مراسيم اليوم السابع للمولود في السنة النبوية المطهرة

بقلم: السيد نبيل الحسني

امتاز اليوم السابع من عمر الطفل بمراسيم وسنن لم تكن معظمها معروفة لدى العرب قبل الإسلام، ولما ولد الإمام الحسن عليه السلام قام النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بتلك المراسيم مع ولده الحسن عليه السلام فكانت سنة يستحب إتباعها وإحياؤها، وبخاصة أن كثيراً من الأسر أصبحت اليوم تتبع ما هو بعيد عن روح الإسلام، ولعل ذلك يعود إلى سوء نقل المعلومة إلى الأهل، أو لانجرافها بدون دراية أو فهم لما يرد على الأسرة المسلمة من ظواهر مستهجنة تحت غطاء التطور العلمي للحياة أو ظنّاً من البعض أنه يحمل مستوى ثقافياً وهو غير قادر على التمييز بين ما هو ثقافة اجتماعية دينية وبين ما هو ثقافة عجائزية.

ولذلك قام النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بفرز ما هو مستهجن عن روح الإسلام فيما يخص مراسيم اليوم السابع، وحتى اختيار هذا اليوم لم يكن معتمدا عند العرب ولا تدري ما يحمله من آثار نفسية وروحية وشخصية للمولود، ولذلك سنستعرض لهذه المراسيم حسب تسلسلها، وإن كانت تجرى جميعها في هذا اليوم كما هو ثابت في السنة النبوية.

فعن جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله الصادق عليه السلام عن العقيقة والحلق والتسمية بأيها يبدأ؟ قال: «يضع ذلك كله في ساعة واحدة»[1].

المسألة الأولى: استقبال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمولود فاطمة


يبدو من خلال الروايات أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان مواكبا لهذا الحدث أي: حمل فاطمة وولادتها وما تبعها من أمور، ولذلك نجد أن الروايات قد تناول قسم منها متابعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لولادة فاطمة لحظة الولادة وحضوره عندها، مخففاً عنها جهد الولادة، ثم استقباله المولود وتغيير القماش الذي لف فيه من الأصفر إلى الأبيض ثم قيامه صلى الله عليه وآله وسلم بالأذان في أذن المولود اليمنى، والإقامة في اليسرى كما مرّ بيانه سابقا.

وأما القسم الثاني من الروايات فقد رصدت حركة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في اليوم السابع من عمر الإمام الحسن عليه السلام، وكي يلفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم انتباه المسلمين إلى المكانة الخاصة التي يحملها هذا المولود. تولى أمر هذا اليوم بنفسه في حين إنها من عمل الأب، لذلك يدل على هذا العمل أنه ابنه، كما كان ينبّه عليه المسلمين، وكان يقول لفاطمة: ادعي لي ابنيّ فيشمهما إليه[2]، أي الحسن والحسين عليهما السلام، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «كل بني أم عصبتهم لأبيهم إلا ولد فاطمة فأنا عصبتهم وأنا أبوهم»[3].

كل ذلك كي تتمسك الأمة بأهل بيته من بعده، ويعلموا منزلتهم ومكانتهم عند الله ورسوله.
ولذا: لما كان اليوم السابع من مولده جاءت به أمه فاطمة عليها السلام تحمله إلى أبيها النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وهو (ملفوف في خرقة حرير من الجنة نزل بها جبرائيل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم[4]، فسماه والظاهر: أن هذه الخرقة هي التي استبدلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالخرقة الصفراء التي لف بها الإمام الحسن عند ولادته فرمى بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولفه بخرقة بيضاء، أي: التي نزل به جبرائيل من الجنة، كما يدل عليه حديث الإمام الصادق عليه السلام في التسمية ــ الذي سيمر علينا ــ.

المسألة الثانية: كيف جرت التسمية؟ ومن الذي سماه؟ جبرائيل عليه السلام  أم والداه عليهما السلام


أخرج الشيخ الكليني رحمه الله، عن الحسين بن خالد، قال سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن التهنئة بالولد متى فقال عليه السلام: «إنه لما ولد الحسن بن علي هبط جبرائيل بالتهنئة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في اليوم السابع وأمره أن يسميه ويكنيه، ويحلق رأسه ويعق عنه ويثقب أذنه وكذلك كان حين ولد الحسين أتاه في اليوم السابع وأمره بمثل ذلك»[5].

وعن الصادق عليه السلام قال: لما ولد الحسن بن علي أهدى جبرائيل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اسمه في سرقة[6] من حرير من ثياب الجنة فيها (حسن) واشتق منها اسم الحسين فلما ولدت فاطمة الحسن أتت به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  فسمّاه حسنا، فلما ولدت الحسين أتته به قال صلى الله عليه وآله وسلم : هذا أحسن من ذاك فسماه الحسين»[7].

ويبدو من خلال رواية أخرى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم  استلم الاسم من جبرائيل عليه السلام وهو في خرقة من ثياب الجنة كما بعد حوار بينهما.

فقد أخرج الشيخ الصدوق رحمه الله عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: حدثتني أسماء بنت عميس قالت: ... قال رسول الله لعلي: «يا علي بم سميت ابنك هذا؟».

قال: «ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله».

قال: «وأنا ما كنت لأسبق ربي».

فهبط جبرائيل عليه السلام فقال: «إن الله عزّ وجل يقرأ عليك السلام ويقول لك: يا محمد علي منك بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدك فسمِّ ابنك باسم ابن هارون».

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «يا جبرائيل وما اسم ابن هارون؟».

قال جبرائيل عليه السلام: «شبّر».

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «وما شبّر؟».

قال عليه السلام: «الحسن»[8].

قالت أسماء: فسماه الحسن.

وقد وردت في كثير من الأحاديث: تسمية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهما عليهما السلام باسم ابني هارون[9].

أما السبب في نزول اسم في خرقة من حرير الجنة فهو للتكريم، ولبيان أنهم سادات أهل الجنة وقد ورد عن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «سمي الحسن (حسنا)؟ لأن بإحسان الله قامت السموات والأرضون، واشتق (الحسين) من الإحسان، و(علي والحسن) اسمان من أسماء الله تعالى والحسين تصغير الحسن»[10].

وكان الله عزّ وجل حجب هذين الاسمين عن الخلق، يعني: (حسنا وحسينا) حتى يسمى بهما ابنا فاطمة عليها السلام، فإنه لا يعرف أن أحدا من العرب تسمى بهما في قديم الأيام إلى عصرهما لا من ولد نزار، ولا اليمن مع سعة أفخاذهما، وكثرة ما فيهما من الاسامي.

وإنما يعرف فيهما (حسْن) بسكون السين، و(حَسِين) بفتح الحاء وكسر السين، وأما حسن بفتح الحاء، والحسين ــ كذلك ــ فلا نعرفه إلا اسم جبل معروف، قال الشاعر:

لأم الأرض وبل ما أجنت *** بحيث أضر بالحسن السبيل[11]

المسألة الثالثة: العقيقة وحلق شعر رأس المولود


(العقيقة: وهي الذبيحة التي تذبح للمولود وأصل العق الشق والقطع، وقيل للذبيحة عقيقة؟ لأنه يشق حلقها، وأصلها كما قال الأصمعي وغيره: الشعر الذي يكون على رأس الصبي حين يولد، وجعله الزمخشري أصلا والشاة المذبوحة مشتقة منه[12]، قال: أبو عبيد: فهو من تسمية الشيء باسم غيره إذا كان معه أو من سببه، وقد أنكر أحمد بن حنبل قول الأصمعي وغيره أنها الشعر بأنه لا وجه له وإنما هي الذبح نفسه، قال: أبو عمر! وهذا أولى وأقرب إلى الصواب، واحتج له بعض المتأخرين بأنه المعروف لغة يقال: عق إذا قطع[13].

ولأهمية العقيقة وأثرها في سلامة المولود، فقد أكد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام عليها، فعن سمرة، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «كل غلام مرتهن بعقيقته تذهب عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى»[14].

وأخرج الشيخ الكليني رحمه الله عن الفراء، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: «الغلام رهن بسابعه بكبش يسمى فيه ويعق عنه»[15].

وفي حديث عن عائشة أنها قالت: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر المسلمين بأن يعق كل مولود له عن ولده[16].

ولذلك نجد أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قام بنفسه بأمر العقيقة عن الحسن والحسين عليهما السلام، بل ورد أنه صلى الله عليه وآله وسلم عق بيده عن الحسن عليه السلام.

فعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: «عق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الحسن بيده، وقال: بسم الله عقيقة عن الحسن، وقال: اللهم عظمها بعظمه ولحمها بلحمه ودمها بدمه، وشعرها بشعره، اللهم اجعلها وقاء لمحمد وآله»[17].

وقد تناقلت الحفاظ فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا، أي قيامه بالعق عن الحسن والحسين عليهما السلام فعن ابن عباس  أنه قال: «إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا»[18].

وعن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا يوم السابع وسماهما وأمر أن يحاط عن رأسيهما الأذى[19]، أي الحلق.

والعلة في حلق شعر المولود هو لما يحمله من آثار رحم الأم خلال مدّة الحمل، ولذا قال صلى الله عليه وآله وسلم يحاط عنه الأذى، وكلمة (الأذى) تشمل الأذى الوارد عن طريق المكونات الجرثومية وتشمل الأذى من خلال الآثار الروحانية كما تدل عليه كثير من النصوص كحدث أم الصبيان.

والغرض هو: التمسك بفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليس بما يؤوله كثير من الناس، ولكن قلنا لا يخلو الأمر من أن ترك الشعر على رأس المولود بعد الولادة وعدم حلقه وبخاصة في اليوم السابع يسبب أذى له.

والمهم في الأمر أن يكون هذا كله يجري في اليوم السابع، أما إذا لم يتم الحلق والعقيقة والتسمية والختام في هذا اليوم فيبدو أنها تفقد الأثر الإيجابي ويصبح الأمر سيَّين تمّ أم لم يتم سوى العقيقة فهي مطلوبة حتى وإن لم تتم في هذا اليوم[20].

وذلك جاء في الحديث أن النبي الأكرم أمر فاطمة عليها السلام بحلق رأسيّ الحسن والحسين عليهما السلام[21] والتصدّق بوزنيهما ورقا[22]، وفي رواية فضة[23].

وفي قول آخر أنه صلى الله عليه وآله وسلم حلق رأسيّ الحسن والحسين عليهما السلام بنفسه وأمر فاطمة بأن تتصدق بوزن شعرهما[24]، فكان وزن شعر الحسين عليه السلام درهما ونصفاً[25].

فيستحب بعد الحلق أن يطلى رأس المولود بالخلوق[26]، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك مع الحسن عليه السلام[27]، ولقد كانت العرب قبل الإسلام تطلي رأس المولود بالدم، فنهى عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: إن الدم من فعل الجاهلية[28].

والمراد بالدم: هو دم الذبيحة، أي: عقيقة المولود[29].

ويستحب أن يبعث إلى القابلة برجل الشاة أو الكبش[30]، وأن لا تأكل أم المولود وأبوه من لحم العقيقة[31]، وأن يجرى عليها الإطعام، أو تهدى إلى الجيران كما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام[32]، فقد جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وآله وسلم: «كلوا وأطعموا ولا تكسروا منها عظاما»[33].

أي: يكره أن تقطع الذبيحة على قطع صغيرة فتكسر عظامها.

المسألة الرابعة: تحنيك الغلام وختانه وثقب أذنه


ألف: التحنيك


قد ورد في السنة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قام بتحنيك الحسن والحسين عليهما السلام في اليوم السابع من ولادتهما.

فقد أخرج الشيخ الكليني رحمه الله عن أبي بصير، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: «حنكوا أولادكم بالتمر هكذا فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالحسن والحسين عليهما السلام»[34].

والتحنيك هو: أن تمضغ التمر ثم تدلكه بحنك الصبي داخل فمه[35]، وقد ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يحنك أولاد الأنصار[36].

ولذلك ورد في أحاديث العترة النبوية أحاديث تحث على القيام بهذه السنة النبوية فعن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: «يحنك المولود بماء الفرات، ويقام في أذنه»[37].
وفي رواية أخرى: «حنّكوا أولادكم بماء الفرات وبتربة قبر الحسين عليه السلام فإن لم يكن فبماء السماء»[38].

باء: الختان


ومن المراسيم الخاصة باليوم السابع (الختان) وهو من السنّة المؤكدة الواجب فعلها للغلام. أما النبي والإمام فإنه يولد مختونا لأنه طاهر أصلا لما ورد في محكم التنزيل من تطهير أهل البيت من كل رجس[39].

جيم: ثقب الأذن


أما ثقب أذن الغلام فقد قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بثقب أذن الحسن والحسين عليهما السلام، كما أمره جبرائيل عليه السلام، وهو ما جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخ الكليني رحمه الله عن الحسين بن خالد قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن التهنئة بالولد متى؟ فقال عليه السلام:

«إنه لما ولد الحسن بن علي عليهما السلام هبط جبرائيل عليه السلام بالتهنئة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في اليوم السابع وأمره أن يسميه ويكنيه ويحلق رأسه ويعق عنه ويثقب أذنه، وكذلك كان حين ولد الحسين عليه السلام أتاه في اليوم السابع فأمره بمثل ذلك، وكان الثقب في الأذن اليمنى في شحمة الأذن وفي اليسرى في أعلى الأذن، فالقرط باليمنى والشنف في اليسرى»[40].

والعلة في ذلك هي خلاف سنة اليهود، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:
«يا فاطمة أثقبي أذنيّ الحسن والحسين خلافا لليهود»[41].

المسألة الخامسة: حقيقة تظهرها ولادة الإمام الحسن هي ليس لفاطمة عليهما السلام نفاس؟!


كشفت ولادة الإمام الحسن عليه السلام حقيقة عملية من حقائق الرفعة والطهر لبيت العترة النبوية الطاهرة عليهم السلام.

وهذه المرّة قد قطع الطريق على المنافقين والمنكرين لفضائل العترة النبوية، فلكم من حديث سمعه المسلمون في مناقب أهل البيت عليهم السلام ولاسيما في البضعة الزهراء وقد كانوا بين موقن به قلبا وعقلا، أو موقن به قلبا غير محتمله عقلا، أو منكر له عقلا وقلبا، ولاسيما تلك الأحاديث التي فيها خصوصية هي في واقعها مغايرة للطبيعة البشرية.

والنفاس: هو وظيفة طبيعية وفيزيولوجية من وظائف رحم المرأة، وخصوصية من خصوصيتها التكوينية التي ركبها الله عزّ وجل فيها إذ يقوم الرحم في هذه المرحلة بقذف الدم إلى خارج الجسم.

وتختلف النساء في مدة النفاس، وفي مقدار الدم الخارج، وقد عرّفه الفقهاء في مصنفاتهم بأنه: (دم يقذفه الرحم بسبب الولادة، معها، أو بعدها، لا قبلها، فكل دم المرأة الحامل قبل الولادة إن أمكن فيه الحيض فحيض، وإلا فاستحاضة.

أما حكمة: فليس لأقل النفاس حد فلو رأت الدم عند الولادة، أو بعدها لحظة ثم طهرت، تجعل اللحظة نفاسا.

وأما أكثره، فالمشهور عشرة أيام إن حصل النقاء ولم يتجاوز الدم العشرة، وإلا فإن تجاوز العشرة عليها أن ترجع إلى عادتها في الحيض، فتجعلها نفاسا، والباقي استحاضة، ويجب غسل النفاس عند النقاء من الدم[42].

وهذا الاختلاف بين امرأة وأخرى، هو في حد ذاته كاشف عن حكمة الله عزّ وجل وعن عناصر تكوينية ووراثية ومزاجية، فالمرأة التي تنحدر من جذور هاشمية أو قرشية تختلف عن غيرها في مقدار مدة خصوبتها وقدرتها على الإنجاب والتناسل، فسن اليأس عندها في الستين[43]، وفي غيرها في الخمسين ولا ملاك لمن زاده على الخمسين في غير الهاشمية والقرشية.

فإذن:ى تلك التغيرات هي بقدرة الله عزّ وجل، ومن قدرته أن جعل بنات الأنبياء لا يطمثن، ففي الحديث الشريف عن أمير المؤمنين عليه السلام: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل: ما البتول؟ فإنا سمعناك يا رسول الله تقول: إن مريم بتول وإن فاطمة بتول؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «البتول التي لم تر حمرة، أي: لم تحض، فإنه مكروه في بنات الأنبياء»[44].

وإذا كان هذا حال بنات الأنبياء عليهم السلام فمن باب أولى أن تكون ابنة سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم هي البتول قطعا.

أضف إلى ذلك أن هذا أحد الأدلة التي تؤكد حقيقة كونها (وحيدة النبي صلى الله عليه وآله وسلم). إذ لم يرد ولو من باب الرواية الضعيفة أن (رقية، وأم كلثوم، وزينب) كانت كل واحدة منهنّ بتولاً ولم يشر إلى إحداهن ذلك لا من بعيد أو قريب.. وحتى لو حملت البتول على المعنى اللغوي الآخر لها وهو: (المنقطعة عن الدنيا إلى الله) أو (المنقطعة من الرجال لا أرب لها فيهم)[45]، فهو لم يرد لإحداهن ذلك كما أن التبتل في الإسلام منهيّ عنه.

ولذا يبقى المراد والمشهور من (البتول) هي التي لا ترى حمرة الدم عند الدورة الشهرية أو عند الولادة، أي: إن فاطمة البتول عليها السلام لم تتوقف عن أداء الفرائض الواجبة في أي حال من الأحوال، وفي أي وقت من الأوقات وبذلك فقط يصح القول بأنها (المنقطعة عن الدنيا إلى الله تعالى) وهذا الانقطاع وعدم التوقف في العبادة يستلزم أن تكون المرأة في حالة الطهر، إذ أجمع المسلمون على أنّ شرط صحة الفروض التكليفة للمسلم ذكرا أو أنثى متوقف على الطهارة، والمرأة التي ترى حمرة الدم لا يصح منها أداء الفريضة لأنها غير طاهرة تلك المدّة.

ولذلك: تبقى فاطمة الزهراء عليها السلام هي (البتول) سواء حمل على عدم رؤية الدم أو (المنقطعة إلى الله تعالى) ففي كلتا الحالتين يستلزم دوام الطهارة، وهو ما لم يتحقق إلا لها عليها السلام فتلك هي حكمة الله عزّ وجل، وتلك هي إرادته في أهل بيت المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم الذي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا[46].

أضف إلى ذلك ما ورد بسند صحيح عن طريق أهل بيت النبوة عليهم السلام عن علي بن جعفر رضي الله عنه عن أخيه أبي الحسن عليه السلام[47]، قال: «إن فاطمة صديقة شهيدة وإن بنات الأنبياء لا يطمثن»[48].

وأما ما ورد عن طرق العامة، فقد أخرج الحافظ ابن المغازلي، عن زيد بن علي عن أبيه عن زينب بنت علي، قالت حدثتني أسماء بنت عميس قالت: وقد كنت شهدت فاطمة وقد ولدت بعض ولدها فلم ير لها دم؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «يا أسماء إن فاطمة خلقت حورية في صورة إنسية»[49].

وفي رواية انه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إنها حوراء آدمية لم تحض ولم تطمث»[50].

وعن عائشة قالت: وكانت فاطمة لا تحيض، ولقد وضعت الحسن بعد العصر وطهرت من نفاسها فاغتسلت وصلّت المغرب[51].

وخير ما نختم به البحث ما روي عن الإمام الرضا عليه السلام، عن أسماء، قالت:قبلتُ، أي: ولدت فاطمة بالحسن فلم أرَ لها دماً! فقلت: يا رسول الله إني لم أر لها دما في حيض ولا نفاس؟! فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «أما علمت أن ابنتي طاهرة مطهرة لا يرى لها دم في طمث ولا ولادة»[52].

ــــــــــــــــ
[1] وسائل الشيعة للعاملي: ج 21، ص420، برقم27469.
[2] أخرجه البخاري في التاريخ الكبير: ج8، ص377 ــ 378، ضمن ترجمة يوسف بن إبراهيم 3388؛ وأخرجه الترمذي في السنن: ج5، ص657 ــ 658، كتاب المناقب (50) باب فضل الحسن.. (31) الحديث 3772؛ والبغوي في مصابيح السنة:كتاب المناقب، باب مناقب أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برقم 4831.
[3] المعجم الوجيز للميرغني: ص286، حديث 568؛ ورواه الطبراني في المعجم الصغير: ج2، ص278، برقم 2694.
[4] العدد القوية لرضا الدين الحلي: ص29، اليوم الخامس عشر.
[5] الكافي: ج6، ص33 ــ 34، برقم6؛ وسائل الشيعة للعاملي رحمه الله: ج21، ص432، برقم27507.
[6] سرقة، أي: أحسن الحرير، قال الجوهري: السرق، شقق الحرير، قال أبو عبيد: إلا أنها البيض منها، والواحدة سرقة.
[7] بحار الأنوار: ج43، ص251، برقم28.
[8] أمالي الطوسي رحمه الله: المجلس13، ص367؛ صحيفة الرضا عليه السلام: متن الصحيفة 73، ص39؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج2، ص25؛ المناقب لابن شهر: ج4، ص25، وقريب من لفظه؛ أخرجه الصدوق بسند عن أبي حمزة الثمالي، عن زيد بن علي، عن أبيه، علل الشرائع: ج1، ص137؛ معاني الأخبار: ص57؛ شرح الأخبار: ج2، ص25.
[9] مسند الفردوس للديلمي: برقم 3533.
[10] بحار الأنوار للمجلسي رحمه الله: ج43، ص25، حديث 30.
[11] البحار: ج43، ص252؛ قلائد الجمان للقلقشندي: ص159.
[12] سبل السلام للضعاني: ج4، ص189 ــ 190.
[13] الموطأ بشرح الزرقاني: ج3، ص136.
[14] رواه أبو داود، في كتاب الأضاحي، باب العقيقة حديث رقم 2838، ج3، ص106؛ والنسائي في السنن: كتاب العقيقة، باب: متى يعق: ج7، ص166؛ ورواه أحمد، وابن ماجه، وصححه الترمذي.
[15] الكافي: ج6، ص26، كتاب: العقيقة حديث5؛ وسائل الشيعة للعاملي: ج21، ص416، حديث رقم 27455.
[16] صحيح الترمذي: ج4، ص96 ــ 97، كتاب الأضاحي، باب: ما جاء العقيقة: حديث رقم 1513؛ ورواه ابن ماجه في كتاب: الذبائح، باب: العقيقة، حديث رقم 3163، ج2، ص1056.
[17] الكافي: ج6، ص26، كتاب: العقيقة؛ أخرجه العاملي رحمه الله في الوسائل: ج21، ص430، حديث رقم 7504.
[18] رواه أبو داود، في كتاب الأضاحي، باب العقيقة حديث رقم 2841، ج3، ص107؛ وصححه ابن خزيمة، وابن الجرود، وعبد الحق، ورواه النسائي في كتاب العقيقة، باب: كم يعق عن الجارية.
[19] موارد الظمآن للهيثمي: ج3، ص385.
[20] التهذيب للطوسي رحمه الله: ج7، ص446، باب: الولادة والنفاس والعقيقة؛ الكافي: ج6 ص28.
[21] كشف الغمة للأربلي: ج1، ص518؛ مكارم الأخلاق للطبرسي: ص228؛ مسند أحمد: ج6، ص39؛ والبيهقي في الآثار: ج9 ص304؛ المغني: ج13، ص397.
[22] أخرجه عبد الرزاق في المصنف: ج4، ص333 ــ 334، كتاب العقيقة، باب: العق يوم السابع؛ وابن أبي شيبة في المصنف: ج8 ص241، كتاب العقيقة، باب: في أي يوم تذبح العقيقة؛ وسائل الشيعة: ج21، ص410، وفي ص420.
[23] الكافي للكليني رحمه الله: ج6، ص33، برقم 5؛ وسائل الشيعة للعاملي: ج1، ص431، حديث رقم 7506، وفي ص420، برقم 27469؛ الموطأ لإمام المالكية، كتاب العقيقة، باب: ما جاء في العقيقة؛ والزرقاني في شرحه للموطأ: ج3، ص137؛ وأخرجه البيهقي في معرة السنن والآثار: ج14، ص69، حديث 19140؛ السيل الجرار للشوكاني: ج4، ص92؛ نيل الأوطار: ج5، ص154؛ المجموع للنووي: ج8 ص413؛ مسند أحمد بن حنبل: ج6 ص390، كتاب العقيقة؛ المغني: ج13 ص397؛ طبقات النعيمي: ص403.
[24] وسائل الشيعة للعاملي رحمه الله: ج21 ص410، باب: استحباب التحنيك؛ مستدرك الوسائل: ج15، ص142، باب: أنه يستحب أن يعق عن المولود.
[25] مستدرك الوسائل: ج15، ص142، باب: إنه يستحب أن يعق عن المولود؛ شرح الزرقاني على الموطأ: ج3، ص137، حديث رقم 1104.
[26] طيب مركب من الزعفران وغيره.
[27] وسائل الشيعة للعاملي رحمه الله: ج21، ص410، باب: استحباب التحنيك؛ بحار الأنوار: ج43.
[28] المصدر السابق.
[29] الكافي: ج6، ص26 ــ 29؛ وسائل الشيعة: ج21، ص416، حديث رقم 27455.
[30] وسائل الشيعة: ج21، ص408، حديث رقم 27427؛ وأخرجها البيهقي في معرفة السنن، ج14، ص70، حديث رقم 17143؛ وأخرجه أبو داود في المراسيل في باب العقيقة؛ شرح الأخبار: ج2، ص44، برقم 170.
[31] الكافي: ج6، ص32، حديث رقم 1، باب: إن الأم لا تأكل من العقيقة.
[32] الكافي للكليني رحمه الله: ج6، ص33، باب: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  وفاطمة عليها السلام عقا عن الحسن والحسين عليهما السلام.
[33] البيهقي في معرفة السنن: ج14، ص70، حديث 19143.
[34] الكافي: ج6، ص24، حديث رقم 5.
[35] لسان العرب: ج10، ص416، مادة (حنك).
[36] المصدر السابق.
[37] الكافي: ج6، ص24، حديث رقم 4.
[38] المصدر السابق.
[39] {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}. الأحزاب، الآية: 33.
[40] الكافي: ج 6، ص33 ــ 34، حديث رقم 6؛ وسائل الشيعة: ج21، ص432، حديث رقم 27507.
[41] وسائل الشيعة: ج21، ص433، باب: استحباب ثقب الأذن؛ من لا يحضره الفقيه للصدوق: ج3، ص489، باب: العقيقة.
[42] اجماعيات فقه الشيعة:للفقيه المحقق السيد إسماعيل أحمد المرعشي: ج1، ص128، كتاب الطهارة، باب الاغتسال الواجبة ــ غسل النفاس.
[43] المصدر السابق: ص121.
[44] مستدرك الوسائل: ج2، ص37، باب: نوادر ما يتعلق بأبواب الحيض؛ علل الشرائع للصدوق: ج1، ص181؛ معاني الأخبار: ص64؛ دلائل الإمامة للطبري: ص54؛ كشف الغمة للأربلي: ج1، ص464؛ مجمع البحرين: ج5، ص317.
[45] لسان العرب: ج11، ص42، مادة:بتل؛ مجمع البحرين: ج5، ص316.
[46] سورة الأحزاب: الآية 33.
[47] الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليهما السلام.
[48] الكافي للكليني رحمه الله: ج1، ص458، كتاب الحجة، باب: مولد الزهراء عليها السلام.
[49] مناقب أمير المؤمنين لابن المغازلي: ص229، برقم 416.
[50] كنز العمال للهندي: ج12، ص109، حديث 34226؛ ذخائر العقبى للطبري: ص26.
[51] أخبار الدول للقرماني: ج1، ص256؛ ذخائر العقبى للطبري: ص44.
[52] صحيفة الرضا عليه السلام: ص90.

إرسال تعليق