لو كان الإمام يعلم كل شيء فلماذا يتعلم من النبي بالطرق المتعارفة؟

بقلم: الشيخ صباح عباس حسن الساعدي

وردت مجموعة من الروايات الدالة على أن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، أو غيره من الأئمة الذين أدركوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قد تعلموا منه بعض العلوم، بل بعضها تدل على أن الأئمة الباقين قد تعلم بعضهم عن بعض أيضاً، وهذا الكلام وما تتضمنه هذه الروايات لا تنسجم مع نظرية علمهم المطلق - أي الحاضر لديهم - ولا أقل من أنهم تعلموا منه بعض الأشياء في بعض المواقف التي يظهر منها أنهم غير عالمين بها، ومن أوضح الروايات الدالة على ذلك هو ما ورد عن أبي عبد الله عليه السلام مخاطبا أحد أصحابه قائلا: «يا أبا محمد، علم - والله - رسول الله علياً ألف باب يفتح له من كل باب ألف باب...» [1].

ولذا اختار الشيخ الطوسي هذا الرأي في اقتصاده؛ حيث قال:«... وإنما يجب أن يكون الإمام عالماً بما أسند إليه في حال كونه إماماً، فأما قبل ذلك، فلا يجب أن يكون عالماً.

ولا يلزم أن يكون أمير المؤمنين عليه السلام عالماً بجميع الشرع في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو الحسن والحسين عليهما السلام عالمين بجميع ذلك في حياة أبيهما، بل إنما يأخذ المؤهل للإمامة العلم ممن قبله شيئاً بعد شيء؛ ليتكامل عند آخر نفس من الإمام المتقدم عليه بما أسند إليه...»[2].

الجواب عن هذه الشبهة


ويمكن القول - في مقام الإجابة على ما ذكر -:

الجواب الأول:


أن هذا الشيء كان لأجل أن يعرفوا الناس بأنهم أوْلى من كل أحد بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ إذ إنه صلى الله عليه وآله وسلم علمهم عليهم السلام ما لم يعلم أحد، وخصهم بأشياء لم ينلها أحد غيرهم عليهم السلام، وهذا مدعاة للتجاوب مع هؤلاء الأنوار الطاهرة وقبولهم ولاة لأمرهم؛ فجاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام رحمة بالعالمين.

الجواب الثاني


 إن هذا الحديث - بل هذه الطريقة التي قام بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أمير المؤمنين عليه السلام - كانت من أجل ما اعتاده الناس من طريقة تعلم الوصي عن طريق النبي، فهم سمعوا وعلموا بأن الوصي - الذي هو أوْلى بالخلافة والوصاية - إنما يأخذ علومه من النبي الذي خلَّفه، فجاءت هذه الأحاديث لإثبات ذلك الأمر؛ جرياً على ما عرفه هؤلاء الناس؛ تتميماً للحجة عليهم.

وقد أشار لهذا الوجه المحدِّث النوري رحمه الله؛ حيث قال:«... ولا يخفى أن علمهم عليهم السلام بما يحتاجون إليه من الأصول والفروع، وما يحتاج إليه العباد كان معهم في صغرهم، علَّمهم الله تعالى بالطرق التي اختصهم بها، وفي الظاهر كانوا يتعلمون بعضهم من بعض، ويتلقونه منهم كما يتلقى غيرهم منهم - أو من غيرهم - بالسؤال الظاهر في جهالة صاحبه، أو بالإلقاء من غير مسألة...» [3].

وخير دليل على ما ذكرنا، هو ما جاء من أدلة قطعية، دلت على أن علمهم عليهم السلام حاضر وفعلي، فلا بد من حمل هذا التعليم على الطريقة الظاهرية؛ مراعاة لبعض المصالح المرادة للمعصومين عليهم السلام.

ــــــــــــــــ
[1] الصفار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات، ص172. والكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج1، ص239.
[2] الطوسي، محمد بن الحسن، الاقتصاد، ص193.
[3] النوري، حسين، خاتمة المستدرك، ج 1، ص 290.

إرسال تعليق