مقتل بعض علماء أهل السنة وطرد بعضهم بسبب تحديثهم ببعض فضائل أهل البيت عليهم السلام

بقلم: الشيخ وسام البلدواي

نود فيما يلي أن نستعرض للقارئ الكريم بعض الأساليب الإرهابية والتعسفية التي استخدمت ضد كثير ممن حاول أن يروي أو يصنف أو يصحح فضائل أهل البيت عليهم السلام، حتى صار كثير من علماء أهل السنة يخافون على أنفسهم القتل والتشريد والتهجير والحبس، فكانت نتيجة ذلك ان اعرض كثير منهم عن الإخراج أو التصحيح لكثير من الروايات والأقوال النبوية التي روت فضائل أهل البيت عليهم السلام في كتبهم، لان من يروي أو يصحح أو يجمع طرق حديث الطير أو الغدير مثلا فلسوف يرمى بالتشيع أو الرفض فيضرب ويحبس في داره إن لم يقتل ويستباح دمه، وعلى هذه الحقيقة شواهد كثيرة منها:

  طردهم ابن السقا وغسلهم موضعه بسبب تحديثه برواية الطائر المشوي  
روى الذهبي في غير كتاب من كتبه قصة طرد ابن السقاء من تلامذته وطلابه من المسجد، لأنه حدثهم بحديث الطائر المشوي، فلم تنشرح قلوبهم لهذا الحديث ومحتواه، ولم يكتفوا بطرده حتى غسلوا مكانه الذي كان يجلس عليه، لاعتقادهم بان ابن السقا قد خرج عن الدين وصار نجسا وقد تنجس مكانه فاستوجب عليهم غسله وتطهيره، وقد ذكر الذهبي هذه القصة في كتابه (تذكرة الحفاظ) بعد تعريفه بشخصية ابن السقا ومنزلته العلمية بقوله: (ابن السقاء الحافظ الإمام محدث واسط أبو محمد عبد الله بن محمد بن عثمان الواسطي...وقال علي بن محمد الطيب الجلابي في تاريخه: ابن السقاء من أئمة الواسطيين والحفاظ المتقنين...واتفق انه أملى حديث الطير فلم تحتمله نفوسهم فوثبوا به وأقاموه وغسلوا موضعه فمضى ولزم بيته فكان لا يحدث أحدا من الواسطيين، فلهذا قل حديثه عندهم). (تذكرة الحفاظ للذهبي ج3 ص965 ــ 966، وراجع أيضا: سير أعلام النبلاء للذهبي ج16 ص352).

  باء: خوف الحاكم النيسابوري وتخفيه في داره بعد كسر منبره لأنه حدث بحديث الطير وغيره  
روى الحاكم النيسابوري عدة فضائل من فضائل الإمام أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه وصححها، وانتقد أصحاب الحديث وعاب عليهم عدم إخراجها في كتب الصحيح، منها حديث المنزلة، وحديث الطائر المشوي، وغير هذه الأحاديث، لكن علماء أهل السنة ومحدثيهم أنكروا عليه وبشدة إخراجه مثل هذه الأحاديث التي تضرهم وتحرجهم ولا تنفعهم، ولم يلتفتوا إلى أقواله وتصحيحاته ورموه تارة بأنه من المتساهلين في الرواية، ورماه بعضهم الآخر بالتشيع، وشنع عليه البعض الآخر بأنه رافضي خبيث، حتى بلغ به الحال أن حوصر إعلاميا واجتماعيا، وهيجت عليه هذه الأقوال وغيرها رعاع الناس وسفهاؤهم من أنصار الأمويين ومحبي أعداء أهل البيت عليهم السلام.

فهوجم بعد أن كثرت عليه الاعتراضات والتحريض من بعض المخالفين بسبب إخراجه لتلك الأحاديث، وحطموا منبره الذي كان يجلس عليه للتحديث والرواية، وهرب منهم وبقي متخفيا في بعض المنازل خوف القتل والأذى، وقد ذكر الخطيب البغدادي سبب هذه الفتنة بقوله: (جمع الحاكم أبو عبد الله أحاديث زعم أنها صحاح على شرط البخاري ومسلم يلزمهما إخراجها في صحيحيهما، منها حديث الطائر «ومن كنت مولاه فعلي مولاه» فأنكر عليه أصحاب الحديث ذلك ولم يلتفتوا فيه إلى قوله، ولا صوبوه في فعله). (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج 3 ص 94).

وقد روى قصة تخفيه وخوفه غير واحد من المؤرخين والمحدثين منهم ابن كثير في كتابه (البداية والنهاية) حيث قال: (وقال محمد بن طاهر المقدسي: قال الحاكم: حديث الطير لم يخرج في الصحيح وهو صحيح، قال ابن طاهر: بل موضوع لا يروى إلا عن أسقاط أهل الكوفة من المجاهيل، عن أنس، فإن كان الحاكم لا يعرف هذا فهو جاهل، وإلا فهو معاند كذاب. وقال أبو عبد الرحمن السلمي: دخلت على الحاكم وهو مختف من الكرامية لا يستطيع يخرج منهم، فقلت له: لو خرجت حديثا في فضائل معاوية لاسترحت مما أنت فيه فقال: لا يجيء من قبلي ــ الصحيح من قلبي وليس من قبلي ــ، لا يجئ من قبلي). (البداية والنهاية لابن كثير ج 11 ص 409).

وقال الذهبي في (تاريخ الإسلام): (وكان منحرفا غاليا عن معاوية وأهل بيته، يتظاهر به ولا يعتذر منه. فسمعت أبا الفتح سمكويه بهراة يقول: سمعت عبد الواحد المليحي يقول: سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: دخلت على أبي عبد الله الحاكم وهو في داره لا يمكنه الخروج إلى المسجد من أصحاب أبي عبد الله بن كرام، وذلك أنهم كسروا منبره ومنعوه من الخروج، فقلت له: لو خرجت وأمليت في فضائل هذا الرجل شيئا لاسترحت من هذه المنحة. فقال: لا يجيء من قلبي، لا يجيء من قلبي). (تاريخ الإسلام للذهبي ج 28 ص 132).

  جيم: مقتل النسائي بسبب تأليفه لكتاب (خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب)  
وليس ما فعل بابن السقا وبالحاكم النيسابوري بعجيب، لان القوم ومتعصبيهم قد فعلوا بالنسائي أشد من ذلك وأعظم، فقد شنع عليه بسبب تأليفه لكتاب الخصائص الذي جمع فيه الفضائل الخاصة بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقط، وكثر عليه السؤال من قبل علماء أهل زمانه، كما نقل ذلك المزي بقوله في (تهذيب الكمال): (وسمعت قوما ينكرون عليه كتاب «الخصائص» لعلي رضي الله عنه وتركه لتصنيف فضائل أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، ولم يكن في ذلك الوقت صنفها). (تهذيب الكمال للمزي ج 1 ص 338).

أقول: والله لو أن النسائي صنف كتابا مستقلا في فضائل عمر أو عثمان أو أبي بكر وغض الطرف عن ذكر الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، لما أنكر عليه المنكرون ولا شنع عليه المشنعون ولا عاتبه احد من أهل زمانه في إغضائه وعدم ذكره لعلي بن أبي طالب وعدم تأليفه كتابا فيه، ولكنها العصبية العمياء قاتلها الله وقاتل من ينتهجها ويؤمن بها.

فكان النسائي يجيب المعترضين عليه بقوله الذي نقله أبو بكر المأموني حيث قال: (سألته عن تصنيفه كتاب الخصائص فقال دخلت دمشق والمنحرف بها عن علي كثير وصنفت كتاب الخصائص رجاء أن يهديهم الله). (تهذيب التهذيب لابن حجر ج 1 ص 33).

لكن هذا الجواب لم يقنع المتعصبين واستمرت عليه الضغوطات بحسب الظاهر مما اضطره اختيارا أو إجبارا إلى كتابة كتاب آخر أسماه (فضائل الصحابة)، ولكن المتعصبين لم يكتفوا منه بهذا القدر من التنازل والاعتذار، حتى طلبوا منه أن يكتب في فضائل معاوية بن أبي سفيان، حتى لا يكون لعلي فضائل وليس لمعاوية مثلها، لان ذلك انتقاص لمعاوية وإعلاء لشأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فلما رفض إعطاءهم سؤلهم والنزول عند رغباتهم ضربوه ضربا مبرحا أمرضه وأدى به إلى الوفاة، قال أبو بكر المأموني بعد كلامه المتقدم: (ثم صنف بعد ذلك كتاب فضائل الصحابة وقرأها على الناس وقيل له وأنا حاضر ألا تخرج فضائل معاوية فقال أي شيء أخرج اللهم لا تشبع بطنه وسكت، وسكت السائل).( تهذيب التهذيب لابن حجر ج 1 ص 33).

لكن هذا السكوت كان بمنزلة الهدوء الذي يسبق العاصفة، فقد طولب مرة أخرى بذكر فضائل معاوية بن أبي سفيان وروايتها وبعد رفضه للانصياع حدثت الفضيحة، قال الحاكم أبو عبد الله الحافظ: (سمعت علي بن عمر يقول: كان أبو عبد الرحمان النسائي أفقه مشايخ مصر في عصره، وأعرفهم بالصحيح والسقيم من الآثار، وأعلمهم بالرجال، فلما بلغ هذا المبلغ حسدوه فخرج إلى الرملة، فسئل عن فضائل معاوية، فأمسك عنه، فضربوه في الجامع. فقال: أخرجوني إلى مكة، فأخرجوه إلى مكة وهو عليل، وتوفي بها مقتولا شهيدا). (تهذيب الكمال للمزي ج 1 ص 338 ــ 339).

وقال ابن كثير: (وقال الدارقطني: كان أفقه مشايخ مصر في عصره، وأعرفهم بالصحيح من السقيم من الآثار، وأعرفهم بالرجال، فلما بلغ هذا المبلغ حسدوه فخرج إلى الرملة، فسئل عن فضائل معاوية فأمسك عنه فضربوه في الجامع، فقال: أخرجوني إلى مكة، فأخرجوه وهو عليل، فتوفي بمكة مقتولا شهيدا، مع ما رزق من الفضائل رزق الشهادة في آخر عمره). (البداية والنهاية لابن كثير ج 11 ص 141).

وقال ابن كثير في موضع آخر: (أنه إنما صنف الخصائص في فضل علي وأهل البيت، لأنه رأى أهل دمشق حين قدمها في سنة ثنتين وثلاثمائة عندهم نفرة من علي، وسألوه عن معاوية فقال ما قال، فدققوه في خصيتيه فمات. وهكذا ذكر ابن يونس وأبو جعفر الطحاوي: أنه توفي بفلسطين في صفر من هذه السنة). (البداية والنهاية لابن كثير ج 11 ص 141).

  من هنا ومن خلال هذه الشواهد العديدة نفهم أمرين مهمين:  
  الأول:   ان من يحاول الخروج عن الاعتقاد المألوف والمتداول عند أهل السنة يواجه بالضرب والإقصاء بل والقتل، لذلك لا نجد كثيراً من علمائهم يصرحون بكثير من الأحاديث الصحيحة عن أهل البيت وفضائلهم وأفضليتهم على غيرهم مع معرفتهم بها، خوفا من التيار الجماهيري الذي يمكن أن يثور عليه ويتصرف بطريقة تؤدي إلى قتله أو تهجيره أو إلحاق ضرر بالغ به أو بذويه.
  الثاني:   ان هذا التعامل القاسي والرهيب كانوا يتعاملون به مع علمائهم ومحدثيهم وحفاظهم من أهل ملتهم ومذهبهم وطريقتهم، فكيف كانوا يتعاملون يا ترى مع مخالفيهم ومعارضيهم ومن لا يشاركونهم في كثير من الأمور المشتركة كالشيعة الإمامية وغيرهم، فمن هنا نعلم مدى قسوة تلك الأزمنة المظلمة، ومدى الاضطهاد والتعسف والإرهاب الفكري والاجتماعي الذي مورس ضد محدثي الشيعة الإمامية وسائر أتباع أهل البيت عليهم السلام، والذي لا يزال مستمرا إلى يوم الناس هذا.

1 التعليقات:

علي الكاتب

اللهم صلي على محمد واله الاطهار ....
والحمد لله الذي هدانا للولايه ونسأل الله العلي العظيم ان يثبتنا على ولاية امير المؤمنين علي ابن ابي طالب عليه السلام وان يخزي اعداء الله واعداء رسول الرحمه محمد صلى الله عليه واله وسلم واعداء اهل بيت المصطفى عليهم افضل الصلاة واتم التسليم ..
موضوع ممتاز .. مع العلم بأننا نعلم بأن الذين يبغضون علي عليه السلام هم ابناء زنا كما قال محمد صلى الله عليه واله ... وبارك الله فيكم

تعليق

إرسال تعليق