النصيحة ممن نأخذها ولمن نعطيها؟

بقلم الشيخ علي الفتلاوي

النصيحة علامة المحب

إذا أحب الإنسان غيره لابد أن يكون ناصحا معه أو له لكي يؤكد حبه له وإلاّ يلزم من خلاف ذلك عدم صدق المدعى، فلذا خاطب القرآن الكريم الناس بلسان أحد أنبياء الله تعالى بأنه من الناصحين لهم لما جاء لهم من رسالات الله تعالى التي تقودهم إلى كمالهم ومصالحهم وهذا ما صرح به القرآن الكريم في قوله تعالى: > أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ < (سورة الأعراف، الآية: 62).
ولابد لنا من الوقوف على معنى النصيحة لكي يتسنى لنا معرفة أهميتها فنقول:

النصيحة لغة

هي الخالص من العمل، ناصح مناصحة (نصح نفسه بالتوبة: أخلصها، نصح الشيء نصحاً: خلص).

النصيحة اصطلاحاً

أن تخلص الإرشاد من يستحقه.

ولكي لا يلتبس المعنى على البعض عندما يقرأ (نصح لله، النصيحة لله ولرسوله .... الخ) فنقول:

المراد هنا نصح معه: أي أخلص معه في طاعته وانقياده وامتثال أوامره والانتهاء عن نواهيه.

وأمّا النصيحة للمسلمين هي الإخلاص في الإرشاد أو في التعامل معهم.

فإذا وزنا سلوك الإنسان مع ربه ومع أخيه المؤمن نجد أن هذا الإخلاص في فعله وقوله ما هو إلا دلالة على حبه لربه أو لأخيه، فمن كان محباً كان ناصحاً ومن كان ناصحاً كان محباً ولذا ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: «ما أخلَصَ المَوَدََّّة مَن لَم يَنصَحْ»( مستدرك الوسائل، الميرزا النوري: ج12، ص433).

وإذا أراد الإنسان أن ينال محبة الطرف الآخر فما عليه إلا أن يكون ناصحاً له في كل ما تصح فيه النصيحة، وهذا ما أكده أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: «النَّصيحَةُ تُثمِرُ الوُدِّ» (غرر الحكم:ص844).

النصيحة لمن؟

بعد أن عرفنا النصيحة وعرفنا دلالاتها على المحبة، بل وتثمر المحبة أيضا، صار لابد من معرفة من له الحق علينا في النصيحة، وهذا ما سنقدمه في العرض الآتي:

1ــ النصيحة لله تعالى

قلنا إن النصيحة لله تعالى هي الإخلاص له في الطاعة والانقياد، وإتيان ما يحب واجتناب ما يكره، وهذه النصيحة لا تعود على الله تعالى بالنفع والفائدة لغناه عن طاعة من أطاعه، إلا أننا نجد أن الله تعالى يؤكد على هذه النصيحة بل يجعلها من أحب العبادات إليه تعالى كما في قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «قالَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: أحَبُّ مَا تَعَبَّدَ لي بِهِ عَبدي، النُّصحُ لي»( الترغيب والترهيب: ج2، ص577).
وما هذا التأكيد إلا لكي ينتفع العبد الناصح بذلك فإن دل على شيء فإنما يدل على لطف الله تعالى ورحمته بعباده.

2ــ النصيحة لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم

ومعنى النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الالتزام بشريعته بعد الإيمان به والتصديق بما جاء به من عند الله العظيم، والحفاظ على دينه والدفاع عن بيضة هذا الدين، والمودة والمولاة لآله الطاهرين عليهم السلام والسير بهداهم، وهذا ما أشار إليه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: «مَن يَضْمَنُ لي خَمساً أضمَن لَهُ الجَنَّةَ: النَّصيحَة للهِ عَزَّ وجَلَّ، والنَّصيحَة لرَسولِهِ، والنَّصيحَةُ لِكتابِ اللهِ، والنَّصيحَةُ لدِينِ اللهِ، والنَّصيحَةُ لجَماعَةِ المُسلِمينَ» (مشكاة الأنوار: ص310).

3ــ النصيحة لكتاب الله تعالى

وهذا يتجسد في تلاوته والالتزام بأحكامه وعدم هجره تلاوة وعملا، والتدبر فيه والتبرك بالنظر إليه، وتطهير الألسن والنفوس بآياته وعبره وحكمه وأمثاله وقصصه.
وهذا أيضا ورد في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «والنَّصيحَةُ لِكتابِ اللهِ، والنَّصيحَةُ لدِينِ اللهِ، والنَّصيحَةُ لجَماعَةِ المُسلِمينَ» (ميزان الحكمة: ج10، ص4322).

4ــ النصيحة للإمام بالحق

التولي للإمام ولأوليائه والتبري من أعدائه، والاقتداء بهديه وسمته، والإقرار بحجته والدفاع عنه والاستشهاد بين يديه إذا استلزم الأمر ذلك هو عين النصيحة له، ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَن لا يَهتَمَّ بأمرِ المُسلِمينَ فلَيسَ مِنهُم، ومَن لَم يُصبِحْ ويُمسِ ناصِحاً للهِ ولرَسولِهِ ولكِتابِهِ ولإمامِه ولعامَّةِ المسلِمينَ فلَيسَ مِنهُم» (ميزان الحكمة: ج10، ص4322).

5ــ النصيحة لعامة المسلمين

مؤازرتهم ومعاونتهم وإرشادهم ومعاشرتهم بالمعروف والاهتمام بأمرهم والدفاع عن مظلومهم هو ما أرشد إليه الحديث الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «والنَّصيحَةُ لجَماعَةِ المُسلِمينَ».

فوائد هامة

إذا وجدت في شخص بعض هذه الصفات التي سنذكرها الآن فخذ بنصيحته إذا قدمها إليك وهي:

ألف: إذا أراد أن يحكم بين طرفين لا يحكم إلا بالحق دون أن يتأثر بنسب أو مال أو رابطة معينة كالديانة أو المذهبية أو الوطنية.

باء: إذا كان لغيره عليه حقٌ لا يتوانى في إعطائه من نفسه.

جيم: لا يرضى لنفسه شيئا دون غيره ولا يرضى لغيره إلا ما يرضاه لنفسه.

دال: لا يبغي ولا يظلم ولا يتجاوز حدود الله تعالى.

هذه الصفات ذكرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «أمّا علامَةُ النّاصِحِ فأربَعةٌ: يَقضي بالحَقِّ، ويُعطي الحَقِّ، ويُعطي الحَقَّ مِن نَفسِهِ، ويَرضى للنّاسِ ما يَرضاهُ لنَفسِهِ، ولا يَعتدي على أحَدٍ» (تحف العقول: ص20).

لا تنتظر من البخيل اللئيم والحاسد البغيض نصيحة


ولا تعاتبهم على ذلك لعدم فائدة العتاب معهم، فإن هذين الصنفين من الناس لا يحركهما إلا الطمع أو الخوف وهذا ما أكده أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: «لاَ يَنصَحُ اللَّئيمُ أحَداً إلاّ عن رَغبَةٍ أو رَهبَةٍ، فإذا زالَتِ الرَّغبَةُ والرَّهبَةُ عادَ إلى جَوهَرِهِ» (غرر الحكم: 10910).

وأشار إلى الصنف الثاني (الحاسد) إمامنا الصادق عليه السلام بقوله: «النَّصيحَةُ مِن الحاسِدِ مُحالٌ» (بحار الأنوار: ج78، ص194).

تلبس بعض النمامين بثوب النصيحة


 قد يتلبس بعض السعادة النمامين والمفرقين بين الناس بلباس الناصحين وهم أكثر الناس غشاً فاحذرهم وهذا هو معنى قول أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه وعهده لمالك الأشتر رضي الله عنه فجاء: «ولا تَعجَلَنَّ إلى تَصديقِ ساعٍ، فإنَّ السّاعيَ غاشٌّ وإن تَشَبَّهَ بالنّاصِحينَ» (نهج البلاغة: الكتاب 31).

لا تنسى نفسك

تقدم الكلام أن النصيحة الحقة التي لا غش فيها ولا تلكأ ولا غاية فاسدة هي ما كانت لله تعالى ولرسوله ولكتابه وللإمام الحق ولعامة المسلمين، ولكي تصدر النصيحة من العبد لما ذكرنا لابد أن يكون صاحب النصيحة ذا نفس مؤمنة مطيعة منقادة لله تعالى ولرسوله وهذا لا يتم إلا من رجل ينصح نفسه قبل غيره كما صرح بذلك أمير المؤمنين بقوله: «مَن نَصَحَ نَفسَهُ كانَ جَديراً بِنُصحِ غَيرِهِ، مَن غَشَّ نَفسَهُ كانَ أغَشَّ لِغَيرِهِ» (غرر الحكم: 9043، 9044).

ولكي يتضح هذا الترابط بين النصيحة وبين العبد المطيع لربه نذكر قول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «إنّ أنصَحَ النّاسِ أنصَحُهُم لِنَفسِهِ، وأطوَعُهُم لِرَبِّهِ» (غرر الحكم: 3515).

فمن أراد أن يكون ناصحاً لنفسه لابد أن يكون من المطيعين، فالمطيع هو الناصح الحقيقي والعاصي هو الغاش لنفسه كما ورد في قول أمير المؤمنين عليه السلام: «إنّ أنصَحَ النّاسِ لِنَفسِهِ أطوَعُهُم لِرَبِّهِ، وإنّ أغَشَّهُم لِنفسِهِ أعصاهُم لِرَبِّهِ»( نهج البلاغة: الخطبة).

ومن كان ناصحاً لله تعالى ولرسوله ولنفسه رزقه الله تعالى القناعة والرضا بما ناله من هذه الدنيا الفانية، ورزقه في الآخرة برضوان ينجيه من عذابها ولذا ذكر الإمام الصادق عليه السلام قوله هذا: «ما ناصَحَ اللهَ عبدٌ مُسلِمٌ في نَفسِهِ، فأعطَى الحَقَّ مِنها وأخَذَ الحَقَّ لَها، إلاّ أُعطِيَ خَصلَتَينِ: رِزقاً مِن اللهِ عَزَّ وجَلَّ يَقنَعُ بهِ ورِضىً عنِ اللهِ يُنجيهِ» (الخصال: 46 ــ 47).

أسئلة مهمة

السؤال الاول: من الذي لا ينتفع بالنصيحة؟

الجواب: ذكر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أصنافاً من الناس لا تهمهم النصيحة ولا ينتفعوا بها:

ألف: الفاسد الذي يلتذ بفضيحته ولا يهتم بما قيل فيه وهذا ما أشار إليه الإمام عليه السلام بقوله: «كيفَ يَنتَفِعُ بالنَّصيحَةِ مَن يَلتَذُّ بالفَضيحَةِ» (غرر الحكم: 7008).

باء: من لا عقد له سواء كان مجنوناً أو أحمقَ أو جاهلاً جهلا مركبا، فلذا قال الإمام السجاد عليه السلام عن الأحمق الذي لا يهتم بالنصيحة: «إن تكلم فضحه حمقه، وإن سكت قصر به عيه، وإن عمل أفسد، وان استرعى أضاع، لأعلمه من نفسه يغنيه، ولا علم غيره ينفعه، ولا يطيع ناصحه، ولا يستريح مقارنه، تود أمه أنها ثكلته، وامرأته أنها فقدته، وجاره بعد داره، وجليسه الوحدة من مجالسته، إن كان أصغر من في المجلس أعي من فوقه، وإن كان أكبرهم أفسد من دونه»( الأمالي للشيخ الطوسي: ص614).

وتكلم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يصف الجاهل بالجهل المركب الذي لا يقبل قولاً ولا موعظة ولا نصيحة فقال: «إن الجاهل من عدّ نفسه بما جهل من معرفة العلم عالماً وبرأيه مكتفيا فما يزال من العلماء مباعداً وعليهم زاريا ولمن خالفه مخطّئاً ولمن لم يعرف من الأمور مضلّلاً وإذا ورد عليه من الأمر ما لا يعرفه أنكره وكذّب به وقال بجهالته: ما أعرف هذا، وما أراه كان، وما أظن أن يكون، وإنى كان، ولا أعرف ذلك لثقته برأيه وقلّة معرفته بجهالته»( الآداب والأخلاق الإسلامي لعبد الله الهاشمي: ص695).

السؤال الثاني: ممن نأخذ النصيحة؟

الجواب: نصحنا الإمام عليه السلام أن نأخذها مما يلي:

ألف: إن أفضل ناصح وأكمل نصيحة هي نصيحة الله تعالى لعبده فلذا قال أمير المؤمنين عليه السلام: «أيُّها النّاسُ، إنَّهُ مَنِ استَنصَحَ اللهَ وُفِّقَ»( نهج البلاغة: الخطبة 147).

باء: وأن كتاب الله تعالى القرآن الكريم هو خير ناصح لا يغش ويظل وهذا ما أكده أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: «اتّعِظوا بمَواعِظِ اللهِ، واقبَلوا نَصيحَةَ اللهِ... واعلَموا أنّ هذا القرآنَ هُو النّاصِحُ الّذي لا يَغُشُّ... واستَنصِحوه على أنفُسِكُم، واتَّهِموا علَيهِ آراءكُم، واستَغِشُّوا فيهِ أهواءكُم»( نهج البلاغة: الخطبة 176).

جيم: هناك من يمنّ علينا بمبادرة منه فيهب لنا نصيحته لنتدبرها بعقولنا ثم نعمل بها بعد التأكد من صوابها وهذا ما أشار إليه مولى المتقين عليه السلام بقوله: «اِسمَعوا النَّصيحَةَ مِمَّن أهداها إلَيكُم، واعقِلوها على أنفُسِكُم»( غرر الحكم: 2494).
ورد أيضا عن أمير المؤمنين عليه السلام أن: «لا تأخذ النصيحة ممن لا عقل له ولا أصل.... الخ».

السؤال: ما هي آثار قبول النصيحة أو عدم قبولها؟

إن لقبول النصيحة آثارا جميلة أوردها أمير المؤمنين عليه السلام بالأحاديث الآتية:

1ــ قال الإمام علي عليه السلام:«مَن نَصَحَكَ فَقَد أنجَدكَ»( غرر الحكم: 7767).

2ــ وعنه عليه السلام: «مَن قَبِلَ النَّصيحَةَ أمِنَ مِن الفَضيحَةِ»( غرر الحكم: 8344).

3ــ وعنه عليه السلام: «مِن أكبَرِ التَّوفيقِ الأخذُ بالنَّصيحَةِ»( غرر الحكم: 9305).

ـ وعنه عليه السلام: «مَن أقبَلَ علّى النَّصيحِ أعرَضَ عنِ القَبيحِ، مَنِ استَغَشَّ النَّصيحَ غَشِيَةُ القَبيحُ»( غرر الحكم: 8683).

وقفة وتأمل

لنتأمل في هذه الدرر التي فاض بها علينا سيد الأوصياء عليه السلام فنجده يؤكد على قبول نصيحة الناصح لما فيها من نجاة وخلاص من براثن الشيطان وعثرات النفس، ولما فيها من دفع للفضيحة بين الناس التي ستلحق الضرر الكبير بسمعتنا ومنزلتنا في الدنيا وتحجب عنا رضا ربنا ورضوانه في الآخرة.

ومن ترك التمسك بالنصيحة ظل وهوى، وأدخل السرور على أعدائه والحزن على أحبائه، فلذا قال أمير المؤمنين عليه السلام: «مَن خالَفَ النُّصحَ هَلَكَ»( غرر الحكم: 7743).

وعنه عليه السلام: «مَن عَصى نَصيحَهُ نَصَرَ ضِدَّهُ» (غرر الحكم: 8355).

وعنه عليه السلام: «مَن أعرَضَ عَن نَصيحَةِ النّاصِحِ أُحرِقَ بِمَكيدَةِ الكاشِحِ» (غرر الحكم: 8697).

إرسال تعليق