كيف لزيارة المعصومين أن تؤتي ثمارها في نفس الزائر

بقلم: الشيخ جميل الربيعي
لا يمكن أن تترك الزيارة أثرها إلا إذا توفرت في المؤمن الزائر شروط عديدة نذكر أهمها:

 الشرط الأول:   الإيمان بدور المزور في قوة علاقته بالله جل جلاله، وكونه من عباده الصالحين، أو من أوليائه المخلصين، أو أنبيائه المرسلين، فإذا كانت الزيارة عن إيمان عميق، واعتقاد سليم، ويقين قاطع لا تردد فيه تركت في نفس الزائر أعمق الآثار الطيبة، حيث يرجع الزائر ونفسه طافحة بالنور، والبصيرة، والعزيمة والرجاء، خاضعاً خاشعاً متوسلا بالله جل جلاله قائلاً:«اللهم إني تعرضت لزيارة أوليائك رغبة في ثوابك، ورجاء لمغفرتك، وجزيل إحسانك، فأسألك أن تصلي على محمد وآله الطاهرين، وأن تجعل رزقي بهم داراً وعيشي بهم قاراً، وزيارتي بهم مقبولة، وحياتي بهم طيبة، وأدرجني إدراج المكرمين واجعلني ممن ينقلب من زيارة مشاهد أحبائك مفلحاً منجحاً قد استوجب غفران الذنوب والستر العيوب، وكشف الكروب، إنك أهل التقوى والمغفرة». (مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمي، بعد زيارة العباس عليه السلام).
وبعد زيارة عاشوراء يقول الزائر: «انقلبت يا سيدي عنكما تائباً حامداً لله شاكراً راجياً للإجابة غير آيس ولا قانط».

 الشرط الثاني:   المعرفة الواعية المعمقة بدور المزور، ومعرفة أبعاد شخصيته الرسالية، وموقفه من الحياة الدنيا، وهذا الشرط هو الشرط الأساسي في تأثير الزيارة في نفس الزائر وبهذا وردت أحاديث كثيرة نذكر منها:
فعن بن عباس قال: «دخلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والحسن على عاتقه والحسين على فخذه يلثمهما ويقبّلهما ويقول:اللهم والي من والهما وعاد من عاداهما. ثم قال: يا ابن عباس كأني به وقد خضبت شيبته من دمه يدعو فلا يجاب ويستنصر فلا ينصر. قلت: فمن يفعل ذلك يا رسول الله؟ قال: شرار أمتي ما لهم لا أنالهم الله شفاعتي. ثم قال: يا ابن عباس من زاره عارفاً بحقه كتب له ثواب ألف حجة وألف عمرة....». (بحار الأنوار للمحدث المجلسي: 36/286).
وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: «من زار أمير المؤمنين عارفاً بحقه غير متجبر ولا متكبر كتب الله له أجر مائة ألف شهيد وغفر الله له....». (المصدر نفسه: 59/176).
وعن الصادق عليه السلام أيضا قال: «من أتى الحسين عارفاً بحقه كتبه الله في أعلى العليين» وفي رواية أخرى «في عليين». (المصدر نفسه: 100/70).

 الشرط الثالث:   تجاوز الجانب الذاتي إلى الجانب الرسالي: ونقصد بذلك أن يتوجه المؤمن في الزيارة لا لقضاء مصلحة شخصية ذاتية تتعلق به؛ وإنما يزور ليعمق إيمانه بالمُرْسِل والرسالة، والرسول، ولكن مع الأسف الشديد أن الجانب الذاتي في الزيارة هو الغالب في معظم الزائرين كما نراه عند الأغلب من الناس. يروي العارف الطهراني عن شيخه السيد هاشم الحداد إنه كان يقول: «أرى الناس في جميع المشاهد المشرفة يلصقون أنفسهم بالضريح، ويضرعون باكين بالدعاء، فيقولون: أضف إلى خرق لباسنا المتهرئ ليصبح أثقل وليس هناك من يقول: خذ هذه الخرقة مني؛ ليخف كاهلي؛ وليصبح ردائي أبسط وألطف وأرق!». (محمد حسين الطهراني، الروح المجرد: 261).

 الشرط الرابع:   التخلق بخلق المزور ما لم يتخلق الزائر بأخلاق من يزوره، أو يحاول على الأقل أن يكتسب شيئاً من خلقه فلا تعد زيارته ذات جدوى... ولهذا ينبغي للزائر أن يقف على سيرة من يزوره من أولياء الله جل جلاله، أو أنبيائه ورسله، ليحاول أن يحيا حياته ويموت موته بالسير على هداه.
«اللهم اجعلني في مقامي هذا ممن تناله منك صلوات ورحمة ومغفرة، اللهم اجعل محياي محيا محمد وآل محمد، ومماتي ممات محمد وآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم». (ابن قولوية، كامل الزيارات).

 الشرط الخامس:   أن يبذل جهده في تخليص نيته من كل شائبة غير التقرب لله تعالى، وتحصيل رضاه، وليحاول في جعل كل خطوة يخطوها، وكل كلمة ينطق بها خالصة لوجه الله وهذا الشرط من أهم الشروط التي تحقق للإنسان السمو والرفعة بالقرب من الله تعالى فإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى وعلى هذا جاء التأكيد في أحاديث أهل البيت عليهم السلام.
فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: «من زار قبر الحسين وهو يريد الله عز وجل، شيعه جبريل وميكائيل وإسرافيل حتى يرد إلى منزله». (المحدث المجلسي، بحار الأنوار: 101/20).
وقال عليه السلام: «من زار قبر الحسين لله وفي الله أعتقه الله من النار، وآمنه يوم الفزع الأكبر، ولم يسأل الله حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا أعطاه». نفس المصدر السابق).

 الشرط السادس:   رعاية الأدب في لقاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو أحد خلفائه وأوصيائه في التواضع والاحترام، والخشوع، والحب، والشوق، فلقاؤه عند قبره كلقائه حياً؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من زارني بعد وفاتي كمن زارني في حياتي». (المصدر نفسه: 100/143).
وفي حديث آخر: «من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي». (السبكي، شفاء السقام في زيارة خير الأنام: 89).
وعلى ضوء هذه الأحاديث المروية من طريقي السنة والشيعة يجب على الزائر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو أحد أهل بيته الطاهرين عليهم السلام أن يراعي أدب الزيارة واللقاء، مراعاة للجو الروحي الرفيع الذي يصنعه حضور رسول الله في المجلس وللموقع الذي يمثله الرسول في ساحة الرسالة مما يفرض على الحاضرين حوله أن يغضوا أصواتهم عند الحديث معه، أو مع بعضهم البعض؛ ليحصلوا على الاستيعاب الفكري والروحي لكلماته فيما يعظهم به أو يوجههم إليه، أو يخطط لهم من سبل، أو يفتح لهم من آفاق مما يحتاج إلى الكثير من الهدوء الذي يحتاجونه فيما يسمعون ويتعلمون، أو فيما يريد الآخرون من الحضور أن يستمعوا إليه، ويرتفعوا به ويتعلموه من كلامه.
ولهذا «ينبغي للزائر أن يكون واقفاً وقت الزيارة كما هو الأليق بالأدب، فإذا طال فلا بأس متأدّباً جاثياً على ركبته، غاضاً لطرفه في مقام الهيبة والإجلال، فارغ القلب مستحضراً بقلبه جلالة موقفه وأنه صلى الله عليه وآله وسلم حي ناظر إليه ومطلع عليه». (العلامة الأميني، الغدير: 5/134).
وعند جمهور المسلمين «يتوجه إلى القبر الكريم مستعيناً بالله في رعاية الأدب في هذا الموقف العظيم فيقف متمثلاً صورته الكريمة في خياله بخشوع وخضوع تامَيْن بين يديه صلى الله عليه وآله وسلم... عالم بحضوره وقيامه وزيارته، وأنه يبلغه سلامه وصلاته». (العلامة الأميني، الغدير: 5/134).
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

إرسال تعليق