العوامل التربوية والاقتصادية والاجتماعية التي أدت إلى انحراف معاوية بن أبي سفيان

بقلم: الشيخ علي الفتلاوي
من كلام للإمام الحسين عليه السلام قاله وهو يخاطب معاوية بن ابي سفيان:
(أما بعد، يا معاوية! فلن يؤدي القائل وإن أطنب في صفة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من جميع جزءا، وقد فهمت ما لبست به الخلف بعد رسول الله من إيجاز الصفة والتنكب عن استبلاغ البيعة، وهيهات هيهات يا معاوية! فضح الصبح فحمة الدجى وبهرت الشمس أنوار السرج، ولقد فضلت حتى أفرطت، واستأثرت حتى أجحفت، ومنعت حتى بخلت، وجرت حتى جاوزت، ما بذلت لذي حق من أتم حقه بنصيب حتى أخذ الشيطان حظه الأوفر، ونصيبه الأكمل، وفهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله وسياسته لأمة محمد، تريد أن توهم الناس في يزيد، كأنك تصف محجوبا، أو تنعت غائبا، أو تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص وقد دل يزيد من نفسه على موقع رأيه، فخذ ليزيد فيما أخذ به من استقرائه الكلاب المهارشة عند التحارش، والحمام السبق لأترابهن، والقينات ذوات المعازف، وضروب الملاهي، تجده ناصرا، ودع عنك ما تحاول).

وقبل الخوض في شخصية معاوية لا بأس أن نشير إلى بعض العوامل المحيطة بهذه الشخصية التي شقت الأمة شقتين، شق بقي ثابتا مرابطا على الحق صابرا على إيذاء أصحاب الباطل، مستيقظا لألاعيبهم ومكائدهم، وشق انطلت عليه تلك الحيل والألاعيب فانساق وراء الباطل رغم وضوحه وترك الحق الذي لا ريب فيه.
ومن العوامل التي كان لها الأثر الكبير في صنع هذه الشخصية القبيحة ما يلي:

 أولا: العامل التربوي 
ورث معاوية من أبيه أبي سفيان الحقد والعداء للإسلام الذي أطاح بعروش المشركين وسيادة الجاهلية الأولى، وورث من أمه هند التحريض والدعوة إلى قتل النبي وبني هاشم بل إلى قتل جميع المسلمين، ونشأ معاوية بين أحضان أسرة رجالها جردوا سيوفهم وألبوا الرجال على قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونساؤها حملت الحطب ودقت الدفوف للتحريض والمحاربة لنبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم ونهجه.
ولكي نضع الأمور جلية بين يدي القارئ الكريم لابد أن نعرض بعض الصور القبيحة لأسرة معاوية التي كان لها الأثر الأكبر على نشأته:
قال أبو سفيان: (يا بني أمية تلاقفوها تلقف الكرة، فو الذي يحلف به أبو سفيان ما من جنة ولا نار).
انطلق أبو سفيان إلى قبر سيد الشهداء حمزة، فركله برجله وقال: يا أبا عمارة، إن الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمس في يد غلماننا يتلعبون به)(معاوية أمام محكمة الجزاء، الشيخ مهدي القريشي: ص29 ــ 30).

 هند 
يكفيها عارا أنها آكلة الأكباد، والمحرضة على الإسلام.

 أم جميل 
هي حمالة الحطب التي لعنها القرآن الكريم وبقيت ملعونة إلى يوم يبعثون.

 الحكم بن أبي العاص 
يقول حويطب في حديث له مع مروان بن الحكم: (والله لقد ههمت بالإسلام غير مرة، كل ذلك يعوقني أبوك يقول: تضع شرفك، وتدع دين آبائك لدين محدث وتصيرنا بعار).

 أبو جهل 
يقول:
(تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، حتى إذا تجانبنا على الركب، وكنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك مثل هذه، والله لا نؤمن به أبدا، ولا نصدقه)( تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: ج13، ص125. الدر المنثور للسيوطي: ج4، ص187).

 عتبة والوليد 
قتلا بسيف الإسلام وتركا هندا ناقمة حاقدة على الإسلام وعلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.

 ثانيا: العامل الاقتصادي 
كان للعامل الاقتصادي السقيم دور في بناء شخصية معاوية إذ كانت الحياة الاقتصادية قائمة على الربا والغزو الاستغلال، فللربا دور كبير في سيادة بعض الأسر القرشية والتي منها أسرة معاوية.
فلذا جاء في التاريخ (أن معاوية باع سقاية من ذهب أو فضة بأكثر من وزنها، فقال له أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهى عن مثل هذا، إلا مثلا بمثل، فقال معاوية: ما أرى بمثل هذا بأسا، فاستاء أبو الدرداء من جراءته على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورده لحكم من أحكام الإسلام، فاندفع يقول: من يعذرني من معاوية أنا أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويخبرني عن رأيه، لا ساكنتك بأرض أنت بها، ثم ترك الشام وانصرف إلى يثرب)( حياة الإمام الحسن عليه السلام: ج2، ص150. بحار الأنوار: ج34، ص383. السنن الكبرى للبيهقي: ج5، ص280).

 ثالثا: العامل الأخلاقي 
من العوامل الرئيسية في تكوين شخصية الإنسان هو العامل الأخلاقي، فلقد كانت الحياة الأخلاقية في العصر الجاهلي لاسيما في مكة في غاية السوء والابتعاد عن الطهارة والفضيلة لانتشار المنكر والفحشاء وتعاطي الخمر وإباحة الزنى والعدوان والظلم وإلى غير ذلك من الفساد مما لا يخفى على أحد، وفي هذه الأجواء نشأ معاوية في أسرة لا تتورع عن مثل هذه الأمور كما هو مشهور عن أبي سفيان في تعاطيه الزنا مع سمية أم زياد وغيرها بل أن هناك روايات تاريخية تشير إلى زنا هند أم معاوية، وهذا مما لا يخفى على قارئ منصف للتاريخ(معاوية أمام محكمة الجزاء، الشيخ مهدي القريشي: ص243).
بعد هذا العرض الذي قدمناه بين يدي القارئ الكريم والذي تظهر من خلاله خسة هذه الشخصية الفاسدة التي غيرت الإسلام وشوهت صورته الناصعة نرغب في بيان رأي سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي لا ينطق عن الهوى لكي نزداد بصيرة في شخصية معاوية.

 القول القاصم 
لا يختلف اثنان في كون محمد بن عبد الله بن عبد المطلب هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا يشك امرء في أن هذا الرسول الكريم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو قول الله سبحانه وتعالى وحكمه حكم الله تعالى ومدحه وذمه هو مدح الله تعالى وذمه، ومن نال ذما من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم لا شك في هلاكه وخلوده في نار جهنم، ولكي نقف على رأي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقوله في معاوية نطلع على ما يلي:

 أولا:   رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا سفيان مقبلا على حمار، ومعاوية يقوده، ويزيد ابنه يسوقه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «لعن الله القائد والراكب والسائق»( معاوية أمام محكمة الجزاء، الشيخ مهدي القريشي: ص18. تاريخ الطبري: ج11، ص357).

 ثانيا:   أقبلت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أرادت التزويج بمعاوية فنهاها صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك وقال لها:«إنه صعلوك»(تاريخ الخميس: ج2، ص296).

 ثالثا:   قال صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه:«إنه يطلع من هذا الفج رجل يحشر على غير ملتي، فتشوق إليه المسلمون، وإذا بمعاوية قد طلع منه»( تاريخ الطبري: ج11، ص357).

 رابعا:   دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على معاوية وابن العاص فقال:«اللهم اركسهم في الفتنة ركسا، اللهم دعهم إلى النار دعا»( معاوية أمام محكمة الجزاء، الشيخ مهدي القريشي: ص18. وقعة صفين: ص246. مسند أحمد بن حنبل: ج4، ص421).

 خامسا:   وهناك قول مشهور للنبي صلى الله عليه وآله وسلم قال فيه: «إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاضربوا عنقه»(بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج33، ص187. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج4، ص32).

إلا أن، أهل التحريف والوضع حرفوا الحديث إلى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنه مأمون أمين) ولا شك في سخافة هذا التحريف وما أسهل الرد عليهم وهو كما يلي:
 ألف:   إن شخصية معاوية ومساوئها تكذب أنه أمين مأمون.
 باء:   محاربته لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام تكذب هذا الحديث.
 جيم:   لا يوجد داع أو مناسبة لكي يمدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم معاوية، كما أن هناك من الصحابة من هو مأمون حقا وأمين صدقا وقد خطب في الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كأبي ذر أو عمار ولم يقل في حقهما شيئا من ذلك.
دال: كيف يناقض قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعضه بعضا، لقد تقدم ذم النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمعاوية وهو ذم لا يقبل التغيير، فكيف يغير النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قوله فيمتدح معاوية؟

 تدليس معاوية 
قول الإمام الحسين عليه السلام: «تريد أن توهم الناس في يزيد، كأنك تصف محجوبا، أو تنعت غائبا، أو تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص وقد دل يزيد من نفسه على موقع رأيه، فخذ ليزيد فيما أخذ به من استقرائه الكلاب المهارشة عند التحارش، والحمام السبق لأترابهن، والقينات ذوات المعازف، وضروب الملاهي، تجده ناصرا، ودع عنك ما تحاول».
يدل دلالة صريحة على تدليس معاوية بإظهار يزيد بمظهر حسن لكي ينال بذلك رضا الناس ومن ثم ينتزع بيعتهم له، إلا أن هذا التدليس لا يرفع من مقام يزيد شيئا لما في يزيد من خصال قبيحة ورذائل يندى منها جبين الإنسانية وهذا ما ورد في قول الإمام الحسين عليه السلام إذ يقول: «وقد دل يزيد من نفسه على موقع رأيه، فخذ ليزيد فيما أخذ به من استقرائه الكلاب المهارشة عند التحارش، والحمام السبق لأترابهن، والقينات ذوات المعازف، وضروب الملاهي، تجده ناصرا، ودع عنك ما تحاول».
يا لها من صفعة شديدة على فم معاوية الذي أراد تزكية يزيد وتزويقه، ويا له من قطع لسان لكل من تسول له نفسه أن يمتدح الفاسقين الظلمة يدلس على الناس حقيقتهم وقذارتهم.

إرسال تعليق