك الهجمات التي تشنها الفرقة الوهابية المارقة، فيكون إثارة هذا الأمر بناءً على هذا ردا ودفاعا عن أهم مقدساتنا، لان مدوناتنا الروائية هي التي نقلت جميع الكلمات والأحاديث والعقائد والأحكام التي ورثناها عن أهل بيت العصمة والطهارة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فضربهم لها وحربهم عليها معناه ضرب جميع تلك الأحكام والعقائد والأحاديث، كما إن الدفاع عنها يعد بمنزلة الدفاع عن جميع تلك الأمور المهمة.
1 التعليقات:
جزاك الله خيرا كثيراا على هذا البحث المفيد
تعليقكل كتبهم مخرفه ومحرفه ومضلله
إرسال تعليق