البعد الأخلاقي لصلاة الجمعة


بقلم: السيد عبد الله شبر
قال الشهيد الثاني رحمه الله: وتختص صلاة الجمعة باستحضار أن يومها يوم عظيم، وعيدها عيد شريف، خص الله به هذه الأمة وجعله وقتاً شريفاً لعباده، ليقربهم فيه من جواره ويبعدهم من طرده وناره، وحثهم فيه على الإقبال بصالح الأعمال، وتلافي ما فرط منهم في بقية الأسبوع من الإهمال، وجعل أهم ما يقع فيه من طاعته وما يوجب الزلفى[1] لديه صلاة الجمعة، وعبر عنها في محكم كتابه الكريم بذكر الله، وخصها من بين سائر الصلوات التي هي أفضل القربات بالذكر، فقال سبحانه: {يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلىٰ ذِكْرِ اللّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}[2].
وفي هذه الآية الشريفة من التنبيهات والتأكيدات ما ينتبه له من له حظ من المعاني، ومن أهم رمزها التعبير عن الصلاة بذكر الله تنبيهاً على أن الغرض الأقصى من الصلاة ذكر الله بالقلب وإحضار عظمته بالبال، فإن هذا وأشباهه هو السر في كون الصلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر[3]، وهذا إنما يتم مع التوجه التام إلى الله وملاحظة جلاله الذي هو الذكر الأكبر[4] والكثير[5] على ما ورد في بعض التفسير[6] فضلاً عن أن يكون ذكراً مطلقاً، فلا جرم وجب الاهتمام بها زيادة على غيرها من الصلوات، والتهيؤ والاستعداد للقاء الله والوقوف بين يديه والمثول في حضرته والفوز بمخاطبته، بعد الإتيان بمقدمات الصلاة من وظائف اليوم من التنظيف والتطييب والتعمم وحلق الرأس وقص الشارب والأظفار وغير ذلك من السنن[7] بقلب مقبل صاف وعمل مخلص ونية خالصة: كما تعمل ذلك في لقاء ملك الدنيا.

ولا تقصد بهذه الوظائف حظك من الرفاهية، فتخسر صفقتك وتظهر بعد ذلك حسرتك، وكلما أمكنك تكثير المطالب التي يترتب عليها الثواب بعملك فاقصدها يضاعف ثواب عملك بقصدها إن أمكنك ذلك.


ــــــــــــــــ

[1] الزلفة والزلفى: القربى والمنزلة.
مجمع البحرين، الشيخ الطريحي: 2/ 286، مادة "زلف".
[2] سورة الجمعة/ 9.
[3] إشارة إلى قوله تعالى: ((إِنَّ الصّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاء وَالْمُنكَرِ)) سورة العنكبوت/45.
[4] إشارة إلى قوله تعالى: ((وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ)) سورة العنكبوت/ 45.
[5] إشارة إلى قوله تعالى: ((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا)) سورة الأحزاب/41.
[6] قال الشيخ الطبرسي: "اختلف في معنى الذكر الكثير:
فقيل: هو أن لا ينساه أبدا، عن مجاهد.
وقيل: هو أن يذكره سبحانه بصفاته العلى، وأسمائه الحسنى، وينزهه عما لا يليق به.
وقيل: هو أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر على كل حال، عن مقاتل.
وقد ورد عن أئمتنا علهم السلام أنهم قالوا: من قالها ثلاثين مرة، فقد ذكر الله ذكرا كثيرا.
وعن زرارة وحمران، ابني أعين، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من سبح تسبيح فاطمة الزهراءعليها السلام ، فقد ذكر الله ذكرا كثيرا. وروى الواحدي بإسناده عن الضحاك بن مزاحم، عن ابن عباس قال: جاء جبرائيل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا محمد! قل «سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، عدد ما علم، وزنة ما علم، وملء ما علم». فإن من قالها كتب الله له بها ست خصال: كتب من الذاكرين الله كثيرا، وكان أفضل من ذكره بالليل والنهار، وكان له غرسا في الجنة، وتحاتت عنه خطاياه كما تحات ورق الشجرة اليابسة، وينظر الله إليه، ومن نظر الله إليه لم يعذبه.
تفسير مجمع البيان الشيخ الطبرسي: 8/ 166 ــ 168، تفسير سورة الأحزاب.



[7] أنظر في الآداب والسنن وتفصيلها وما ورد فيهما: حلية المتقين، العلامة المجلسي. جامع أحاديث الشيعة، البروجردي: الجزء 20 و21.

إرسال تعليق