مناقشة روايات اتهام الإمام الحسن عليه السلام بأنه مزواج مطلاق ــ الرواية الثانية ــ

بقلم: الشيخ وسام برهان البلداوي

عن علي بن محمد، عن عبد الله بن عبد الرحمن،عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزام، قال: (خطب الحسن بن علي امرأة من بني همام بن شيبان، فقيل له: إنها ترى رأي الخوارج، فقال: إني أكره أن أضم إلى صدري جمرة من جهنم)[1].
ويرد على هذه الرواية عدة وجوه منها:

الوجه الأول: هل يمكن أن تكون المخطوبة زوجة؟


تنص هذه الرواية على ان الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه قد خطب هذه المرأة ومن ثم اخبر بانها من الخوارج فتركها وقال إني اكره أن أضم إلى صدري جمرة من جهنم.

ومعنى خطبها هو ان أمره صلوات الله وسلامه عليه لم يتعد إلى الزواج، فلا يكون لهذه الرواية أي دخل لكون الإمام الحسن مطلاقا أو مزواجا لانه صلوات الله وسلامه عليه لم يتزوجها حتى يقال عنه مزواج، وإذا لم يتزوجها فكيف يطلقها حتى يقال عنه مطلاق.

الوجه الثاني: هل يعاب على الإمام خطبة امرأة وتركها لسبب شرعي؟


ولا يمكن الانتقاص من شخصية الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه لمجرد الخطبة، لان التاريخ قد نقل لنا كما ذكرنا في الفصل الأول، ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد خطب عدة من النساء ومن ثم لأسباب معينة اعرض عنهن وتركهن.

وكذلك فعل جملة من الصحابة فعمر بن الخطاب قد خطب امرأتين فرفضتاه، فإذا كان مجرد خطبة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه ورفضه للاقتران بزوجة ترى رأي الخوارج عيب وانتقاص لشخصيته صلوات الله وسلامه عليه، فان العيب أشد والانتقاص اكبر في خطبة عمر بن الخطاب مرتين ورده من قبلهما.

فان قالوا لا انتقاص يلحق شخصية عمر ولا تأثير لتلك الخطبتين على كرامته لان عادة الناس قد جرت على أن يتقدم الرجل لخطبة المرأة، ويبقى الخيار بيد المرأة المخطوبة توافق أو ترفض، ورفضها وقبولها ليس فيه منقصة على الخاطب في نظر عقلاء المجتمع.

قلنا كذلك عادة العقلاء والناس قد جرت على ان الرجل يخطب المرأة ومن ثم إذا اكتشف أمرا لم يكن منكشفا عنده، وكان يستحق منه العودة عن خطبته والرفض للاقتران بتلك المخطوبة فانه لا يلام ولا ينتقص من شخصيته في نظر عقلاء المجتمع، بل يلام من قبل العقلاء ويعاب عليه فيما لو استمر بخطبته وأتم زواجه مع علمه بذلك الأمر الذي يستحق أن تترك به المرأة وتفسخ به خـطبتها.

الوجه الثالث: طلاق الإمام عليه السلام للخارجية كان واجبا أو مستحبا


ولو فرضنا جدلا ان معنى خطب في الرواية هو تزوج كما يحلو للبعض ان يفترض، ثم اخبر بأنها ترى رأي الخوارج فطلقها، فان طلاقها مع ذلك غير مستهجن ولا معيب في نظر الشرع المقدس، لما تبين في الفصل الأول ان الطلاق تجري عليه الأحكام الخمسة فمنه ما هو مكروه ومنه ما هو مستحب ومنه محرم وواجب، وطلاق الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه لهذه الخارجية ليس من قسم المكروه قطعا لان الطلاق المكروه إنما يكون مكروها حين يكون حال الزوجين على وفاق ووئام،والوفاق والوئام مفقود مع هذه الزوجة المذكورة في هذه الرواية، وإلا فأي وئام وانسجام يحصل ما بين الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه الذي يعتقد اعتقادا راسخا بإمامة أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه وانه ولي من أولياء الله بل هو من أفضل أوليائه من بعد النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وما بين زوجته التي ترى رأي الخوارج الذين يعلنون كفر الإمام علي صلوات الله وسلامه عليه، وحلية قتاله وقتله، بل وكفر كل من لا يقول بكفره وحلية قتاله.

وكذلك هو ليس من قسم الطلاق المحرم قطعا لان الطلاق المحرم هو الطلاق المخالف للسنة والذي يؤدي إلى ترك أمر الله ورسوله، والإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه اعلم الناس بسنة جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فلا يمكن بأي بحال من الأحوال أن يصدر منه طلاق يكون مخالفا لشروط السنة النبوية الشريفة.

فينحصر الأمر بين أن يكون طلاقه صلوات الله وسلامه عليه لهذه الزوجة التي ترى رأي الخوارج مستحبا أو واجبا، وفي كلتا الحالتين يثبت الفضل للإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه باعتبار انه قد امتثل لواجب وقدم حق الله وأمره على حق نفسه وراحتها.

أو باعتباره أقدم على ما هو مستحب في نظر الشريعة فله من الله سبحانه الأجر والثواب على إقدامه على هذا المستحب شانه شان كل عامل لفعل مستحب.

الوجه الرابع: حول سند الرواية


في سند الرواية عدة من الملاحظات منها انها مروية عن علي بن محمد وهو (علي بن محمد بن عبد الله بن أبي سيف أبو الحسن المدائني مولى عبد الرحمن بن سمرة) وقد اختلف فيه من حيث وثاقته ووثاقة ما يرويه، وسيأتي تفصيل حاله وكيفية التعامل مع مروياته في نقاشنا للرواية السابعة من هذا الفصل.

وفيها أيضا عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزام، وسنتكلم حوله في خاتمة الفصل الثاني وسنثبت هناك انه من أعوان السلطة العباسية التي كانت سببا رئيسا ومباشرا في إخراج هذه الأكاذيب على الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه فيكون متهما بنصرتهم وتنفيذ مآربهم عن طريق نشر هذه الرواية الكاذبة.

ــــــــــــــ
[1] ترجمة الإمام الحسن صلوات الله وسلامه عليه من طبقات ابن سعد ص 70، تحقيق: السيد عبد العزيز الطباطبائي.

إرسال تعليق