كربلاء وحـي الكرامة والاباء والعزة

بقلم: الشيخ علي الشرقي - رئيس مجلس التمييز الجعفري



لولا الوحي لما اضاءت جوانب هذا العالم وظل الانسان يتخبط في ديجور دامس فبالوحي عرفت البداية وفكر بالنهاية وبه سمى الانسان الى عالم الكمال والجمال والنبل والشرف.
وسرج الوحي في هذا الشرق كثيرة اما مهبط الوحي في بلاد العرب فهو الحجاز اولاً والعراق ثانياً بدأ في مكة المكرمة والمدينة المنورة ثم لعلع ساطعاً في العراق يضيء الملك وينور الطريق ان هذه القباب التي نجمت اطراف العراق في النجف وكربلاء وغربي بغداد وسامراء مهابط وحي ومنائر ارشاد واذا كانت معاجز الانبياء قبل الاسلام معاجز مؤقتة مثل طير ابراهيم وعصا موسى وحمل مريم بعيسى ومهده او كلامه في المهد فان معجزة الاسلام دائمة خالدة تتجدد بتجدد الزمن واهل الزمن.

القرآن الكريم معجزة خالدة وان الامكنة المقدسة من مكة والمدينة والنجف وكربلاء والكاظمية وسامراء وان شهر محرم الحرام غرته وعاشره فهذه كل هذه كانت ولاتزال بالوحي والوعي. ان ضحوة العاشر من محرم وليلته اوحت ما اوحت للعالم من الكرامة والاباء والعزة النفسية والدينية ومن النبل والشرف والتضحية الغالية في سبيل مبدأ الحق وما يستهدفه من سمو وصلابة يالها من ليلة وضحوة ما اعز وما اشرف لقد خلفت من الامجاد والطوبيات والامثولة الحسنة مالم تخلفه الوف السنين اين الموهوب الذي يستوحي مما قال ومما فعل أولئك النفر البيض في تلك الليلة الرهيبة وضحوتها فيسجله كتابا ابيضاً لحملة المبادئ السامية وعباقرة الادب الاجتماعي والاصلاح العام اشتد الملك في ليلة العاشر من محرم سنة 60 للهجرة فلمعت سرج الليل من تلك الوجوه الكريمة ولعلعت نجوم المزايا من شمائل اولئك الاحرار مستبسلين للتضحية مستبشرين بان يصبحوا قرباناً للحق والشرف والحرية فلم يشهد التاريخ العربي مجموعة نفيسه من الافذاذ مثل هذه المجموعة التي تباهت حتى العبد الاسود منها وتسابقت بكريمات المزايا للاعمال الخالدة واوابد الكلم الطيب في ليلة واحدة من الحياة واثقين ان لا ليلة لهم بعدها انقسموا كوكبتين انصاراً واهل بيت يتنافسون على المسابقة الى الموت الزؤآم فالاهل يقولون لا نترك اصحابنا يتقدمونا الى القتال لأن الحمل الثقيل لا ينهض به الا اهله والانصار يقولون بل نحن نتقدم حتى لا نرى هاشمياً مضرجاً بدمائه وبهذه النخوة الصادقة يتسابقون الى الشمم والشيم العالية هذا يخاطر بالدعوة نافذاً الى معسكر الاعداء لارشاد بني عشيرته في الانضمام الى معسكر الحق والأخذ بنصيب من شرف التضحية وهذا يطلق عقيلته هاتفين معه امام مخيم العلويات نحن انصاركم آلينا ان لا يصل العدو الى هذا الحرم المنيع وفينا عرق ينبض فللتضحية دونكم فارقنا عشائرنا وطلقنا حلائلنا وهذا يصلح سيفه قائلاً له بحماس:

أيها الصارم استعد جواباً **** لسؤال اذا العجاج اثيرا

ولما طلعت غزالة اليوم الرهيب تكشف الصدف عن الدر وعرف الحق اهله وانتفخت العروق بالدم الحر وفاحت شمائل الكرام وتمثل المجد والنبل وصدق المبدأ بارزاً بالقول والعمل فهذا يقف درية دون سيده يتلقى السهام حتى يتكور جسده بالنبال وتبلغ روحه التراقي فينعطف بجيده نحو سيده قائلاً أوفيت ياسيدي وهذا يقف عليه اخوه البطل المشيح وهو مثخن بالجراح فيقول له مترفقاً رحمك الله يا اخي لولم اعلم اني على الاثر لأجبت ان توصي الي بما يهمك فينبس الشهيد المحتضر اوصيك بهذا ويومي الى الحسين دافع عنه حتى تموت فيجيبه مبتهجاً لأنعمك عيناً بمثل هذه المكارم.

أستئثروا بالردى من دون سيدهم **** قصداً وما كل إيثار به الأرب

حتى عقائلهم الكريمة تسابقن للفداء والتضحية فهذه تدفع السلاح لولدها وتشد عزمه وتستفز حفيظته وتلك تتقدم بنفسها الى الميدان وقد عدمت السلاح فتشد بعمود البيت واخرى تمتنع على زوجها من الرواح الى اهلها قائلة لزوجها الكريم شاركتم الرجال فدعونا نشارك النساء فيقول زوجها للقائد سيدي ابت الأسدية الا مشاركتكم فتلك الليلة وضحوتها صفحات وهي خالدة مع الزمن يستلهم منها الاحرار في كل جيل احسن الالهام اما سيدهم فقد ضم المجد من اطرافه وانتفض للحق ببأس حمزة وهيبة احمد وبشجاعة علي اكرم بها من مواريث واكرم به من وارث تقدم وهو المكسور يجلجل بصوته صوت الحق (ان كان دين محمد لم يستقم الا بقتلي ياسيوف خذيني) وشعاره لا اعطي بيدي اعطاء الذليل نفوس أبيه وانوف حميه تقعد بنا عن الدنيه.

واذا كانت زيارة المشاهد المقدسة يقصد بها ان يتمثل الزائر مبادئ ومناقب ذلك الروح المرفرف في سماء ذلك المشهد المقدس حتى يتأثر ويقتدي بها توحي قباب كربلا من المثل العليا للطائفين بها وكم توحي القباب المتوجة للنجف وبقية المشاهد.

إرسال تعليق