مناقشة روايات اتهام الإمام الحسن عليه السلام بأنه مزواج مطلاق ــ الرواية التاسعة ــ

بقلم: الشيخ وسام برهان البلداوي

عن محمد بن سيرين قال: (خطب الحسن بن علي صلوات الله وسلامه عليهما إلى منظور بن ريان ابنته خولة، فقال: والله إني لأنكحك وإني لأعلم أنك غلق طلق ملق غير أنك أكرم العرب بيتا وأكرمهم نفسا، فولد منها الحسن بن الحسن).

هل كان الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه غلقا طلقا ملقا؟


إذا أردنا أن نعرف فداحة الإساءة التي توجهها هذه الرواية إلى شخصية الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه علينا أولا أن نعرف معنى هذه الألفاظ الثلاثة التي ورد ذكرها في الرواية.

فالغلق في كتب أهل اللغة كما يعرفه لنا ابن منظور في لسان العرب بقوله: (ورجل غلق: سيء الخلق)[1]، وقال أيضا: (والغلق الضيق الخلق العسر الرضا)[2]، وقال صاحب مجمع البحرين: (غ ل ق الغلق بالتحريك: ضيق الصدر. ورجل غلق: سيء الخلق)[3].

ثم ان الراوي أراد جهلا أن يستفيد من كلمة طلق ليثبت ان الحسن صلوات الله وسلامه عليه كثير الطلاق للنساء وليجعل من كلمة طلق على نفس وزن الكلمة التي سبقتها وهي غلق، وهو جهل منه لان الرجل الكثير الطلاق لا يقال عنه طلق بل يقال عنه مطلاق أو مطليق أو طليق أو طلقة على وزن همزة.

قال الجوهري في الصحاح: (ورجل مطلاق، أي كثير الطلاق للنساء. وكذلك رجل طلقة مثال همزة)[4]، وقال ابن منظور في لسان العرب: (ورجل مطلاق ومطليق وطليق وطلقة، على مثال همزة: كثير التطليق للنساء)[5].

أما كلمة طلق فقد استعملت في معان لا تدل على ما أراد الراوي إثباته، قال الجوهري: (رجل طلق الوجه وطليق الوجه، ورجل طلق اليدين، أي سمح ورجل طلق اللسان ويوم طلق وليلة طلق أيضا، إذا لم يكن فيهما قر ولا شيء يؤذي. والطلق: ضرب من الأدوية. والطلق: وجع الولادة. والطلق بالتحريك قيد من جلود. والطلق بالكسر: الحلال. وقال: هو لك طلقا. وأنت طلق من هذا الأمر، أي خارج منه )[6]، ومثلما ترى فلا شيء من معاني كلمة طلق يؤدي غرض الراوي وهذا يعني ان الراوي لم يكن على مستوى جيد في اختيار ألفاظ روايته الموضوعة.

وأما كلمة الملق فأوضحها الجوهري في الصحاح بقوله: (ورجل ملق: يعطى بلسانه ما ليس في قلبه)[7] وعن ابن منظور: (ورجل ملق: يعطي بلسانه ما ليس في قلبه، وقيل: الملاق الذي لا يصدق وده. والملق أيضا: الذي يعدك ويخلفك فلا يفي ويتزين بما ليس عنده)[8].

فيصبح معنى الرواية بحسب ما تقدم هكذا: (أنه خطب الحسن بن علي صلوات الله وسلامه عليهما إلى منظور بن ريان ابنته خولة، فقال: والله إني لأنكحك وإني لأعلم أنك سيء الخلق ضيق الصدر عسير الرضا، وانك كثير الطلاق للنساء، وانك تعطي بلسانك ما ليس في قلبك ولا يصدق ودك وتعد وتخلف ولا تفي بما وعدت غير أنك أكرم العرب بيتا وأكرمهم نفسا).

عفوك اللهم وغفرانك فهل توجد إساءة أعظم واكبر من هذه الإساءة، التي أرادوا بها أن يخرجوا الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه من حظيرة الإيمان ويدخلوه في سلك المنافقين حاشاه، لان النفاق كما قال النووي في شرح صحيح مسلم عن النفاق: (النفاق هو إظهار ما يبطن خلافه)[9].

وكما يقول ابن جريج: (المنافق يخالف قوله فعله، وسره علانيته، ومدخله مخرجه، ومشهده مغيبه)[10]، وكل هذه الأوصاف يحويها لفظ الملق فلذلك جاء في الحديث (إياك والملق فإن الملق ليس من خلائق الإيمان)[11] و(ليس الملق من خلق الأنبياء)[12]، فالقوم غاضهم أن يكون أعداء الإمام الحسن من الأمويين والعباسيين من أهل النفاق والمكر وممن وردت الأحاديث الصريحة والكثيرة بلعنهم والحط من شأنهم، فحاولوا ولو بصور ملتوية أن ينزلوا الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه من عليائه ليضعوه في مصاف هؤلاء المنافقين، وأنى لهم ذلك وقد شهد له القران بالطهارة من كل رجس ونزه قلبه عن كل نفاق فقال في حقه وحق أبيه وأمه وأخيه صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وجده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا))[13]، والقران كتاب الله الناطق بالحقائق وهو أولى بالتصديق من أقوال وافتراءات هؤلاء الوضاعين.

وأما كونه صلوات الله وسلامه عليه غلقا بمعنى سيء الخلق ضيق الصدر سريع الغضب فهو مما يضحك الثكلى، وكيف ذاك وهو الذي عرف بعظيم صبره وسعة حلمه وعفوه عن أعدائه قبل أحبائه، فهذا مروان بن الحكم ألعن الخلق وأكثرهم أذى لآل محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين يصف حلم الإمام وعفوه وسعة صدره بانه كان أعظم من الجبل، قال جويرية: (لما مات الحسن بن علي بكى مروان في جنازته فقال الحسين أتبكيه وقد كنت تجرعه ما تجرعه فقال إني كنت أفعل ذلك إلى أحلم من هذا وأشار بيده إلى الجبل)[14]، وقال الحلبي في سيرته: (وكان الحسن رضي الله عنه رجلا حليما لم يسمع منه كلمة فحش)[15]، فكيف يصح أن يوصف من حلمه كالجبال بالغلق وضيق الصدر وسرعة الغضب، اللهم إلا أن يكون القائل مريضَ القلب مبغضاً لريحانة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

وأما كونه صلوات الله وسلامه عليه مطلاقا فقد ثبت إلى الآن وسيثبت أكيدا في صفحات البحث اللاحقة كذب هذه الفرية وان كل الروايات التي حيكت لإثبات هذا الوصف له صلوات الله وسلامه عليه ضعيفة مطعون بها وقد افتعلت لأهداف وأغراض سياسية دنيئة،لا تخدم غير أعداء آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومثل هكذا روايات لا يعول عليها وعلى مضامينها ولا يقبلها منصف عادل.

ـــــــــــــــ
[1] لسان العرب لابن منظور ج 10 ص 292.
[2] المصدر السابق.
[3] مجمع البحرين للشيخ الطريحي ج 3 ص 324.
[4] الصحاح للجوهري ج 4 ص 1519.
[5] لسان العرب لابن منظور ج 10 ص 226.
[6] الصحاح للجوهري ج 4 ص 1517 ــ 1518.
[7] الصحاح للجوهري ج 4 ص 1556.
[8] لسان العرب لابن منظور ج 10 ص 347.
[9] شرح مسلم النووي ج2 ص47، وراجع أيضا الديباج على مسلم لجلال الدين السيوطي ج1 ص79.
[10] تفسير ابن كثير لابن كثير ج 1 ص 50.
[11] ميزان الحكمة لمحمد ري شهري: ج 4، ص 2918، التحذير من الملق.
[12] عيون الحكم والمواعض لعلي بن محمد الليثي الواسطي: ص 409، الفصل الرابع بلفظ ليس.
[13] سورة الأحزاب، الآية: 33.
[14] تهذيب التهذيب لابن حجر ج 2 ص 258 ــ 259، وتهذيب الكمال للمزي ج6 ص235.
[15] السيرة الحلبية للحلبي ج 3 ص 360.

إرسال تعليق