الاختلاف في العام والخاص وأثره في علم التفسير

بقلم: عدي جواد علي الحجار

العام والخاص في اللغة

العام: ما له استطالة, فالعين والميم أصل صحيح واحد يدل على الطُّوْل والكثرة والعلو, ويقولون استوى النبات على عممه أي على تمامه(مقاييس اللغة ج4/15).

والخاص: من خصصت فلاناً بشيء خصوصية بفتح الخاء وهو القياس, وخصّه بالشيء يخصّه خصّاً وخصوصاً وخصوصية، والفتح أفصح، وخصصه واختصه: أفرده به من دون غيره. ويقال: اختص فلان بالأمر وتخصص له إذا انفرد، والعموم بخلاف ذلك. (لسان العرب ج7/24).

العام والخاص في الاصطلاح

واصطلاحاً: «العام كل ما أشير إليه بأدوات العموم كـ"من", "ما", "جميع", "أل التعريف",...إلخ.

فما سبقه بعض الحروف والأدوات والصيغ يكون عاماً, وما لم يسبق بذلك أو استثني منها استثناء, فهو الخاص.

فالعام: لفظ يستغرق ما يصلح له من غير حصر, وله صيغ مخصوصة.

 والخاص بخلاف ذلك: حيث ينتج عنه اختصاص لفرد أو طبيعة من جهة خصوصية.

وبيان ذلك أن الاختصاص افتعال من الخصوص, والخصوص مركب من شيئين أحدهما عام مشترك بين شيئين أو أشياء, والثاني معنى منضم إليه يفصله عن غيره, كـ"ضربُ زيد", فإنه أخصّ من مطلق الضرب فإذا قلت ضربت زيداً أخبرت بضرب عام وقع منك على شخص خاص فصار ذلك الضرب المخبر به خاصاً لما انضم إليه منك ومن زيد(الإتقان: 2 /41 وج2/ 141).

سبب الإتيان بالعموم ومن ثم تخصيصه

ومما لاشك فيه أن بعض ألفاظ الآيات الكريمة ــ لنكتة في أسلوب العرض والبيان, أو بمقتضى مصلحة التدرج في الأحكام, أو لحكمة الإرجاع إلى الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم , أو غير ذلك من المصالح البيانية أو التربوية أو السياسية ــ جاءت في بداياتها على نحو العموم ثم أتى تخصيص بعضها بعد مدّة من طريق الكتاب أيضاً, ومنها ما بقي على عمومه(القطب الراوندي ومنهجه في فقه القرآن: 276).

أهمية مباحث العموم والخصوص

فمباحث العام والخاص مباحث جليلة وثرية بمادتها مما أوقع الاختلاف في كيفية الجمع بينهما فضلاً عن الاختلاف في حدود العام والخاص, مما أعطى مجالاً لتغاير فهوم المفسرين في البحث عن التخصيص ومعالجاته, من عدم جواز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص, وكون العام متبعاً ما لم يتم دليل التخصيص, وكون اللفظ يحتمل شمول أنواع أو أفراد يُحمل على العموم لأنه أعم فائدة, أم لا, وموارد عموم اللفظ وإرادة الخاص أو خصوص اللفظ وإرادة العام.

فقد يرد اللفظ القرآني ويكون اسماً عاماً فيفسر كل من المفسرين هذا الاسم العام بذكر بعض أنواعه لينبه المستمع إليه على سبيل التمثيل لا على سبيل الحد التام المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه, إذ قد يصعب أحياناً تعريف العام بالحد المطلق فيلجأ المفسر إلى التمثيل لهذا العام بذكر بعض أنواعه.

وكذا موارد عطف الخاص على العام ليفيد الاهتمام والتفضيل أو خصوص الخطاب وإرادة العام لأمور, منها: التأكيد, التعظيم, التشريف, التقريع, التغليظ, التنزيه, التغليب, إلى غير ذلك من الموارد.

مثال ذلك اختلافهم في تفسير قوله تعالى: ( وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ). (سورة البقرة: 221).

فهو باقترانه مع قوله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ... سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) شمل بعمومه اليهوديات والنصرانيات.

 إلا أنهن أخرجن من هذا العموم بدلالة قوله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ). ( سورة المائدة: 5).

فخصصت الكتابية من عموم المشركة, وهذا لا خلاف فيه في الجملة, إنما وقع الخلاف في مدى سعة مفهوم العام, ومدى سعة مفهوم الخاص. فتغايرت التفسيرات تبعاً لتغاير أفهام المفسرين في دائرة الخاص في الآية كما اختلفوا في سعة العام الوارد فيها, فمنها أن العام في آية التحريم يمكن أن يحمل على عديدة معانٍ, منها:

1: أهل الأوثان(معاني القرآن: 1/179).

2: كل مشركة من أي أصناف الشرك كانت (معاني القرآن: 1/179).

3: المجوسيات وأهل الأوثان(معاني القرآن: 1/179).

4: نساء أهل مكة من المشركين(الدر المنثور: 1/256).

5: نساء أهل مكة وسواهن من المشركين(جامع البيان: 2/513).

6: مشركات العرب(تفسير ابن أبي حاتم: 2/173).

7: مشركات العرب اللاتي ليس لهن كتاب يقرأنه(نواسخ القرآن: 84).

ومنها أن المخصص في آية التحليل يعني:


1: خصوص حرائر أهل الكتاب من دون إمائهم. (التبيان: 3/445).

2: نساء أهل الكتاب عموماً. (أحكام القرآن: 2/205).

3: يحمل على من أسلم منهن. (تفسير الآلوسي: 6/66).

4: الإماء وملك اليمين. (أضواء البيان:1/238).

5: النكاح المؤقت من دون الدائم. (مجمع البيان:3/280).

6: عفائف غير زوان. (أحكام القرآن: 1/402).

7: تحل الكتابيات للمؤمن الحر من دون الرقيق, بشرط عدم الطول, وخوف العنت. (تيسير الكريم المنان:221).

وهذه المعاني التي أفادها المفسرون من هاتين الآيتين إنما آل إليها فهمهم نتيجة التخصيص, وإلا فلفظ "المشركات" لولا التخصيص لما حمل هذه المعاني, ولفظ المحصنات وإن كان يحمل بعض المعاني لكنها لم تكن بهذا التنوع لولا أنها حصة خاصة أخذت حكماً خاصاً بعد أن كانت في دائرة العموم المغاير للخاص في الحكم.

إرسال تعليق