تلازم بغض فاطمة وبعلها وولديها ببغض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

بقلم: السيد نبيل الحسني

إنّ من السنن الكونية التي أوجدها الله تعالى في الخلق هي سنة التضاد وهذه السنة قرن الله تعالى بها نظام الاستقامة في الحياة بمعنى إما أن يعتدل الإنسان بفعل هذه السنة في سلوكياته ومسيرته وتعايشه في الحياة.

وإما أنه يميل إلى أحد المتناقضين فيكتسب من أحدهما طاقته ودوامه وعنوانه الحياتي فيكون ملاصقاً له بل يصبح أحد أدواته الفاعلة والمؤثرة في الحياة.

ومثال ذلك الخير والشر، والجهل والعلم والصدق والكذب، والإيمان والكفر، والحب والبغض، فإما أن يكون الإنسان معالجاً للجهل بالعلم، وللكذب بالصدق، وللكفر بالإيمان، وللبغض بالحب، وإما أنه يميل إلى أحد هذين القطبين فيكون متصفاً به، وعنواناً لأحدهما فيصبح إما شريراً أو خيراً وإما عالماً أو جاهلاً أو محباً أو مبغضاً.

وهنا: في مسألة حب فاطمة وبعلها وولديهما عليهم السلام لا يمكن أن يكون الإنسان يحمل من طرف مثقال ذرة من حبهما ومثقال ذرة من بغضهما في آن واحد فحالهما أي الحب والبغض حال الإيمان والكفر، فمثقال من الكفر يؤدي إلى الهلاك ومثقال من الخير يؤدي إلى النجاة كما دلّ عليه قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}[1].

وفي حب آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبغضهم تظهر الخطورة العظمى حيث يندرج الإنسان ضمن قائمة الظالين الذين غضب الله عليهم كما دلت عليه النصوص، منها:

1 ــ عن أبي الجارود عن أبي عبد الله الحداي قال: قال لي أمير المؤمنين عليه السلام:
«يا أبا عبد الله ألا أخبرك التي من جاء بها أمن من فزع يوم القيامة، وبالسيئة التي من جاء بها كب على وجهه في جهنم؟».

قلت: بلى يا أمير المؤمنين، فقال: «الحسنة حبنا، والسيئة بغضها أهل البيت»)[2].

2 ــ روى الشيخ الطوسي عن الإمام علي بن الحسين عليهما السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ما بال أقوام إذا ذكر عندهم آل إبراهيم عليه السلام فرحوا واستبشروا، وإذا ذكر عندهم آل محمّد اشمأزت قلوبهم؟، والذي نفس محمد بيده لو أن عبداً جاء يوم القيامة بعمل سبعين نبياً ما قبل الله منه حتى يلقاه بولايتي وولاية أهل بيتي»[3].

3 ــ عن أبي حمزة الثمالي قال: (كنت مع أبي جعفر عليه السلام، فقلت: جعلت فداك يبن رسول الله: قد يصوم الرجل النهار، ويقوم الليل، ويتصدق، ولا يعرف منه إلا خيراً، إلا أنه لا يعرف الولاية، قال: فتبسم أبو جعفر عليه السلام وقال: «يا ثابت إنا في أفضل بقعة على ظهر الأرض لو أن عبداً لم يزل ساجداً بين الركن والمقام حتى يفارق الدنيا لم يعرف ولايتنا، لم ينفعه ذلك شيئاً»)[4].

من هنا: نجد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد قرن هذا الحب ــ وبلحاظ هذه السُنّة السلوكية ــ بالبغض فمن أحبهم فقد بغض أعدائهم، ومن أبغضهم أحب أعدائهم؛ وذلك ن المؤمن ينجذب إلى الخير سريع الالتحاق بأهله ويأنس بهم ويستوحش من غيرهم؛ والحال نفسه قائم عند الكافر فهو يستوحش من أهل الخير سريع الفرار منهم، بل نجده يشمئز من الإيمان والذكر كما دلّ عليه قوله تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}[5].

وهذه الحالة النفسية التي يمكن ملاحظتها في جميع الأزمنة نجدها متجسدة في المؤمن والكافر وتنعكس على حاله وأفعاله؛ بل نجدها لتتضاعف معه حتى يصبح المؤمن سلم لمن سالم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم؛ وحرب لمن حارب آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك لتلازم الإيمان بالحب، والبغض بالنفاق فيكون إما من أهل الإيمان، وإما من أهل النفاق، فيسالم أهل سنخه ويعادي أهل نقيضه.

ولعل كثير من النصوص الصريحة والواضحة في هذا الجانب تقطع الطريق على المتأولين في دفع المسلم عن مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تحديد المسار والعلاقة مع أهل البيت عليهم السلام، فكان منها:

1 ــ روى الزرندي، وابن حجر، وغيرهم عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اشتد غضب الله على من آذاني في عترتي، ومن أحب أن يسأله في أجله، وأن يتمتع بما خوله الله، فليخلفني في أهلي خلافة حسنة، فمن لم يخلفني فيهم بتر الله عمره وورد عليّ يوم القيامة مسوداً وجه»[6].

2 ــ روى أبو يعلى الموصلي (عن بن حوشب الحنفي قال: حدثتني أم سلمة قالت: ثم جاءت فاطمة بنت النبي صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم متوركة الحسن والحسين في يدها برمة للحسن فيها سخين حتى أتت بها النبي صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم، فلما وضعتها قدامه قال لها: «أين أبو الحسن».

قالت: «في البيت».

فدعاه، فجلس النبي صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين يأكلون.

قالت أم سلمة:  وما سامني النبي صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم وما أكل طعاماً قط إلا وأنا عنده إلاّ ساميته قبل ذلك اليوم[7].

فلما فرغ التف عليهم بثوبه ثم قال: «اللهم عاد من عاداهم ووال من والاهم»)[8].

ويمضي النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في بيان تلازم الحب والبغض وارتباطهما الإيماني والنفاقي، فيبين للمسلمين إن حب أهل بيته هو عين حبه صلى الله عليه وآله وسلم ــ كما أسلفنا ــ وإن بغضهم هو عين بغضه ــ والعياذ بالله ــ.

ولشدت حرص النبي صلى الله عليه وآله وسلم في إيصال هذا الحكم إلى الناس وحثّهم على العمل به تعدد منه صدور هذا الحكم الشرعي بنحوي المجمل والمفصل؛ فمرة يخص بهذا الحكم الشرعي الحسن والحسين عليهما السلام فيقتصر على ذكرهما فيظهر تلازم حبهما بحبه وبغضهما ببغضه؛ ومرة أخرى يخص بالذكر علي بن أبي طالب عليه السلام، ومرة ثالثة بفاطمة، ورابعة بهم جميعاً.

والظاهر ــ كذلك ــ من سيل الروايات الكثيرة في هذا الخصوص أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يترك موقفاً أو مناسبة إلا وقد صرح للمسلمين بهذا الحكم الشرعي كي يلتفت المسلمون إلى خطورة هذا العنوان وذلك لما يترتب عليه من صلاح لهذه الأمة أو فسادها وضلالها.

ولذلك: نجد أن السبب في تعدد هذه الأحاديث وكثرتها هو لما ذكرناه، فكان من هذه الأحاديث ما يلي:

1 ــ أخرج أحمد في المسند عن أبي هريرة قال: (قال رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم: «من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني».

يعني حسناً وحسيناً)[9].

ولا يخفى على اللبيب إن ما يترتب على الحب من عناوين شرعية وروحية واجتماعية يترتب على البغض كذلك.

2 ــ وعن عبد الرحمن بن مسعود، عن أبي هريرة، قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم ومعه حسن وحسين، هذا على عاتقه، وهذا على عاتقه، وهو يلثم هذا مرة ويلثم هذا مرة حتى انتهى إلينا فقال له رجل: يا رسول الله إنك تحبهما؟ فقال: «من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني»)[10].

وفي حبه صلى الله عليه وآله وسلم لعلي بن أبي طالب عليه السلام وما يترتب على المسلم من حكم شرعي من التلازم بين حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحب علي بن أبي طالب عليه السلام فمن بغض أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام فقد بغض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد روى الحاكم في المستدرك، عن عوف بن أبي عثمان النهدي قال: (قال رجل لسلمان: ما أشد حبّك لعلي؟

ــ فقال سلمان ــ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «من أحبّ علياً فقد أحبني ومن أبغض علياً فقد أبغضني»)[11].

والحديث واضح الدلالة في أن شدة حب سلمان لعلي بن أبي طالب عليه السلام إنما في حقيقته هو حبه الشديد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ومن هنا: فإن الذين كانوا يبغون علي بن أبي طالب عليه السلام، فهم يبغضون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك للملازمة بين حبيهما وبغضيهما؛ أي: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي بن أبي طالب عليه السلام.

فمن يدعي حب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لزم منه حب علي عليه السلام، فضلاً عن مفاهيم الحب ومصاديقه كـ:(الإتباع، والإيمان، والموالاة، والنصرة، والسلم) وغيرها، وفضلاً عن نقائض هذه المصاديق كـ(التخلي، والكفر، والبراءة، والخذلان، والحرب) وغيرها، فمن اتبعهم تخلى عن غيرهم، ومن آمن بهم كفر بغيرهم، ومن والاهم تبرأ من أعداءهم ومخالفيهم، ومن نصرهم خذل غيرهم، ومن سالمهم حارب غيرهم إن كانوا حرب لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

ولأجل ذلك: وما يترتب عليه من تحديد للهوية الإسلامية والأخروية حينما يقف المسلم بين يدي الله تعالى، لقوله سبحانه: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ}[12].

عن آل محمد كيف خلفوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيهم، كان كل هذا التشديد والتحذير من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال:
1 ــ روى القندوزي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال له: «يا سلمان من أحب فاطمة ابنتي فهو في الجنة معي، ومن أبغضها فهو في النار، يا سلمان حب فاطمة ينفع في مائة موطن أيسر تلك المواطن: الموت، والقبر، والميزان، والصراط، والحساب، فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة رضيت عنه، ومن رضيت عنه رضى الله تعالى عنه، ومن غضبت ابنتي فاطمة عليه غضبت عليه ومن غضبت عليه غضب الله عليه.

«يا سلمان، ويل لمن ظلمها ويظلم بعلها عليا، وويل لمن يظلم ذريتها وشيعتها»[13].

2 ــ روى القاضي عياض في الشفا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال:

«معرفة آل محمد براءة من النار، وحب آل محمد جواز على الصراط، والولاية لآل محمد أمان من العذاب»[14].

3 ــ روى الحافظ الخركوشي في شرف المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، والقندوزي عن علي عليه السلام، قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:

من آذاني في أهل بيتي فقد آذى الله عزّ وجل، ومن أعان على أذاهم وركز إلى عدوهم فقد أذن بحرب من الله ولا نصيب له غداً في شفاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم»[15].

4 ــ أخرج الشيخ الصدوق رحمه الله (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنّ علياً وصيي وخليفتي، وزوجته فاطمة سيدة نساء العالمين ابنتي، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ولداي من والاهم فقد والاني ومن عاداهم فقد عاداني ومن ناواهم فقد ناواني، ومن جفاهم فقد جفاني، ومن برهم فقد برني، وصل الله من وصلهم، وقطع من قطعهم، ونصر من نصرهم، وأعان من أعانهم، وخذل من خذلهم، اللهم من كان له من أنبيائك ورسلك ثقل وأهل بيت، فعلي وفاطمة والحسن والحسين أهل بيتي وثقلي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا»)[16].

ـــــــــــــــ
[1] سورة الزلزلة، الآيتان: 7 و 8.
[2] المحاسن للبرقي: ج1، ص150؛ دعائم الإسلام للقاضي المغربي: ج1، ص71؛ الأمالي للطوسي: ص493؛ تفسير الثعلبي: ج7، ص230؛ شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني: ج1، ص548؛ كشف الغمة للأربلي: ج1، ص328؛ ينابيع المودة للقندوزي: ج1، ص291.
[3] الأمالي للشيخ الطوسي: ص140؛ كشف الغمة للأربلي: ج2، ص11.
[4] الأصول الستة عشر بتحقيق المحمودي: ص333؛ تفسير أبي حمزة الثمالي: ص137؛ مستدرك الوسائل: ج1، ص151.
[5] سورة الزمر، الآية: 45.
[6] نظم درر السمطين للزرندي: ص231؛ الإصابة لابن حجر: ج1، ص406؛ فيض القدير للمناوي: ج2، ص220؛ كنز العمال: ج12، ص99.
[7] تعني بسامني دعاني إليه.
[8] مسند أبي يعلى الموصلي: ج12، ص384؛ شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي: ج33، ص92.
[9] مسند أحمد بن حنبل: ج2، ص288؛ فضائل الصحابة للنسائي: ص20.
[10] مسند أحمد: ج2، ص440؛ سنن ابن ماجة: ج1، ص21؛ مستدرك الحاكم: ج3، ص166.
[11] مستدرك الحاكم: ج3، ص130.
[12] سورة الصافات، الآية: 24.
[13] ينابيع المودة للقندوزي: ج2، ص332؛ الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري: ج1، ص20.
[14] الشفا بتعريف المصطفى للقاضي عياض: ج2، ص48؛ العجاجة الزرنبية للسيوطي: ص33؛ ينابيع المودة للقندوزي: ج1، ص7؛ وج2، ص254.
[15] شرف المصطفى للحافظ الخركوشي (مخطوط) يرقد في مكتبة الأسد الوطنية تحت الرقم (1887) ويحمل رقم المصغر الفيلمي (4891) الورقة 180، من جهة اليمين؛ ينابيع المودة للقندوزي: ج2، ص81؛ كتاب الأربعين للقمي الشيرازي: ص472؛ شرح إحقاق الحق: ج9، ص467.
[16] الأمالي للصدوق: ص473.

إرسال تعليق