نهضة الحسيــن (عليه السلام) سر الحياة الخالد

بقلم: السيد محمد جواد الطباطبائي

نهضة الحسين (عليه السلام) اذا حللناها نجدها في الحقيقة شعلة النبوة المقدسة بالفطرة الغالية الفذة ورموز العالم المجهول، فهي روح الهي نفخت في طبيعة بشرية ومعنى لاهوتي في حروف من اشباح الوجود في الناسوت لها سر الحياة الخالدة وهي حتى الان وان لم تتضح في ظاهرها او ظاهرات محدودة، ولم تتحد مهما بالغوا في تحديها كما لو وضعت عليه اليد فلم تزل تغزو القلوب وتقتحم الى النفوس من مناطقها الخفية وتسيطر على فضاء الشعور النفسي .

فهي عظة من التاريخ ولكن تجمع  التاريخ كله، فليس معناها في حدود ما وقعت من الزمان والمكان بل حدودها حيث لا تتسع لها حدود وتقصر عنها الاخيلة وتنحسر التصورات، وفي اخصر عبارة هي دروس إلهية وتعاليم روحية والتضامن الاجتماعي الصحيح وتحطيم القوة الغاشمة والسياسة الجبارة للاستعباد البشري وحفظ لكيان الحرية في العقيدة والمبدأ وارجاع الحق الى نصابه.

 ايقاف للفضائل في نقطتها المركزية الخالية عن كل افراط وتفريط، غالبة في صورة المغلوبية، فاتحية في ثوب الانكسار والتدهور هدم وبناء، هي كل الفضائل وكلها الفضائل ففيها القدوة الصالحة وفيها المثل الاسمى للانسان الكامل والصراط السوي للمسلم القرآني.

 امتازت عن النهضات التاريخية الآخر بانها تقع في مضاعفات كبيرة تجمع شتى الصور بحيث تعطي في كل صورة انسانية دقيقة، واذا وفق العلم بعض التوفيق الى تحليل الحوادث التاريخية جمة الفضائل التي تجئ في لون واحد ووضع واحد فانه لم يوفق حتى الان لتحليل هذا النوع من الحادثة المتضاعفة او المركبة التي تستند على اوضاع وتقويم في عدة صور سرية، لكل منها شكل اخاذ ونفوذ عميق بعيد الغور لأن فيها ما توزع في الجماعة على مثل البلور، تجمع خيوط النور وتضمها في بؤرة لتعكس شكلاً متجانساً من اشكال متفاوتة هذه النهضة لا تقاس بغيرها مما يقوم صاحبها على شهوات النفوس والمطامع الدنية.

 هذه نهضة يقوم فيها صاحبها على اسم الله ويمضي على اسم الله ويموت على اسم الله. تسمو به الغاية ويعلو به الهدف، هو هدف ولكن ليس من شهوات النفوس وغاية ولكن ليست كمثلها الغايات غاية تحقر كل ما في الحياة من اشيائها، ولا ترى سوى الملكوت الاعلى هدفاً وسوى السماء مستقراً. لان مهدها فلا بدع ان حنت اليه وطلبت اللحاق به فللناس اوطانهم وللناس حنينهم، وكان الحسين (عليه السلام) على علم من انهُ هو الظافر الفاتح انه الغالب وان كان مغلوباً وقد صرح بنفسه في كتابه الى بني هاشم وذلك لما فصل متوجهاً الى العراق امر بقرطاس وكتب:

(بسم الله الرحمن الرحيم) من الحسين بن علي الى بني هاشم اما بعد فان من لحق بي منكم استشهد ومن تخلف عني لم يبلغ الفتح والسلام. واشارت اليه اخته الحوراء زينب في مجلس يزيد بقولها: (اظننت يا يزيد حيث اخذت علينا اقطار الارض وآفاق السماء فاصبحنا نساق كما تساق الإماء ان بنا هواناً عليه وبك عليه كرامة فوالله ما فريت الا جلدك ولا حززت الا لحمك فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا ولا تدرك امدنا).

 اجل زعم يزيد انه قتل الحسين (عليه السلام) فاخمد ذكره واطفأ نوره ولكن ما درى انه اوجد بكل قطرة من دم الحسين حسيناً آخر.

كذب الموت فالحسين مخلد   ****    كلما اخلق الزمان تجدد

إرسال تعليق