لماذا قارن الإمام الحسين عليه السلام بين ولده عبد الله الرضيع وبين ناقة صالح؟

السيد نبيل الحسني

دعا الإمام الحسين عليه السلام في يوم العاشر من محرم بولده الرضيع يودعه، فأتته زينب بابنه عبد الله وأمه الرباب فأجلسه في حجره يقبله ويقول: «بعداً لهؤلاء القوم إذ كان جدك المصطفى خصمهم».


ثم أتى به نحو القوم يطلب له الماء، فرماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فذبحه فتلقى الحسين الدم بكفه ورمى به نحو السماء فلم تسقط منه قطرة، ثم قال الحسين عليه السلام : «هوِّن ما نزل بي أنه بعين الله تعالى، أللهم لا يكون أهون عليك من فصيل ناقة صالح، إلهي إن كنت حبست عنا النصر فاجعله لما هو خير منه وانتقم لنا من الظالمين واجعل ما حل بنا في العاجل ذخيرة لنا في الآجل، أللهم أنت الشاهد على قوم قتلوا أشبه الناس برسولك محمد صلى الله عليه وآله وسلم».

وقد روى الشيخ الكليني رواية تكشف جانباً من وجه المقارنة بين ابتلاء نبي الله صالح والإمام الحسين عليه السلام مع بيان الحكمة في حبس نزول نقمة الله تعالى عند قتل عبد الله الرضيع عليه السلام .

روى الكليني عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24) أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ}[1].

قال عليه السلام : «هذا بما كذبوا صالحا وما أهلك الله } قوما قط حتى يبعث إليهم قبل ذلك الرسل عليهم فبعث الله إليهم صالحا فدعاهم إلى الله فلم يجيبوا وعتوا عليه وقالوا: لن نؤمن لك حتى تخرج لنا من هذه الصخرة ناقة عشراء وكانت الصخرة يعظمونها ويعبدونها ويذبحون عندها في رأس كل سنة ويجتمعون عندها فقالوا له: إن كنت كما تزعم نبيا رسولا فادع لنا إلهك حتى تخرج لنا من هذه الصخرة الصماء ناقة عشراء، فأخرجها الله كما طلبوا منه.

ثم أوحى الله تبارك وتعالى إليه أن يا صالح قل لهم: إن الله قد جعل لهذه الناقة من الماء شرب يوم ولكم شرب يوم وكانت الناقة إذا كان يوم شربها شربت الماء ذلك اليوم فيحلبونها فلا يبقى صغير ولا كبير إلا شرب من لبنها في يومهم ذلك فإذا كان الليل وأصبحوا غدوا إلى مائهم فشربوا منه ذلك اليوم ولم تشرب الناقة ذلك اليوم فمكثوا بذلك ما شاء الله.

ثم إنهم عتوا على الله ومشى بعضهم إلى بعض وقالوا: اعقروا هذه الناقة واستريحوا منها، لا نرضى أن يكون لنا شرب يوم ولها شرب يوم، ثم قالوا من الذي يلي قتلها ونجعل له جعلا ما أحب، فجاءهم رجل أحمر، أشقر، أزرق ولد زنى لا يعرف له أب يقال له: قدار، شقي من الأشقياء مشؤوم عليهم فجعلوا له جعلا فلما توجهت الناقة إلى الماء الذي كانت ترده تركها حتى شربت الماء وأقبلت راجعة فقعد لها في طريقها فضربها بالسيف ضربة فلم تعمل شيئا فضربها ضربة أخرى فقتلها وخرت إلى الأرض على جنبها وهرب فصيلها حتى صعد إلى الجبل فرغى ثلاث مرات إلى السماء وأقبل قوم صالح فلم يبق أحد منهم إلا شركه في ضربته واقتسموا لحمها فيما بينهم فلم يبق منهم صغير ولا كبير إلا أكل منها فلما رأى ذلك صالح أقبل إليهم فقال: يا قوم ما دعاكم إلى ما صنعتم أعصيتم ربكم.

فأوحى الله تبارك وتعالى إلى صالح عليه السلام أن قومك قد طغوا وبغوا وقتلوا ناقة بعثتها إليهم حجة عليهم ولم يكن عليهم فيها ضرر وكان لهم منها أعظم المنفعة فقل لهم: إني مرسل عليكم عذابي إلى ثلاثة أيام فإن هم تابوا ورجعوا قبلت توبتهم وصددت عنهم وإن هم لم يتوبوا ولم يرجعوا بعثت عليهم عذابي في اليوم الثالث.

فأتاهم صالح عليه السلام فقال يا قوم إني رسول ربكم إليكم وهو يقول لكم: إن أنتم تبتم ورجعتم واستغفرتم غفرت لكم وتبت عليكم، فلما قال لهم ذلك كانوا أعتى ما كانوا وأخبث وقالوا: {...يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}[2].

قال: يا قوم إنكم تصبحون غدا ووجوهكم مصفرة واليوم الثاني وجوهكم محمرة واليوم الثالث وجوهكم مسودة فما أن كان أول يوم أصبحوا ووجوههم مصفرة فمشى بعضهم إلى بعض وقالوا: قد جاءكم ما قال لكم صالح، فقال العتاة منهم: لا نسمع قول صالح ولا نقبل قوله وإن كان عظيما.

فلما كان اليوم الثاني أصبحت وجوههم محمرة فمشى بعضهم إلى بعض فقالوا: يا قوم قد جاءكم ما قال لكم صالح، فقال العتاة منهم: لو أهلكنا جميعا ما سمعنا قول صالح ولا تركنا آلهتنا التي كان آباؤنا يعبدونها ولم يتوبوا ولم يرجعوا.

فلما كان اليوم الثالث أصبحوا ووجوههم مسودة فمشى بعضهم إلى بعض وقالوا: يا قوم أتاكم ما قال لكم صالح، فقال العتاة منهم: قد أتانا ما قال لنا صالح فلما كان نصف الليل أتاهم جبرئيل عليه السلام فصرخ بهم صرخة خرقت تلك الصرخة أسماعهم وفلقت قلوبهم وصدعت أكبادهم وقد كانوا في تلك الثلاثة الأيام قد تحنطوا وتكفنوا وعلموا أن العذاب نازل بهم فماتوا أجمعون في طرفة عين صغيرهم وكبيرهم فلم يبق لهم ناعقة ولا راغية ولا شيء إلا أهلكه الله فأصبحوا في ديارهم ومضاجعهم موتى أجمعين ثم أرسل الله عليهم مع الصيحة النار من السماء فأحرقتهم أجمعين وكانت هذه قصتهم»[3].

والرواية تدل على ما يلي:

1ــ إن قوم صالح كفروا بنعمة الله تعالى التي تمثلت بالناقة تسقيهم جميعاً وتغذيهم إلا أن الطمع والاحتكار والبطر دفعهم إلى التفكير في قتل الناقة مع كونها لم تضر أحداً منهم.

2ــ إن الذين خرجوا لقتال ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانوا قد شابهوا قوم صالح في دوافعهم الإجرامية المتمخضة عن مجموعة من الرذائل الأخلاقية كالحسد والطمع والنفاق، فنقموا بذلك على أهل البيت عليهم السلام الذين طهرهم الله من الرجس واصطفاهم على خلقه وجعلهم من نسل الأنبياء عليهم السلام وخصهم بالإمامة والخلافة والوصاية فكانوا من نعم الله العظمى ورحمته الكبرى وكيف لا؟!، وهم من سنخ رحمة الله تعالى، إلا أن الأمة لم تحفظ هذه النعمة فكفرت بها وتجرأت على الله فعدت عليها تقتلها.

3ــ إن نبي الله صالح لم يتعدَّ ابتلاؤه سوى الاعتداء عليه بالتكذيب والجرأة في انتهاك حدود الله تعالى ممثلا بعقر الناقة فنالوا تلك العقوبة العظيمة بينما كان ابتلاء الإمام الحسين عليه السلام ، أضعاف ما ابتلي به نبي الله صالح عليه السلام فقد كذبوا حجة الله ثم عمدوا عليه يقتلون أصحابه وأهل بيته وولده وبلغت بهم الجرأة على الله أن ذبحوا طفله الرضيع وهو في حجره؛ وهذا كله لا يقاس بابتلاء نبي الله صالح والاعتداء على حدود الله تعالى التي شرعها في قوم صالح عليه السلام ممثلا ذلك في حفظ الناقة وفصيلها التي كانت لا تتعدى عن كونها موضع ابتلاء ومحكاً لمعرفة النفوس، وليميّز الله تعالى الخبيث من الطيب، ولذا فقتلها كان انتهاكا لحرمة نبي الله صالح.

لماذا عجلت العقوبة لقاتل ناقة صالح بينما تأخرت عن قتلة عبد الله الرضيع؟



ولا يظن الظان مهما اختلفت ثقافته وتوجهاته وقراءاته أن قتل عبد الله الرضيع وهو ابن بنت خير خلق الله وأشرف الأنبياء والمرسلين أهون حرمة عند الله تعالى من قتل ناقة نبي الله صالح عليه السلام لعدم نزول نقمة الله تعالى وعذابه على أولئك المجرمين في يوم عاشوراء.

لان الحكمة في حبس هذه النقمة وتأخيرها هو لاختيار الإمام الحسين عليه السلام لثواب الآخرة على ظهور العقوبة العاجلة في يوم عاشوراء. قال عليه السلام : «واجعل ماحل بنا في العاجل ذخيرة لنا في الآجل».

وجه الشبه بين فصيل ناقة صالح وبين عبد الله الرضيع


1ــ الحكمة في استشهاد الإمام الحسين عليه السلام عند مصرع ولده عبد الله الرضيع بناقة صالح وفصيلها هو لتشابه المقدمات والدوافع الإجرامية لكلا الأمتين.

2ــ تأخير العقوبة الجزائية التي حلت بقوم صالح عن هذه الأمة في يوم عاشوراء إلى وقت آخر كان السبب يعود فيه إلى صاحب الدعوة، وهو: الإمام أبو عبد الله الحسين عليه السلام؛ وهذا يكشف عن مقام سيد الشهداء عليه السلام عند الله تعالى.
كما يدل أيضا على حكمته عليه السلام في تحديد المصلحة التي يترتب عليها تأخير العقوبة زماناً ومكاناً.

3ــ إيراده عليه السلام لذكر فصيل الناقة مع كون الفصيل لم يقتل وإنما الذي قتل هو الناقة ــ أما فصيلها فقد هرب والتجأ إلى الصخرة ــ السبب فيه: هو أن الأذى والتلويع والترويع قد نزل بالفصيل حينما شهد قتل أمه ففجع وهرب منهم؛ بمعنى آخر: نزول نقمة الله وعذابه ارتبطت بمواقع الألم وحجم الضرر والأذى، بمعنى آخر كل شيء تجسدت فيه رحمة الله تعالى لزم حفظه وصونه وكلما تعاظمت هذه الرحمة تعاظمت معها الحرمة والشكر عليها وحفظها وصونها.

ومن هنا كانت أعظم الحرم هي شريعة الله تعالى، أي الحكم الشرعي، ثم من قرنت طاعته ومعصيته بالله تعالى وهو النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم الذي نص عليه القرآن بكونه: {رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[4]. ثم أهل بيته الذين اختارهم الله لدينه واصطفاهم لشرعه.

ولذلك: كان فصيل ناقة صالح يحمل عنوان الحكم الشرعي الذي يجب حفظه وصونه، مع كونه تحمّل العبء الأعظم من الألم والأذى والترويع.

وهنا: كون الطفل الرضيع قد تجسدت فيه رحمة الله تعالى من خلال امتداده لنسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنه يحمل عنوان الحكم الشرعي ممثلا في حفظ عترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصون حرمته، وأخيراً قد شهد الترويع والألم والأذى في حبس الماء عنه ثلاثة أيام حتى جف اللبن في ثدي أمه، وتفطرت شفتاه من العطش وغارت عيناه من الألم والجوع، بل قد يبس الدمع في مقلتيه؛ ناهيك عن هجير الصحراء وسمومها وضجيج القتال وصهيل الخيل وقرع الطبول واصطكاك الأسنة فأي الآلام والآلام قد تجرعها الطفل الرضيع؟!!.

وأي ترويع وتلويع نزل بقلبه وجمّد الدم في عروقه؟!! وأي جمر ذاك الذي تحمله الحسين عليه السلام وهو يتحسس كل تلك الآلام والأوجاع والأذى الذي نزل بطفله الرضيع! وأبنائه ونسائه ونفسه المقدسة؟!!.

ـــــــــــــ
[1] سورة القمر، الآية: 23.
[2] سورة الأعراف، الآية: 77.
[3] الكافي للشيخ الكليني رحمه الله: ج8، ص187 إلى 189.
[4] سورة الأنبياء، الآية: 107.

إرسال تعليق