من مشاهد كربلاء

بقلم: عبد المجيد لطفي / مؤلف كتاب: الإمام علي رجل الإسلام المخلد

ان لعظمة الحسين الشهيد (عليه السلام) جوانب متعددة. وسيبقى التاريخ يكتشفها للمنصفين بين حين وآخر... وستمر أجيال طويلة متلاحقة وعظمة الحسين خالدة كحادثة فذة في تاريخ العرب والإسلام وفي تاريخ البطولات العالمية.

فأسمحوا لي إذن أن اتكلم بعاطفتي الجياشة عن هذا الجانب من العظمة.. عن البطولة التي تهزء بالجبن والجبناء وتصمد لخضم من حوادث الدهر وكوارثه.

هذه مقدمة لابد منها. فأنا أريد التخلص منها الى مناجاة تلك البطولة في ذكراها الباعثة على الألم والإعجاب معاً.

من بيده عبر الصحارى والأهوال جاء البطل، لم يكن طامعاً ولا مغتصباً، وإنما كان رائداً للحق..! ولصوت الحق استمع ولهتافه لبى. وكان امله عظيماً بالحق لأنه لم يعرف سواه في الحياة. وحين لاح له سواد العراق. ارتسمت في مخيلته جسامة ما هو مقدم عليه، وثقل ما هو على عاتقه من حمل، وتلفت هنا وهناك، وأمر الركب أن يسير، ومشى الركب السرى، وأخذت المسافات تضيق. والحدود تتقارب، والأعوان، انصار الحق..! انصار العدل البطولة..؟ لم يبق منهم إلاّ القليل.

اما الباطل فلم يسكت فلقد جاء بخيله ورجله . جاء بجنود تملأ رحب الفضاء ووقف الظلم في ظل الذهب. ووقفت العدالة في ظل المروءة. وتلاقى الخصمان. الظلم بالمأجورين من جنود ومرتزقة، والحق بصورة بطل فذ غير هياب.

ومرت ليلة وأخرى. والظلم يتجمهر ويتجمع في كل مكان، وحلقة الحصار تضيق، وتضيق ويشتد اللهب.. فيحمل البطل . بطل الحرية الإسلامية هذا الطفل الصغير على يديه يريد له ماءاً من الأعداء. ولكن لا. فليس هناك قلب ولا ضمير ولا عاطفة. أيريد الحسين (عليه السلام) الماء لولده عبد الله..؟ أمن جنود يزيد يريد الماء..؟ أمن مرتزقة زياد يريد العطف على طفل. وطاش سهم. أو ريش سهم الى وريد الطفل. وضحك حرملة ضحكة الدناءة الظافرة. واخترق السهم عنق عبد الله. ورجع البطل الى معسكره.. ورجع مخضباً بدم ولده ليخضب بدمه بعد حين.

وجاءت ليلة اليوم العاشر من محرم. ليل حالك مخيف. ان نهاية المأساة تقترب.

والبطل العربي يشعر بذلك، ويجتمع بأصحابه السبعين..! فيطلب اليهم أن يتخذوا الليل ستراً ويذهبوا ناجين بأنفسهم ويشرق الصباح.. صباح يحمل كراهية التاريخ ولعنة الأبد على الظالمين.

ويلتفت الحسين (عليه السلام) الى اصحابه فيجدهم كما كانوا لم يهرب احد منهم ولم يتسلل في جنح الليل احد.

ان البطولة تريد ان تموت بكرامة كما عاشت بكرامة ويلتحم الأبطال في ضحوة النهار بالجيش اللجب.

أيها التاريخ أن خير ما فيك حفظ الذكريات للبطولات ولقد حفظت ذكرى تلك البطولة الحية التي لا يجد المرء امامها غير الإنحناء والإعجاب صادقاً أميناً فلك الشكر الجزيل.

أيها التاريخ الحافل بجلائل الأعمال . هل من عظمة أسمى من عظمة الحسين (عليه السلام)..؟ وهل من بطولة صاعدة الى الأعالي كبطولة الحسين..؟

لقد هوى البطل… بين النبال والرماح. وتخضب بالرمل والدم والعرق، وجاشت نفسه الحرة الأبية وتذكرت أعزاءها.

تذكرت العباس (عليه السلام) وتاقت له...

ووضع بطل مخضب رأسه على حجر بطل مخضب... وقال التاريخ كلمته... فيالها من كلمة لم تنس جلالها الأجيال.

إرسال تعليق