بقلم: السيد محمد علي الحلو
وتتجلى في كربلاء تلك الواقعة التي حددت مساقات التاريخ التضحوي بكل دواعيه, وجعلت كربلاء ينشدها الجميع، وذلك من خلال مواقف بعض الأصحاب. وإطلاقنا على هذه الظاهرة بالتاريخ التضحوي كون هذه المواقف - في نظرنا- استوعبت كل التاريخ الجهادي, وتبقى الحالات الجهادية كلها تقتات على تلك المواقف, أي لم تبلغ ما بلغته المواقف الكربلائية فهي باتت تهيمن على الحالة الجهادية وفي حقيقتها صارت هذه "حالة تعبوية" وبرزت كظاهرة نستجليها من خلال المواقف التالية التي ستكون ظواهر مستقلة بذاتها لعدم إمكانية تكرر حدوثها بنفس النسق التضحوي المتميز.
ظاهرة سعيد بن عبد الله الحنفي أو ظاهرة التضحية من أجل القيادة
فقد عمد سعيد هذا أن يكون درعا للإمام الحسين عليه السلام يتلقى الحتوف من خلال السيل الجارف للسهام التي وجهها القوم للإمام مستغلين انشغاله بالصلاة, ووجد سعيد فرصة التضحية حاضرة بدفعه لتلك السهام وتلقيه جرعات الموت ليكابر عند وقوفه وتحمله ما يحل به ثم بعد الانتهاء من الصلاة يتلقى الإمام الحسين صوت سعيد الخافت ليقول للإمام: أوَفيت يابن رسول الله؟ فكأنه يستأذن بالسقوط على الأرض, فيقول له الإمام: نعم أنت أمامي في الجنة.
هذه الظاهرة وهي فداء القائد والتضحية من أجله تميزت بها القضية الحسينية كظاهرة, وهي تدل على قناعة بل يقينية القاعدة بقيادتها.
ظاهرة عابس الشاكري أو ظاهرة الوقوع على الموت
معنى الوقوع على الموت أن يجعل الإنسان نفسه وقفا على التضحية والفداء من أجل تحقيق الغاية بأقصر الطرق, وبمعنى آخر أن حالة الإذعان للقضية يجعل الإنسان متلهفا لملاقاة اشد النتائج وأوقعها بكل طمأنينة بل بكل شوق.
وظاهرة عابس الشاكري تلخص بهذا الموقف
وأقبل عابس بن شبيب الشاكري على شوذب مولى شاكر وكان شوذب من الرجال المخلصين وداره مألف للشيعة يتحدثون فيها فضل أهل البيت.
فقال: يا شوذب ما في نفسك أن تصنع؟
قال: أقاتل معك حتى أُقتل, فجزّاه خيرا وقال له: تقدم بين يدي أبي عبد الله عليه السلام حتى يحتسبك كما احتسب غيرك وحتى احتسبك, فان هذا يوم نطلب فيه الأجر بكل ما نقدر عليه, فسلم شوذب على الحسين عليه السلام وقاتل حتى قتل.
فوقف عابس أمام أبي عبد الله عليه السلام وقال: ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد اعز علي منك ولو قدرت أن ادفع الضيم بشيء أَعزّ عليَّ من نفسي لفعلت, السلام عليك, أشهد أني على هداك وهدى أبيك.
ومشى نحو القوم مصلتا سيفه وبه ضربة على جبينه فنادى: الا رجل؟ فأحجموا عنه لأنهم عرفوه أشجع الناس, فصاح عمر بن سعد: ارضخوه بالحجارة, فرمي بها فلما رأى ذلك ألقى درعه ومغفره وشد على الناس, وانه ليطرد اكثر من مائتين, ثم تعطفوا عليه من كل جانب فقتل. (مقتل الحسين عليه السلام للسيد عبد الرزاق المقرم:303).
فإلقاء الدرع والمغفرة حالة من حالات "التبرع" في آليات الدفاع عن النفس والتنازل عنها مقابل ان يطمع العدو "الجبان" في منازلته وهذه الحالة ساعدت الأعداء أن يقاتلوا عابساً حينما تخلى عن كل آليات الدفاع ليسهل - في نظر الأعداء- قتله, وهذه الظاهرة هي من ظواهر الوقوع على الموت نتيجة لحالة اليقين التي وصل اليها عابس في قضيته وقناعته في صحة ما هو عليه دون تردد, بل بإقدام يعد من أشجع الظواهر التي تابعناها في دراستنا هذه.
ظاهرة واضح وأسلم وظاهرة فناء الذات
وهي ظاهرة تعني إلغاء الذات من اجل بقاء الهدف, أو فناء الذات لبقاء الأسمى. وبمعنى آخر أن يلقي الإنسان ذاته من اجل البقاء على الهدف الأسمى أو تحقيقه.
وتتلخص في ظاهرة واضح وأسلم كما وردت في المقاتل هكذا:
كان واضح غلاما تركيا شجاعا قارئا, وهو مولى للحارث المذحجي السلماني, وقد أبلى في كربلاء بلاء حسنا.
ولما صرع واضح التركي استغاث بالحسين عليه السلام, فأتاه أبو عبد الله عليه السلام واعتنقه وهو يجود بنفسه فقال: من مثلي وابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واضع خده على خدي, ثم فاضت نفسه الطاهرة. (مقتل العوالم:91).
ومشى الحسين إلى أسلم مولاه واعتنقه وكان به رمق فتبسم وافتخر ومات (مقتل الحسين عليه السلام للسيد عبد الرزاق المقرم: 301).
ولو وضعنا خطاً تحت مادة "تبسم" وتحت مادة "افتخر" لوجدنا أن ظاهرة إلغاء الذات من أجل الذات الأسمى تبرز من خلال هاتين المادتين, ونحتاج إلى إضافة مقولة واضح حينما يعتنقه الإمام الحسين عليه السلام ليقول «من مثلي وابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واضع خده على خدي» تبرز لدينا ظاهرة الإلغاء الكامل للذات ليتحقق لنا الهدف الأسمى, وهذه ظاهرة لابد من توفرها في مواقف تحقيق الهدف, إذ لم يشعر واضح انه أقدم على الموت وأهدى نفسه للفناء مقابل بقاء الأسمى وهو الإمام, بل لم يصل إلى حالة التفضل التي يُشعرها به موقفه التضحوي بل شعر بالإلغاء لموقفه ومن ثم لذاته التي لا ينظر في هذه اللحظة إلا إلى الذات الأسمى وهو الحسين عليه السلام فهو يفتخر ان يكون الحسين عليه السلام قد أبدى له القبول والرضا بما فعله عند مصرعه.
وتتجلى في كربلاء تلك الواقعة التي حددت مساقات التاريخ التضحوي بكل دواعيه, وجعلت كربلاء ينشدها الجميع، وذلك من خلال مواقف بعض الأصحاب. وإطلاقنا على هذه الظاهرة بالتاريخ التضحوي كون هذه المواقف - في نظرنا- استوعبت كل التاريخ الجهادي, وتبقى الحالات الجهادية كلها تقتات على تلك المواقف, أي لم تبلغ ما بلغته المواقف الكربلائية فهي باتت تهيمن على الحالة الجهادية وفي حقيقتها صارت هذه "حالة تعبوية" وبرزت كظاهرة نستجليها من خلال المواقف التالية التي ستكون ظواهر مستقلة بذاتها لعدم إمكانية تكرر حدوثها بنفس النسق التضحوي المتميز.
ظاهرة سعيد بن عبد الله الحنفي أو ظاهرة التضحية من أجل القيادة
فقد عمد سعيد هذا أن يكون درعا للإمام الحسين عليه السلام يتلقى الحتوف من خلال السيل الجارف للسهام التي وجهها القوم للإمام مستغلين انشغاله بالصلاة, ووجد سعيد فرصة التضحية حاضرة بدفعه لتلك السهام وتلقيه جرعات الموت ليكابر عند وقوفه وتحمله ما يحل به ثم بعد الانتهاء من الصلاة يتلقى الإمام الحسين صوت سعيد الخافت ليقول للإمام: أوَفيت يابن رسول الله؟ فكأنه يستأذن بالسقوط على الأرض, فيقول له الإمام: نعم أنت أمامي في الجنة.
هذه الظاهرة وهي فداء القائد والتضحية من أجله تميزت بها القضية الحسينية كظاهرة, وهي تدل على قناعة بل يقينية القاعدة بقيادتها.
ظاهرة عابس الشاكري أو ظاهرة الوقوع على الموت
معنى الوقوع على الموت أن يجعل الإنسان نفسه وقفا على التضحية والفداء من أجل تحقيق الغاية بأقصر الطرق, وبمعنى آخر أن حالة الإذعان للقضية يجعل الإنسان متلهفا لملاقاة اشد النتائج وأوقعها بكل طمأنينة بل بكل شوق.
وظاهرة عابس الشاكري تلخص بهذا الموقف
وأقبل عابس بن شبيب الشاكري على شوذب مولى شاكر وكان شوذب من الرجال المخلصين وداره مألف للشيعة يتحدثون فيها فضل أهل البيت.
فقال: يا شوذب ما في نفسك أن تصنع؟
قال: أقاتل معك حتى أُقتل, فجزّاه خيرا وقال له: تقدم بين يدي أبي عبد الله عليه السلام حتى يحتسبك كما احتسب غيرك وحتى احتسبك, فان هذا يوم نطلب فيه الأجر بكل ما نقدر عليه, فسلم شوذب على الحسين عليه السلام وقاتل حتى قتل.
فوقف عابس أمام أبي عبد الله عليه السلام وقال: ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد اعز علي منك ولو قدرت أن ادفع الضيم بشيء أَعزّ عليَّ من نفسي لفعلت, السلام عليك, أشهد أني على هداك وهدى أبيك.
ومشى نحو القوم مصلتا سيفه وبه ضربة على جبينه فنادى: الا رجل؟ فأحجموا عنه لأنهم عرفوه أشجع الناس, فصاح عمر بن سعد: ارضخوه بالحجارة, فرمي بها فلما رأى ذلك ألقى درعه ومغفره وشد على الناس, وانه ليطرد اكثر من مائتين, ثم تعطفوا عليه من كل جانب فقتل. (مقتل الحسين عليه السلام للسيد عبد الرزاق المقرم:303).
فإلقاء الدرع والمغفرة حالة من حالات "التبرع" في آليات الدفاع عن النفس والتنازل عنها مقابل ان يطمع العدو "الجبان" في منازلته وهذه الحالة ساعدت الأعداء أن يقاتلوا عابساً حينما تخلى عن كل آليات الدفاع ليسهل - في نظر الأعداء- قتله, وهذه الظاهرة هي من ظواهر الوقوع على الموت نتيجة لحالة اليقين التي وصل اليها عابس في قضيته وقناعته في صحة ما هو عليه دون تردد, بل بإقدام يعد من أشجع الظواهر التي تابعناها في دراستنا هذه.
ظاهرة واضح وأسلم وظاهرة فناء الذات
وهي ظاهرة تعني إلغاء الذات من اجل بقاء الهدف, أو فناء الذات لبقاء الأسمى. وبمعنى آخر أن يلقي الإنسان ذاته من اجل البقاء على الهدف الأسمى أو تحقيقه.
وتتلخص في ظاهرة واضح وأسلم كما وردت في المقاتل هكذا:
كان واضح غلاما تركيا شجاعا قارئا, وهو مولى للحارث المذحجي السلماني, وقد أبلى في كربلاء بلاء حسنا.
ولما صرع واضح التركي استغاث بالحسين عليه السلام, فأتاه أبو عبد الله عليه السلام واعتنقه وهو يجود بنفسه فقال: من مثلي وابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واضع خده على خدي, ثم فاضت نفسه الطاهرة. (مقتل العوالم:91).
ومشى الحسين إلى أسلم مولاه واعتنقه وكان به رمق فتبسم وافتخر ومات (مقتل الحسين عليه السلام للسيد عبد الرزاق المقرم: 301).
ولو وضعنا خطاً تحت مادة "تبسم" وتحت مادة "افتخر" لوجدنا أن ظاهرة إلغاء الذات من أجل الذات الأسمى تبرز من خلال هاتين المادتين, ونحتاج إلى إضافة مقولة واضح حينما يعتنقه الإمام الحسين عليه السلام ليقول «من مثلي وابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واضع خده على خدي» تبرز لدينا ظاهرة الإلغاء الكامل للذات ليتحقق لنا الهدف الأسمى, وهذه ظاهرة لابد من توفرها في مواقف تحقيق الهدف, إذ لم يشعر واضح انه أقدم على الموت وأهدى نفسه للفناء مقابل بقاء الأسمى وهو الإمام, بل لم يصل إلى حالة التفضل التي يُشعرها به موقفه التضحوي بل شعر بالإلغاء لموقفه ومن ثم لذاته التي لا ينظر في هذه اللحظة إلا إلى الذات الأسمى وهو الحسين عليه السلام فهو يفتخر ان يكون الحسين عليه السلام قد أبدى له القبول والرضا بما فعله عند مصرعه.
إرسال تعليق