كيف يكون علم النبي مطلقاً وهو يتعلم من جبرئيل كثيراً من المسائل؟

بقلم: الشيخ صباح عباس حسن الساعدي

المفترض أن يكون علمه صلى الله عليه وآله وسلم حاضراً أيضاً، وغير معلق على المشيئة أو غيرها، مع أن هناك بعض الروايات تدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتعلم بعض الأُمور من جبرائيل عليه السلام، ويُسأل في بعض الوقائع عن أشياء، فيطرق برأسه، حتى يأتيه الجواب من السماء، فيبطئ عنه الجواب في بعضها، وهذا يعني أن النبي لم يكن مستحضراً للجواب، أو قل: إنه صلى الله عليه وآله وسلم لا يعلم بهذا الشيء.

الأمر الذي ينتج لنا بطلان النظرية القائلة بان علم النبي صلى الله عليه وآله حضوري ومطلق،وكذلك يثبت بطلان علم باقي الائمة عليهم السلام؛ حيث إن من كان أوْلى منهم لم يكن علمه حاضراً، فكيف يكون لمن هو أدون منه مرتبة؟!

وقد ذكر هذه الشبهة الحر العاملي قدس سره، في كتابه الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة، بقوله:«... فإن جبرئيل أعلم منه ومن الأنبياء، ولا أقل من المساواة، فإن علمهم وصل إليهم بواسطته...» [1].

الجواب عن هذه الشبهة


وفي مقام الإجابة عن هذه الشبهة نقول:

الجواب الأول: ليس السؤال دالا على عدم علم السائل دائما، بل لعل له دواع أُخر


 أنه صلى الله عليه وآله وسلم يعلم حقيقة هذه الأشياء، ولكن هذا التعلم ظاهري فقط، وأما واقعاً فالأمر ليس كذلك؛ فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يتعلم من جبرائيل عليه السلام، بل هو عالم بالأشياء من عند الله، أي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما يُسأل عن أمر من أمور العباد، أو واقعة وحادثة من الحوادث الغابرة، ينتظر فيها أمر السماء، فعندما يأتيه الجواب عنها يقول لهم: لقد هبط عليَّ الأمين جبرائيل، وأخبرني بواقع هذا الأمر، أو بحكم هذه الواقعة، أو بما جرى على الأقوام السالفة إلى غير ذلك. وإنما ينتظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك أمر السماء، ولم يجب عنه بمجرد السؤال، مع أنه يعلم بكل شيء - كما دلت عليه الأدلة الكثيرة - لأجل ما اعتاده الناس من نزول الوحي على الأنبياء، وتلقي الأنبياء كل شيء من السماء، وهذا من قبيل علم النبي بالقرآن؛ حيث إنه علم به عندما نزل عليه دفعة واحدة، ومن ثم نزل به جبريل تدريجاً، فإن كل هذه الطرق لأجل الناس، أي: من باب كلم الناس على قدر عقولهم، فليس السؤال دالا على عدم علم السائل دائما، بل لعل له دواع أُخر، لأجلها وقع السؤال، كما سأل علام الغيوب عن أشياء كثيرة من بعض الأنبياء والرسل.

إذاً؛ فهناك غاية لأجلها يظهر صلى الله عليه وآله وسلم أنه يسأل من جبرئيل.

قال اللاري قدس سره في معارفه:«... وعلى ذلك؛ فوساطة جبرائيل في علمهم في هذه النشأة ليس من جهة الجهل والنسيان، بل إنما هو من باب دلالة كثرة الأعوان على عظمة السلطان لا على العجز والنقصان...» [2].

الجواب الثاني


أنه صلى الله عليه وآله وسلم يعلم بما هو الجواب، ولكن تنفيذ هذا الحكم وإعطاءه إلى المكلفين يتوقف على وقت كان معلوماً للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، إلا أنه ينتظر إبراز أمر الله عز وجل إلى عالم الإثبات، وهذا أمر متداول بين العقلاء، فقد يعلم الملك قائد جيشه بوقت القتال، لكنه يأمره بالانتظار إلى أن يصدر القرار أمام الجيش...

ـــــــــــــــ
[1] الحر العاملي، محمد بن الحسن، الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة، ص381.
[2] اللاري، عبد الحسين، المعارف السلمانية، ص139.

إرسال تعليق