يقلم: السيد نبيل الحسني
تاريخ النشر: 3 ــ 4 ــ 2014
سنتناول في هذا المبحث الإجابة على مسألتين وهما في
غاية الأهمية وذلك لأنهما يعطيان النتيجة النهائية لمعرفة السبب الذي جعل الرواة
يخفون هذا الحدث من ليلة المبيت على فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
المسألة الأولى: العلة في مجيء أبي بكر إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة خروجه من مكة
أخرج ابن إسحاق في حديثه عن هجرة النبي صلى الله
عليه وآله وسلم، قوله: «وكان أبو بكر كثيرا ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم في الهجرة إلى المدينة، فيقول: لا تعجل لعل الله أن يجعل لك صاحبا ــ فكان أبو بكر قد طمع ــ بأن يكون رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم إنما يعنيه حين قال له ذلك»([1]).
وعند ابن دحلان: «فيطمع أبو بكر أن يكون الصاحب هو
النبي صلى الله عليه وآله وسلم»([2]).
وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم
يطلب من أبي بكر أن يصحبه في هجرته، بل إن أبا بكر هو الذي كان طمع أن يكون النبي
صلى الله عليه وآله وسلم هو الرجل الذي يصحبه في الطريق.
وعليه،
ومن خلال هذه الرواية يظهر أن أبا بكر كان يترصد لخروج رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم، ويراقب عن كثب حركة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه كان يخشى أن
يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد هيّأ نفسه للخروج ليلا وتحت جنح الظلام.
ولكي يتجنب حدوث مثل هذه الحالة عمد إلى المجيء
ليلا إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكي يطمئن بأنه ما زال في الدار
ولم يخرج إلى المدينة، بل يبدو أنه كان قد اعتاد على ذلك في كل ليلة، وبالفعل جاء
أبو بكر كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودخل الدار وهو لا يعلم إطلاقا
بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد خرج، بل كان يظنه نائما فلذلك خاطبه قائلا: «يا
نبي الله».
ومن هنا نستدل:
بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعده بشيء،
وحتى إنه لم يطلعه على وقت خروجه.
المسألة الثانية: ما هي الحكمة في إخبار الإمام عليه السلام أبا بكر بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد خرج؟
من البديهي أن أبا بكر عندما دخل إلى بيت النبي صلى
الله عليه وآله وسلم ووقف يخاطب الإمام علياً عليه السلام وهو يظنه النبي صلى الله
عليه وآله وسلم، فمن البديهي أن أبا بكر سوف يعلم أن النائم هو ليس النبي صلى الله
عليه وآله وسلم ولسبب بسيط جدا وهو أن أبا بكر سوف لا يظل واقفا ينادي: «يا نبي
الله» ولم يسمع الجواب.
وهنا خياران:
فالأول:
إما أنه سوف يعمد إلى كشف الغطاء الذي تغطى به الإمام علي عليه السلام، ولو من باب
الاطمئنان على النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه كان قد رأى طغاة قريش مجتمعين
عند الباب.
وعندها سوف ينكشف الأمر وتظهر حقيقة النائم بأنه
ليس النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي هذه الحالة سيصاب أبو بكر بخيبة كبيرة؟
لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج ولم يصحبه، وهو كان يطمع أن يكون صاحبا له
في طريق الخروج إلى المدينة، فتكون ردة فعله ولو من دون شعور أنه يخرج إلى القوم
ويخبرهم بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد خرج.
وإما الخيار
الثاني: وهو أن يبادر الإمام علي
عليه السلام إلى إخباره بخروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإن أراد اللحاق به
فعليه الإسراع.
وهذا الوضع أفضل؟ لأنه يحقق
للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عدم انهيار أبي بكر وتكلمه، بل إنه يعزز ما عزم
عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويحكم خطته إذ إنّ أبا بكر عندما يخرج عليهم
سيؤكد لهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نائم وذلك من خلال سكوته وعدم تكلمه
وبهذا تتحقق للنبي السلامة.
وعلى هذا الأساس طلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم
من الإمام علي عليه السلام أن يخبر أبا بكر بخروجه.
لكن النتيجة كانت عكسية كما مر خلال الأدلة السابقة
فإن أبا بكر لم يسكت بل تكلم وأخبر قريشاً بخروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم،
ولولا أنهم كانوا يرون الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام نائماً في فراش النبي صلى
الله عليه وآله وسلم فيظنون أنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكانوا قد لحقوا به
من ساعتهم.
بقي سؤال أخير ربما يرد عند البعض وهو:
إذا كان أبو بكر هو الذي تكلم مع قريش وأخبرهم
بخروج النبي، فلماذا لم يخبرهم بأن النائم هو الإمام علي عليه السلام؟!
والجواب:
أنه لا يمكن له فعل ذلك لأسباب.
1 ــ أنه
لا يملك دليلا يقدمه لهم على صدق ما يدعيه كما فعل عندما أخبرهم بخروج النبي صلى
الله عليه وآله وسلم مقدما الدليل على ذلك، وهو وجود التراب على رؤوسهم.
2 ــ إخبارهم بأن النائم هو الإمام علي عليه السلام ربما يدفعهم إلى الدخول والتحقق
وعندها يشيع في ذلك بين المسلمين وعند بني هاشم بأن أبا بكر هو الذي تكلم وكشف
الأمر وعندها يكون قد عرض نفسه لأمور لا تحمد عقباها ولذلك عمدوا إلى عدم البوح
باسمه عندما دخلوا على الإمام علي عليه السلام قائلين: «والله لقد صدقنا الذي كان
حدثنا».
3ــ أنه سيتعرّض للعديد من الأسئلة
حينما يمسك به بنو هاشم ومن أهمها من هؤلاء الذين جاءوا لقتل رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم؟ وحينها عليه ذكر أسمائهم ومن ثم فإن أول المتضررين هم هؤلاء وقد
يقدمون على قتله قبل أن يمسكه بنو هاشم.
فتلك
هي حقيقة خروج أبي بكر وتلك هي الأسباب والعلة في خروجه لاحقا بالنبي صلى الله
عليه وآله وسلم كما ذكرها الرواة.
وبخاصة
ما جاء في كثير من المصادر التي ذكرت: «أن أبا بكر جاء إلى بيت النبي صلى الله
عليه وآله وسلم ودخل عليه وخاطب الإمام علياً عليه السلام قائلا: يا نبي الله، وهو
يحسبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإخبار الإمام علي عليه السلام له بخروج
النبي صلى الله عليه وآله وسلم»([3]).
وثانيا: امتناع كثير من الرواة عن الإفصاح
عن هوية المتكلم مع قريش عند اجتماعهم حول باب نبي الله.
وثالثا: ما أخرجه الحافظ ابن حبان
وتعريفه بأن المتكلم هو خارج خرج عليهم من الدار([4]). وغيرها من الأدلة التي
مرّ بيانها خلال البحث.
فلم يصحبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من داره،
ولم يعده بالصحبة بل هو كان يطمع بذلك، وما كان رسول الله ليطلب من علي عليه
السلام أن يخبره بخروجه إلاّ رجاء سكوته وعدم كشف الأمر لقريش، لكن الذي حصل هو
العكس ــ كما دلت عليه النصوص ــ فكانت محاولة لإحباط خروج رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم في ليلة المبيت على فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولذلك عمد
الرواة على إخفائها من أحداث هذه الليلة، مستخدمين في ذلك الكناية كقولهم (فأتاهم
آت لم يكن معهم)، وكقولهم: (وخرج عليهم من الدار خارج فقال: ما لكم قالوا ننتظر
محمداً).
بل إن استخدامهم الكناية أدْعى لطرح الأسئلة ودفع
الباحث للمضي في خبايا الأحداث فضلاً عن وضع المتكلم في دائرة الاتهام حتى يظهر
الدليل على براءته.
فما معنى :أن
يتكلم معهم هذا الخارج من دار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكل حرية واطمئنان؛
بل الأدهى من ذلك: كيف يطمئنون هم إليه فيقولون بكل صراحة: ننتظر محمداً، فلماذا
لم يخشوا كشف سرهم وهم مجموعة من القتلة المجرمين؟!
إنها
أسئلة محيرة أوجدها الرواة الذين أخفوا حقيقة هذا الحدث عن هذه الليلة العظيمة.
فأساؤوا
بذلك إلى مسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسيرة أصحابه. فأساؤوا بذلك إلى
سيرة رسول الله 2 وسيرة أصحابه.
إرسال تعليق