هل القول بالعلم المطلق للأئمة يلزم منه عدم استحقاقهم المدح على مآثرهم وقتالهم في المعارك؟

بقلم: الشيخ صباح عباس حسن الساعدي


من بين الشبهات المهمة التي يمكن أن يروَّج لها ضد نظرية علم الإمام عليه السلام، هو أن هذه النظرية تنسف لنا كثيراً من فضائل الأئمة ومكرماتهم، فلا يمكن أن نصفهم بالشجاعة والكرم، وغيرهما من المناقب التي تسالم المسلمون على نسبتها لهم، فمثلا: لو قلنا: بأن أمير المؤمنين عليه السلام كان عالماً بمصيره حين مبيته في فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ بحيث إنه قاطع بعدم قتله، وأنه سوف يسلم من كل خطر، فلا فضل له ولا منقبة له في مبيته في فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك الحال في مبارزته لعمرو بن عبد ود العامري في معركة الخندق، وقتله مرحب في معركة خيبر، وهلمَّ جراً، فلا بد من صرف النظر ورفع اليد عن النظرية المتقدمة، ولا أقل من القول: بكون علمهم عليهم السلام إشائياً لا فعلياً.

الجواب عن هذه الشبهة


ويمكن الإجابة عن هذه الشبهة بأمور:

الجواب الأول


إن هذا الأمر نظير العصمة التي عصمهم الله بها، وما يرد عليها من إشكال أنهم عليهم السلام لا يستحقون المدح لتركهم المعاصي؛ لأنه يلزم أن يكون تركهم للمحرم وفعلهم للواجب قهرياً.

فما يجاب به هناك نجيب به في المقام أيضاً، وقد أجيب هناك: بأن الله عز وجل إنما اصطفاهم وعصمهم نتيجةً لعلمه بحقائق الأمور؛ بحيث علم منهم عليهم السلام الامتثال على كل حال[1]، كما ورد في الدعاء: «... بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنية، وزخرفها وزبرجها، فشرطوا لك ذلك، وعلمت منهم الوفاء به...»، حتى لو ترك حالهم كحالنا، فهم عاهدوا الله بأن يمتثلوا كل طاعاته، ويتركوا كل المعاصي، وإن لم يكرمهم تعالى بالعصمة، وقد علم منهم الوفاء [2].

والكلام نفسه يأتي في موردنا؛ حيث إن الله عندما أمرهم بهذه الأوامر - كالمبيت في فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم - واشترطوا له الامتثال، وعلم منهم الوفاء بذلك، فعندها أعلمهم عليهم السلام بحقيقة هذا التكليف وما يأول فيه أمرهم، فبين لهم المضار التي تلحق بهم، والمخاطر التي تُدفع عنهم في ذلك.

الجواب الثاني


ثم إننا نتساءل عن هكذا شخص، كيف وصل إلى هذه المنزلة الرفيعة؛ فهل ذلك إلا نتيجة لما عرفه الله عز وجل من أنه عليه السلام يمتثل أمره على كل حال، ولو كان نتيجة ذلك بذل النفس، كما امتثل أمره تعالى عند تقدمه عليه السلام للموت - كما ذكرنا ذلك في الشبهة السابقة - فهلا يستحق المدح على وصوله إلى هذه المنزلة؛ بحيث أصبح ممن ارتضاه الله وأطلعه على غيبه؟!

الجواب الثالث


أن المستشكل نظر إلى جهة واحدة من علم الإمام عليه السلام، وهي علمه بعدم قتله في هذه اللحظات، ولكنه لم يلتفت إلى أنه عليه السلام أُصيب بالأذى الذي لحقه من هذه الوقائع، ففي فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم رُشق بالحجارة، وضُرب بالعصيِّ ضرباً مبرحاً؛ بحيث لو عرفه غيره من المكلفين، وخُيِّر بأن يبيت مكان أمير المؤمنين لرفض ذلك، ناهيك عن ضربة عمرو بن عبد ود؛ حين ضربه على رأسه بالسيف، فشق رأسه عليه السلام[3]، وغير ذلك من الجراحات التي أُصيب بها عليه السلام، فهلا يستحق مَن يُقدم على هذه الأمور - ويمتثل أمر الله عز وجل، وأمر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم - المدح والثناء؟!

ــــــــــــــ
[1] أُنظُر: الحكيم، محمد تقي، الأصول العامة للفقه المقارن، ص151.
[2] أُنظُر: المرتضى، علي بن الحسين، رسائل المرتضى، ج3، ص326.
[3] أُنظُر: الكوفي، أحمد بن أعثم، كتاب الفتوح، ج4، ص278.

إرسال تعليق